ما يمتع في الليالي التي يجتمع فيها مجموعة من الأصدقاء، أن يستهلكوا بعض الوقت من اللقاء إما علي فنجان شاي أو قهوة أو عصير، ويمتد في بعض الأحيان اللقاء إلي عشاء أو تناول بعض السندوتشات ، ويتخلل عادة اللقاء أحاديث، عن أصدقاء أو زملاء آخرين أو أعمال مرتبطة مع البعض ، وغالباً يتعرض الأصدقاء إلي الأوضاع والأحداث الجارية، والإدلاء بالرأي فيها، ووضع تصور لما يجب أن يكون ، وعادة الأصدقاء يكون الحديث بينهم أكثر انفتاحاً وأكثر صدقاً، عما أن كان نفس الحديث بين زملاء عمل أو زملاء طريق أو سفر . وأتذكر مع أصدقاء لي منذ الدراسة الثانوية والجامعية خاصة بأن لقاءاتنا وأحاديثنا ، كنا نطلق عليها (حديث النميمة) منذ شبابنا ، كان لدينا لقاء نميمة يجمعنا وأتذكر جيداً وكذلك أصدقائي وهم الدكتور "سعيد الوتيري" والمرحوم المهندس "محمد أنور القباج" ، والمهندس "وفائي عبد الدايم" والمرحوم المهندس " فايق خضر" والدكتور "فاروق الششتاوي" ، والمهندس "إبراهيم عبد الصمد" جناح أيمن النادي الأهلي الشهير!! هؤلاء هم كانوا مجموعة أصدقاء (النميمة) كما أطلقنا عليهم في الستينيات ، وكانت مشاربنا تختلف حيث البعض منا كان مؤمنا بالإشتراكية وشارك في عضوية منظمة الشباب (مثلي) ومنهم من لا يؤمن بالإشتراكية بل يؤمن بالنظريات الرأسمالية ، وخاصة تلك الموجة الأمريكية التي إجتاحت العالم في أعقاب (ثورة الشباب) في فرنسا عام (1969)، وكان يتزعم فريق الأصدقاء في هذا الإتجاه المرحوم المهندس "فايق خضر" ، ويميل إليه المرحوم المهندس "محمد أنور القباج " ، وهو ما كان يمثل لنا رجل الأعمال في هذا الزمن ، حيث "محمد أنور" إبن المرحوم " أنور القباج" أصحاب محلات (أنور أفندي) أشهر محلات بيع الأقمشة الصوفية في شارع (سليمان باشا) (الله يرحم الشارع) !! ويرحم أصحاب المحلات المحترمة فيه وعلي رأسهم المرحوم "أنور أفندي"وكانت الأحاديث في (مجتمع النميمة)، تتعرض للسياسة العامة التي تنتهجها مصر بزعامة "جمال عبد الناصر". وكان لكل منا موقفه من تلك السياسات وخاصة بعد هزيمة يونيو (1967)!! ولم أر في عيون هؤلاء الأصدقاء المعارضون لي وبعضنا في رأيهم نحو السياسة العامة والرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، نظرة تعبر عن شماتة، بل العكس ، رأيت صباح (9يونيو) حينما تنحي الرئيس عن منصبه، رأيتهم جميعاً وكأننا علي قلب رجل واحد ، خرجنا للشوارع نبكي ونستصرخ الرئيس "عبدالناصر" للعودة!! نفس الموقف وأصعب ، يوم وفاة الزعيم في (28 ديسمبر 1970) ، لم نعد إلي بيوتنا لأكثر من أسبوع منذ إعلان الوفاة مساء يوم (28 سبتمبر) وحتي دفن الرئيس يوم (2أكتوبر) !! وأصبحت جلسات (النميمة) ، تتحول إلي جلسات كيف نستطيع أن نملأ الفراغ الذي تركه "جمال عبد الناصر"، بوفاته، وأعتقدنا أن مصر أصبحت في أشد الإحتياج لأبنائها آلان ، اكثر مما كان وقت أن يعيش "جمال عبد الناصر" بيننا!! فبادرنا بدخول "الجيش" من كان لديه إعفاء بأسباب مؤقتة أو دائمة ، تخلينا عنها وأنا منهم لنستكمل ما أراده " جمال عبد الناصر" في إعادة بناء (القوات المسلحة المصرية) ، وإستعادة الأرض وكان لدخول خريجي الجامعات " الخدمة العسكرية " أثر بالغ في تغيير شكل القوات المسلحة المصرية ، وكانت مظاهرات الطلبة في الجامعات المصرية في (فبراير 1968) ضد "أحكام الطيران " هي نتاج مجتمع "النميمة" بين شباب الوطن الذي كان مهموماً بمصر في الستينيات وأوائل السبعينيات هذه شهادة من (شلة النميمة)!!