استطاعت إندونيسيا أن تضع لنفسها مكانة بين الدول الأكثر نمواً فى العالم، حيث تحتل المرتبة الخامسة عشر فى ترتيب الدول الأكبر اقتصاديا فى العالم، بناتج محلى إجمالى بلغ 940,95 مليار دولار عام 2016، بمعدل نمو بلغ 6% سنوياً خلال السنوات الأخيرة، وقد اعتمدت اندونيسيا فى تلك النهضة الاقتصادية على عدد من العوامل ساعدتها فى تحقيق المناخ الملائم لبناء قاعدة اقتصادية عملاقة قادرة على المنافسة بقوة على المستوى الإقليمى والدولي، منها: أولاً: الدور الحكومى النشط فى الحياة الاقتصادية: تعمل إندونيسيا على إنشاء بنية صناعية كبيرة ترتكز على تقنية متطورة من أجل توفير طبقة واسعة من العاملين الذين يتمتعون بمهارات عالية تكون لديهم القدرة على الابتكار والابداع والتطوير بهدف الاعتماد على الذات بعيداً عن الكوادر الأجنبية، ولذلك فإن الدور الحكومى يظل كبيراً فى الحياة الاقتصادية، حيث تعمل الدولة على توفير نظام تعليمى متطور، وتوفير شبكة تأمين اجتماعى وصحى شامل، كما سعت إلى المشاركة فى الحياة الاقتصادية بامتلاكها 141 شركة عامة كبري، من خلال الاستحواذ على جزء كبير من أصول شركات القطاع الخاص من خلال القروض المتعثرة لذلك القطاع عقب الأزمة الاقتصادية التى عصفت بالبلاد عام 1997، كما تسيطر الدولة على أسعار بعض السلع والخدمات الحيوية كالمحروقات والكهرباء والسكر والأرز الذى يعد الغذاء الأساسى الأول لكل الشعب الاندونيسى الذى يبلغ تعداده نحو 240 مليون نسمة. ثانياً: الاستقرار السياسى: فمنذ استقالة الرئيس سوهارتو فى مايو 1998، وتصويت تيمور الشرقية لصالح الانفصال عن اندونيسيا عام 1999، تم ترسيخ قواعد عملية للحياة السياسية، وتوفير برامج للحكم الذاتى الإقليمي، فتم إجراء أول انتخابات رئاسية مباشرة عام 2004، ومن ثم شهدت البلاد حالة غير مسبوقة من الاستقرار السياسى والاقتصادى والاجتماعي، واختفى الفساد والارهاب من المجتمع الاندونيسي، بفضل المشاركة الواسعة للاندونيسيين فى الحياة السياسية من خلال مجموعة من الأحزاب القوية تمثل الثقل السياسى فى البلاد مثل «حزب جولكار، الحزب الديمقراطى النضالي، حزب التفويض القومي، حزب نهضة الشعب، حزب التنمية المتحد»، إلى جانب العديد من الأحزاب الأخرى ذات التوجهات الفكرية والعقائدية، مثل الأحزاب الإسلامية والتى بلغ عددها نحو 14 حزباً، منها « - الحزب الاندونيسى الجديد، حزب الشعب الإسلامي، حزب مشاومى الجديد، حزب التنمية المتحد، حزب النجمة والهلال، حزب العدالة، حزب نهضة الأمة، الحزب الإسلامى الديمقراطى»، وحزبان مسيحيان « الحزب المسيحى الاندونيسى (سيتومبول تمبونان)، الحزب الكاثوليكى الديمقراطى (ماركوس مالى )، و27 حزباً علمانياً، ترفع شعار « البانكسيلا « أى أن الله واحد، والمساواة والعدل والإخاء للجميع، وهذا التنوع الحزبى الكبير ساهم بشكل كبير فى تحقيق الشفافية والرقابة الفعالة على الأداء الحكومي، كما ساهمت المشاركة السياسية الواسعة فى تهيئة الأجواء أمام الشباب