فور الانتهاء من قراءة كتاب «اللعب بالنار...مشروع توريث جمال مبارك الذى أسقط مبارك» للبروفيسور جيسون براونلى واخرين بترجمة للدكتور حمد العي سى المترجم السعودى البارز يقفز إلى الأذهان ما نشره ملحق الأهرام الصادر يوم الجمعة الموافق 19 مايو الماضى والذى عرض فقرات من كتاب «رجل العاصفة» للقيادى البارز بالحزب الوطنى المنحل د.حسام بدراوى. القراءة المدققة للمادة المنشورة فى الأهرام تقول إن بدراوى أراد أن يغسل سمعته السياسية الملوثة بمشروع التوريث فكتب هذا الكتاب. وخلال هذه السطور ننقل بإيجاز الصورة التى قدمها بدراوى عن نفسه ودوره كما ورد فى مذكراته الصادرة بعنوان «رجل العاصفة» ثم نتوقف عند ما رصده «جيسون براونلى» أستاذ مشارك فى قسم العلوم السياسية جامعة ولاية تكساس-اوستن عن بدراوى ودوره الشيطانى فى مخطط التوريث الذى أفشله الجيش المصرى بانتصاره لثورة 25 يناير. بحسب ما نشر، فإن بدراوى-كما يقول عن نفسه- قد استشعر الخطر بعد نجاح ثورة تونس لذلك طلب مقابلة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك لكن لم تتم الاستجابة لطلبه ومن ثم طلب مقابلة جمال مبارك امين لجنة سياسات الحزب الوطنى وهذه اللجنة كان بدراوى ابرز اعضائها. ونمضى مع ما قاله بدراوى عن هذا الاجتماع: قلت لجمال مبارك خلال هذا الاجتماع يجب ان يستبق الرئيس التظاهرات بقرارات سياسية ترضى الناس. ويتابع: ما رصدته خلال اتصالاتى وأسرتى وتلامذتى واصدقائى واصدقاء ابنائى يقول ان هناك حالة غضب كبيرة بين الناس والشباب... الناس عايزة تغيير حقيقي»...لكن جمال مبارك رد على بدراوى قائلا: كلها 48 ساعة والناس هترجع لأعمالها وحياتها.. يمكن أنت تأثرت بكلام المعارضة اكثر من اللازم ..الناس فى الأطراف وفى الصعيد ماعندهمش الإحساس ده.. حصلت إنجازات كبيرة الناس حاسة بيها الفترة اللى فاتت والوضع هنا مختلف عن تونس الرئيس التونسى كانت قراراته خاطئة وتصرف بتسرع والجيش شد الكوبس». المهم كما يقول بدراوى: شعرت أن هناك مسافة كبيرة تفصل بين ما أراه فى الشارع وما رأيته من هدوء عند نجل الرئيس-جمال مبارك-. مساء الجمعة 28 يناير، وبحسب رواية بدراوي، عندما شاهد عبر شاشات التلفاز مبنى الحزب الوطنى وهو يحترق دمعت عيناه وتجمد الدم فى عروقه وانتفض شعر رأسه –كما يقول هو- ومن ثم اتصل بجمال مبارك فى تمام الثامنة من مساء هذا اليوم قائلا له: فين الرئيس؟ الأحداث تستدعى مواجهة الأمة.. لازم رئيس الجمهورية المنتخب يخرج يكلم الامة ويعلن القرارات اللى اتكلمنا فيها...الوضع لا يحتمل التأخير»...رد جمال: حيطلع يكلم الناس ويعلن قرارات». ثم فى صباح السبت 29 يناير حاول بدراوى-كما يقول- الاتصال بمبارك فلم يتمكن من الوصول اليه ثم حاول الوصول الى جمال فلم يستطع وأخيرًا تواصل مع سوزان مبارك ودار بينهما هذا الحوار: بدراوى: اسمحى لى يا هانم جايز ما يكونش ده دورى لكن واجبى يحتم على ان تنقلى رسالتى للرئيس.. المستشارون اللى حول الرئيس هم اللى أوصلوا الأمور للنقطة دى ..اخبرى الرئيس ان الخروج يأتى بتغيير الدائرة اللى بتحيط بالرئيس وخطاب الرئيس أمس لن يكفى لحل الأزمة. سوزان: رأيك ايه؟ بدراوى: الرئيس لازم يأخذ موقفا سريعا ويعلن للناس عدم ترشحه مجددا هو أو جمال.. ويستجيب للناس فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية. سوزان: احنا مطروح أمامنا كل الحلول.. واحنا بناقش كل الاحتمالات والرئيس سيأخذ القرار المناسب. وفى سياق آخر يقول بدراوى انه أول من اقترح ان يعلن مبارك تنحيه ويتولى عمر سليمان نائب الرئيس المسئولية طالبًا من سليمان ان يقترح ذلك على مبارك لكن سليمان رفض وقال إن طرحه لهذا الامر غير مقبول وإذا اراد بدراوى ان يقول ذلك