محافظ الجيزة يعاين الحالة العامة للطرق والمحاور المرورية والمسارات المؤدية للمتحف المصري الكبير    محافظ الشرقية يسلم عقود وحدات سكنية بديلة لمتضرري إزالة عمارات الصوامع بحي أول الزقازيق    الجامعة العربية تدين الجرائم المروعة المرتكبة في حق المدنيين بمدينة الفاشر    أحمد حسام عوض: الأهلي يستطيع تحقيق طفرة اقتصادية كبيرة    انقلاب سيارة ملاكي بالرياح التوفيقي بطريق بلتان بالقليوبية    حزب المؤتمر: المتحف المصري الكبير أيقونة الجمهورية الجديدة ومشروع وطني يجسد قوة مصر الناعمة    النائب محمد الأجرود: المتحف المصري الكبير صرح حضاري عالمي يجسد عظمة تاريخ مصر    تامر الحبال: افتتاح المتحف المصري الكبير إعلان ميلاد عصر ثقافي جديد برؤية مصرية خالصة    وكيل تعليم القاهرة يتابع سير العملية التعليمية بمدارس مصر الجديدة    وزير الرياضة يُهنئ النوساني بعد فوزه على اللاعب الإسرائيلي في بطولة كندا للإسكواش    جوارديولا يوضح موقف رودري وهالاند قبل مواجهة سوانزي سيتي    دورات تدريبية لعمال التوصيل ضمن مبادرة «سلامتك تهمنا»    السياحة: استعدادات مكثفة داخل المتحف المصرى الكبير تمهيدا للافتتاح المرتقب    «مستقبل وطن» يواصل عقد اللقاءات الجماهيرية بالمحافظات لدعم مرشحى مجلس النواب    لافروف: روسيا بحاجة إلى ضمانات بأن لقاء بوتين وترامب سيحقق نتائج    قبل الشتاء.. 7 عادات بسيطة تقوّي مناعتك وتحميك من نزلات البرد والإنفلونزا    وجبة الإفطار مرآة جسمك.. ما لا يخبرك به فقدان الشهية الصباحية عن حالتك الهرمونية والنفسية    بعد وفاة طفل بسببها.. ما خطورة ذبابة الرمل السوداء والأمراض التي تسببها؟    جامعة بني سويف ترفع كفاءة أطباء الأسنان.. تدريب علمي حول أحدث تقنيات التخدير الموضعي وحشو العصب    رسميًا| مجلس الوزراء يعلن بدء التوقيت الشتوي اعتبارًا من الجمعة الأخيرة بالشهر الجاري    أخبار الفن.. استعدادات لتصوير "حين يكتب الحب" و"ابن العسل".. طرح "السلم والثعبان2" و"برشامه" قريبا.. وارتباك وغموض في "شمس الزناتى 2"    بعد تسريب بيانات 183 مليون حساب.. تحذير عاجل من الهيئة القومية للأمن السيبراني لمستخدمي Gmail    رسميًا مواعيد المترو بعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 2026 بالخطوط الثلاثة    اللجنة الفنية باتحاد الكرة: حلمي طولان محق في تصريحاته ويجب الحفاظ على شكل المنتخب    فرج عامر: ماحدث من لاعبي سموحة أمام الجونة " كارثة ومأساه"    ماليزيا تعلن استعدادها للانضمام إلى "بريكس" فور قبولها    عون يؤكد ضرورة وقف الخروقات الإسرائيلية المستمرة على لبنان    «تعمير» تعلن عن شراكة استراتيجية مع «The GrEEK Campus» بمشروع «URBAN BUSINESS LANE»    رؤية نقيب الصحفيين للارتقاء بالمهنة في ظل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي    روزاليوسف.. ساحة الاختلاف واحترام التنوع    افتتاح المبنى الإداري الجديد لكلية الهندسة جامعة الأزهر في قنا    زلزال سينديرجي يعيد للأذهان كارثة كهرمان مرعش في تركيا.. تفاصيل    فوزي إبراهيم بعد حلقة الحاجة نبيلة مع عمرو أديب: «المؤلفون والملحنون شاربين المر ومحدش بيذكر أسماءهم»    قوافل جامعة قناة السويس تتوجه إلى قرية أم عزام لتقديم خدمات طبية    شوبير يكشف حقيقة العرض الليبي لضم أشرف داري من الأهلي    قبل العرض الرسمي.. إليسا تطلق أغنية «السلم والتعبان – لعب العيال»    «أوقاف دمياط» تنظم ندوات حول التنمر والعنف المدرسي    الطائفة الإنجيلية: التعاون بين المؤسسات الدينية والمدنية يعكس حضارة مصر    نجم اتحاد جدة السابق يضع روشتة