للإبداع والابتكار فى مختلف المجالات. ثالثاً: شكل العلاقات الإقليمية والدولية: تحاول اندونيسيا أن تراعى قواعد عدم الصدام فى علاقاتها الخارجية مع محيطها الاقليمي، خاصة الصين، القوة الاقتصادية الكبرى فى المنطقة، لذلك فإن إندونيسيا تحاول إقامة علاقات مع شركاء ليس لهم أطماع أو تنافس مع الصين، ومن ثم فإنها تتجه فى علاقاتها الخارجية مع القوى الاقتصادية الناشئة مثل مصر والمملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج وتركيا، كما تقيم علاقات قوية مع الصين سواء بشكل ثنائي، أو من خلال رابطة «آسيان»، حيث تعتبر الصين أكبر شريك تجارى مع دول الرابطة. لدى إندونيسيا طموحات أكبر من دول «آسيان» الأخري، ولها حسابات وتطلعات ذاتية جعلت منها أولوية فى التعامل والتفاهمات الإقليمية، وهذا ما جعلها تهتم أكثر بعلاقات طيبة وواسعة من الدول الأخرى خارج إطار «آسيان»، لذلك فهى تقيم علاقات قوية مع الدول الأخرى سواء بشكل ثنائي، أو من خلال الاتحادات والتجمعات والمنظمات الإقليمية بهدف تحقيق أهداف سياسية واقتصادية وأمنية هى فى حاجة لها لاستمرار تقدمها وتحقيق طموحاتها، حيث تسعى إندونيسيا دائما إلى فتح أسواق جديدة وواسعة تستوعب قدراتها الإنتاجية الهائلة والتى لا تستوعبها أسواق دول « آسيان «، التى تتشابه بشكل كبير معها فى بنيتها الاقتصادية. ورغم الطموحات الكبرى لاندونيسيا إلا أنها لا تحاول أن تغرد بمفردها خارج سرب «آسيان»، حيث تعمل على جذب دول الرابطة إلى تطوير علاقاتها مع الأسواق الخارجية، فقد كانت اندونيسيا صاحبة فكرة خروج دول « آسيان « من نطاقهم الجغرافى الضيق، والانفتاح على مناطق ودول أخرى تملك مقومات اقتصادية قوية، ولذلك تم توقيع اتفاقية صداقة وتعاون مع العديد من الدول منها « كوريا الجنوبية، اليابان، روسيا، الولاياتالمتحدة، تركيا، مصر، المغرب»، ولكن هذا لا يمنعها من السير بخطى أسرع عن خطوات «آسيان» التى تحكمها العديد من القيود المرتبطة بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل دولة من دول الرابطة العشر. إندونيسيا التى تتكون من أرخبيل هائل من الجزر يبلغ عددها نحو 17 ألفا و508 جزر، ورابع أكبر دولة من حيث عدد السكان فى العالم، وتتصدر الدول الإسلامية من حيث عدد السكان وتسعى للاستفادة من كل المزايا الجغرافية والموارد الطبيعية والبشرية التى تمتلكها فى صناعة نموذج اقتصادى خاص بها، يراعى القيم والتقاليد الإندونيسية كمجتمع إسلامي، وفى نفس الوقت يؤمن بثقافة التنوع مع أصحاب الديانات والثقافات الأخري، خاصة أن اندونيسيا يعيش بها خليط من المعتقدات الدينية السماوية كالمسيحية واليهودية، إلى جانب الديانات غير السماوية كالبوذية وغيرها، ومن ثم تعمل لتطويع النموذج الاندونيسى بما يحافظ على ذلك النسيج الاجتماعى الذى يحفظ للبلاد أمنها واستقرارها، ويكون ذلك عاملاً مؤثراً فى تحقيق أهدافها وطموحاتها التى تسعى إليها منذ أن بدأت خطواتها الجادة نحو الصعود إلى مصاف الدول المتقدمة.