أكد د. عباس شومان وكيل الأزهر أن التعددية الفكرية ودراسة جميع المذاهب هى سمة الأزهر فى تعليم أبنائه قبول التعددية والتسامح، مشددًا على أن بيت العائلة المصرى نموذج يحتذى به فى كيفية التعاون فى الوطن وان الأزهر يسعى لإنشاء بيت عائلة عالمى لنقل التجربة المصرية فى التعايش للعالم أجمع. ولفت إلى أن الأزهر يقاوم الإرهاب من خلال طلابه الوافدين من كل مكان وتعليمهم كيفية مواجهة الفكر المتطرف، مشددًا على أن الأزهر أجرى العديد من التعديل على مناهجه فى إطار تحصين طلابه من الوقوع فى براثن الفكر المتطرف الذى يتخذ من الدين ستارا له. ■ بداية ونحن فى العشر الأواخر ما فضل ليلة القدر؟ - ليلة القدر من الأمور التى أكرم الله عز وجل بها المسلمين، والتى اختلفت أقوال العلماء فيها كثيرا، حتى إن بعضهم لم يحصرها فى رمضان، وبعضهم جعلها متعددة، تأتى أكثر من مرة فى العام الواحد، ولكن ما أجمع عليه أكثر العلماء، أنها فى رمضان، وأنها فى العشر الأواخر من رمضان، وفى الليالى الفردية منه، وبخاصة ليلة السابع والعشرين من رمضان. وليلة القدر ليلة الخير وليلة السعة وليلة ذات قدر عند الله عز وجل يكفى أن نعلم أن ليلة القدر هى ليلة نزول القرآن الكريم، الله عز وجل أنزله فى هذه الليلة إلى بيت العزة فى السماء الدنيا دفعة واحدة، ثم نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرق بعد ذلك فى مدة الرسالة كلها ليناسب مسايرة الأحداث. ■ وكيف يمكن للمسلم مصادفة ليلة القدر؟ - فى احتفاء السماء لهذه الليلة جعلت لنا ليلة القدر نتصالح فيها مع الله عز وجل ومع الخلق، ومن كان يريد مصادفة ليلة القدر فلا يكفيه تحرى ليلة بعينها ولا تحرى الليالى الفردية ولا تحرى ليالى رمضان وإنما ليلة القدر تدرك بالإخلاص وبسلامة النية وبالتصافى وبالتصالح، وتابع شومان قائلا: إن ليلة القدر لا يدركها عاق لوالديه، ولا قاطع لرحمه، ولا مدمن للخمر، هكذا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كان فيه خصلة من هذه الخصل المذمومة - وهى خصال لا ينبغى أن تكون فى مسلم - فعليه أن يدعها حتى يكون من أهل ليلة القدر. وتابع وكيل الأزهر الشريف: إذا كان الإنسان متحريًا إلى ليلة القدر فماذا عليه أن يفعل؟ عليه أن يجتهد فى العبادة وأن يقوم ليالى رمضان، والقيام فى ليالى رمضان يكفى أن يشهد صلاة التراويح مع الجماعة ثم صلاة الفجر مع جماعة وبذلك يكون كمن قام الليل كله فإن تهجد فهذا حسن وإن تطوع بركعات إلى الله عز وجل فهذا أحسن، ويجتهد فى العبادة وبإذن الله يكون من أهلها. وأضاف الدكتور شومان: وفى ليلة القدر ليلة يرسل الله عز وجل فيها الملائكة، فتسيح فى الأرض تمر على المصلين وعلى الراكعين وعلى القائمين تسجل أسماءهم وترفعها إلى الله عز وجل وتشهد لهم عند رب العالمين ليكونوا من أهل ليلة القدر. وليلة القدر من صادفها يحصل فيها من الثواب ربما ما لا يحصل عليه فى عمره كله، وليلة القدر كما قال عنها رب العالمين ليلة خير من ألف شهر أكثر من عبادة ثلاثة وثمانين سنة وهى تزيد على كثير من أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم التى ما هى ما بين الستين والسبعين. وتابع شومان قائلا: من صادف هذه الليلة مرة واحدة فى حياته كفته، فما بالكم بمن يصادفها فى كل عام من أيام عمره،مضيفاً: «نسأل الله عز وجل أن نكون من هؤلاء وأن يتقبل منا خالص الأعمال والدعاء إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير». ■ ننتقل لموضوع آخر وهو تعدد المذاهب فكيف يتعامل الأزهر مع الاختلاف المذهبى؟ - التعددية الفكرية هى السمة الرئيسية لفكر الأزهر الشريف، ومناهجه فى جميع التخصصات العربية والشرعية تقوم على هذا المبدأ وهذه التعددية هى التى تثقف الطلاب الدارسين وتجعل لديهم الاستعداد لتقبل الآخر، مضيفا إن تعدد المذاهب الفقهية لا يمثل مشكلة؛ لأن هناك أساسيات متفق عليها بين جميع المذاهب الفقهية فكلها تتفق على أن الله واحد وأن أركان الإسلام منحصرة فى خمسة أركان وعلى أن بعض الممارسات محرمة فى الشريعة الإسلامية كالقتل والسرقة وغيرها وكل ذلك متفق عليه بين المذاهب المختلفة، أما الخلاف فلا يكون إلا فى المسائل الفرعية التى لا تضر بل تيسر على الناس أمور حياتهم. والدراسة بالأزهر بهذه الطريقة تعلم الطلاب التعددية بأنواعها الدينية والفكرية والثقافية، وكل شخص من حقه أن يؤمن بما يشاء لكن ليس من حقه أن يفرض ذلك على غيره؛ لذا لا يجد الأزهر مشكلة أو غضاضة فى التعامل مع الكنائس الشرقيةوالغربية فالأزهر يؤمن أن أصحاب الديانات يستطيعون أن يعملوا معًا من أجل تحقيق السلام ويبقى الحساب والمعتقد لله وليس لأحد من البشر أو لدين دون آخر. ■ ماذا عن طبيعة العلاقة بين الأزهر والكنيسة؟ - لدينا عمل مشترك مع الكنيسة فعندنا كيان فريد اسمه بيت العائلة واستجابت إليه الكنائس وذلك عقب أحداث مؤسفة تعرض لها الشعب المصري، هذه التجربة توجد بها 10لجان مختلفة وتم انشاء أكثر من فرع فى محافظات مصر وجار استكمال فروع باقى المحافظات، نتيجة لنجاح التجربة، بل وهناك بعض الدول طلب من الأزهر الاطلاع على التجربة لدراستها ونقلها إلى بلادهم، ونسعى حاليا لإنشاء بيت للعائلة العالمية بعد نجاح التجربة محليًا، وهو ما دعى إليه بالفعل مؤتمر الأزهر العالمى للسلام. ■ وكيف يواجه الأزهر أصحاب الفكر المتطرف؟ - رأى الأزهر واضح وصريح فهو ضد كل صور التطرف والإرهاب ومن يدعمهما فكريا وماديا، ويواجه هذه الظاهرة بقوة من خلال المواجهة الفكرية المباشرة بحصر الشبهات وتفنيدها وإبطال مزاعم أصحابها. وقد أنشأ الأزهر مرصدًا إلكترونيًا يعمل ب 11 لغة من اللغات الحية يقوم بهذا الدور، كما أطلق الأزهر مؤخرًا مركزًا عالميًا للرصد والإفتاء يستقبل استفسارات الناس بأحدث التقنيات لتفنيد الشبهات وحل المشكلات وتعريف الناس بأمور دينهم، هذا بالإضافة إلى أن الأزهر يرسل قوافل دعوية من مجموعة من الشباب خاصة للدول الغربية لنشر الفكر الوسطى للتعريف بالإسلام الصحيح. كما قمنا بإجراء تعديل على مناهجنا خاصة قبل الجامعية لإدخال معالجات على القضايا حتى تحصن أبناءنا من الوقوع فى براثن هؤلاء المتطرفين، لذا لا تجد أحدًا من خريجى الأزهر ينضم لمثل هذه الجماعات المخربة والمتطرفة، والأزهر لديه رؤية واضحة فى محاربة التطرف لكن على الجميع أن يتكاتف وأن نتحدث عن الأسباب الحقيقية للإرهاب والتصدى للداعمين له. خلال مشاركته فى الحفل الختامى لتكريم الطلاب الوافدين. ■ وما سبب ترك رحلات شيخ الأزهر للخارج؟ - هذه الرحلات للإمام الأكبر يدافع فيها عن الإسلام و يصحح الصورة المغلوطة فى أذهان الغرب، والتى تكونت من ممارسات وأفكار جماعات لم يفهموا الإسلام فهما صحيحا أو أنهم من الجماعات المغرضة التى تستخدم الدين الإسلامى لاستغلال عاطفة الشباب تجاه دينهم. ■ وما أهمية وجود الوافدين ودراستهم فى الأزهر؟ - الطلاب الوافدون ينقلون ما تعلمو فى الأزهر عن وسطية الإسلام إلى مجتمعاتهم، وما تعلموه من علماء الأزهر وكيف يتعاملون مع الآخر حتى المختلف معهم فى الرأى، وكيف يتعايشون معه ولا يتعرضون للآخرين بما يؤذيهم أو يقلل من شأنهم، وأن يتضافر ويتعاون الجميع للعمل فى ضوء المستجدات الإنسانية التى لا تختلف بين دين وآخر، حتى نتعايش معا وحتى نبتعد عن الشقاق وعن التطرف وعن الإرهاب الذى يرفضه إسلامنا رفضا قاطعا، وبذلك فإن الأزهر لا يصدر للعالم إرهابا ولكن يهديه أساتذة وعلماء.