لمبارك فليقله. وهناك وقائع اخرى يذكرها بدراوى عما شاهده وتحركاته طوال فترة الثورة المصرية. الخلاصة التى يمكن الخروج بها من كلام حسام بدراوى عضو لجنة جمال مبارك والتى عرفت إعلاميًا باسم لجنة السياسات، اننا امام رجل كتب شهادته او مذكراته معتمدا على قصص واحاديث لا نستطيع تصديقها ولا تكذيبها والغرض كما ذكرنا سابقا غسيل سمعته السياسية وهذا أمر مفهوم سياسيًا لكن الإخراج رديء وإلا فلا معنى لحديثه عن استشعاره خطورة الموقف فى 25 يناير.. لأن 25 يناير كانت ذروة الغضب نتيجة ما حدث قبلها من تصرفات وسياسات شارك فيها بدراوى نفسه وفى مقدمتها مشروع توريث جمال مبارك الذى كان يجرى الإعداد له على قدم وساق بزعامة بدراوى –رجل العاصفة- حسبما أطلق على نفسه. واذا كان من حق كل سياسى أن يغسل سمعته وأن يكذب ويتجمل مدعيا ما يشاء فمن حق المتابعين للمشهد السياسى برمته، أن يدافع عن الذاكرة والتاريخ والحق والحقيقة؛ بذكر الوقائع والأحداث التى يحاول البعض إغفالها وتغييب وعى الجماهير الذين عايشوا كل التفاصيل. فمن المعروف ان بدراوى كان من أبرز رجال جمال مبارك ويمكن اعتباره فيلسوف وعراب التوريث بل «رجل التوريث» وليس «رجل العاصفة» وهذا ينقلنا للحديث عن ما كتبه جيسون براونلى عن دور بدراوى الذى خصص له فقرة كاملة حيث توقف المؤلف عند عام 2006 باعتباره عاما مفصليا فى مخطط التوريث حيث تم تصعيد جمال فى فبراير 2006 ليصبح احد ثلاثة امناء مساعدين للحزب الوطنى فى الوقت الذى أصبح فيه وجود صفوت الشريف كأمين عام للحزب وجودا صوريا. وفى مايو من نفس العام زار جمال امريكا زيارة سرية التقى خلالها ديك تشينى نائب الرئيس الامريكى وستيفين هادلى مستشار الامن القومى الامريكى وانكشفت الزيارة بعد مشاهدة جمال خارجا من الباب الخلفى للبيت الابيض –مصادفة-. هذه الزيارة -برأى المؤلف- كانت بمثابة موافقة ضمنية من البيت الابيض على التوريث ومن ثم حاول الحزب الوطنى التقدم خطوة للأمام فى مشروع التوريث. وكان حسام بدراوى هو رجل الأقدار أو رجل تلك اللحظة حيث اعلن بوضوح فى مؤتمر الحزب الوطنى فى صيف 2006 ان الحزب قد يختار جمال مبارك لخوض انتخابات الرئاسة فى سبتمبر 2011. ويقول براونلى: بدأت السرية والغموض حول وضع جمال مبارك كرئيس ينتظر دوره تتلاشى عندما عقد الحزب الوطنى مؤتمره السنوى ذلك الصيف وصرح النجم الصاعد بقوة فى الحزب الوطنى حسام بدراوى بأن الحزب قد يختار ترشيح جمال للانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر اجراؤها فى سبتمبر 2011». ويوضح المؤلف اكثر الدور الشيطانى الذى لعبه بدراوى لتمرير المخطط الخطير لتوريث جمال مبارك فيقول: سعى بدراوى الى تمييز نموذج «التوريث الديمقراطى» فى مصر عن ما سبقه فى الجمهوريات الاستبدادية عبر الاشارة علنا الى وسيلة انتخابية «ديمقراطية-دستورية» محتملة لتوريث جمال مبارك رئاسة الجمهورية ولكن تصريح بدراوى وضح القواسم المشتركة بين خطة مبارك ومسرحيات الخلافة التى نفذها أقرانه من الحكام المستبدين الذين نفذوا توريثا سلاليا مع التأكيد على أن الوريث يتمتع بالجدارة والأحقية المؤسسية». واذا اردنا ان نوضح ما قصده المؤلف فى الفقرة السابقة فإن بدراوى حاول غسيل سمعة «مخطط التوريث» فأوضح ان من حق الحزب الوطنى ان يختار مرشحا للرئاسة فى 2011 وبحكم ان جمال قيادى بالحزب فالحزب سيخوض الانتخابات بجمال ...مما يعنى-شكليا طبعا- ان وصول جمال للسلطة لن يكون توريثا بل عبر انتخابات ديمقراطية لكن جاءت الثورة لتهدم هذا المخطط! ويبدو أن بدراوى بعدما فشل اول مرة فى غسيل سمعة « التوريث» يحاول الآن غسيل سمعته هو وإذا كان من حق الرجل أن يقول ما يشاء فالأمانة تقتضى نشر ما يفند أفعاله.