حسم الكلاسيكو أمام النصر    الإفتاء توضح الحكم الشرعي لتقنية الميكرو بليدينج لتجميل الحواجب    وزيرة التخطيط: تهيئة بيئة الاستثمار لتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص    موعد مباراة أتالانتا وميلان في الدوري الإيطالي    الداخلية تعلن البدء فى إجراء قرعة الحج بعدد من مديريات الأمن بالمحافظات    حملات أمنية مكبرة بكافة قطاعات العاصمة.. صور    الرئيس السيسى يثنى على الخدمات المُقدمة من جانب صندوق تكريم الشهداء    مقتل ثلاثة أشخاص في جامايكا أثناء الاستعدادات لوصول إعصار ميليسا    عشرات شاحنات المساعدات تغادر رفح البري متجهة إلى غزة عبر كرم أبو سالم    الشبكة هدية أم مهر؟.. حكم النقض ينهى سنوات من النزاع بين الخطاب    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ومستشار الرئيس الأمريكي لبحث تطورات الأوضاع في السودان وليبيا    غيران ولا عادي.. 5 أبراج الأكثر غيرة على الإطلاق و«الدلو» بيهرب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-10-2025 في محافظة الأقصر    ضبط 3 أطنان دقيق في حملات مكثفة لمواجهة التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    14 شاشة لمشاهدة احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير بأسوان    بالأرقام.. حصاد الحملات الأمنية لقطاع الأمن الاقتصادي خلال 24 ساعة    الباعة الجائلون بعد افتتاح سوق العتبة: "مكناش نحلم بحاجة زي كده"    خالد الجندي: في الطلاق رأيان.. اختر ما يريحك وما ضيّق الله على أحد    بعد خسائر 130 دولارًا| ننشر أسعار الذهب في بداية تعاملات الثلاثاء 28 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاح الراوى: التاريخ بحاجة لإعادة قراءة لتنقيحه من التزييف المسيس 1
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 19 - 04 - 2017

الحكاية الشعبية هى ذاكرة التاريخ الخفية.. متون شفهية تكثف خلاصات تجارب الشعوب فى قول مأثور مثل إدراج حكمة مجهولة المصدر ومعروفة القصة والأصل فهى وإن تُركت لتواجه احتمالات النسيان والتلاشى إلا أن فى كل جماعة إنسانية هناك من يحفظها ويدونها فهى إرث أجداده وكنزه فى الحياة الذى كلما اغترف منه زاده علماً وزانه عقلاً.. هى قصص لأبطال لم تحكها السلطة رواها الأب لابنه والجد لحفيده.. ومن «الراوى» الكبير ل«الراوى» الصغير بدأت رحلة صلاح حسين الراوى (أستاذ الفنون الشعبية بأكاديمية الفنون وعضو مجلس إدارة اتحاد الكتاب سابقا) مع تراث أجداده الشعبى.. وكان ل«روز اليوسف» حوار خاص معه.
■ هل مهدت النشأة الأولى فى عمق الصعيد طريق «الراوي» لدراسة الأدب الشعبى؟
شهدت عدة تنقلات داخل الصعيد، فالميلاد كان فى مدينة إسنا بمحافظة الأقصر 3 يناير عام 1946 ثم انتقلنا إلى قنا واستقر بى الحال فى أسوان منذ عام 1948 وحتى الآن، بينما أصول عائلتى تعود إلى سوهاج، أنا من أسرة معظمها لا يعرف القراءة والكتابة، القدر وحده من وجهنى إلى هذا المجال فقد كانت نشأتى فى قرية تدعى «الكرور» قرب منطقة خزان أسوان، أنا لست نوبياً ولكننى تربيت فى القرية النوبية وعالمها السحرى وعلاقتها بالنهر إذ كانت قريبة من جبل يكاد يدفعها دفعًا لتسقط فى النهر وهو غول باندفاع مائه حيث تولد منه الكهرباء، وأنا ارتبطت بهذا العالم ونباتاته السنط والقرض.. لعبت كرة ولم أكن ماهراً فيها لكنها فترة أكسبتنى ثقافة كروية حيث قرأت عن قوانين الكرة وآلياتها وقواعدها القراءة لى كانت المدخل الرئيسى لمعرفة أى شيء، فى الأسرة وأبناء القرية لم يهتموا كثيراً بالقراءة والتعليم لكننى اخترت هذا الطريق من البداية وسلكته بل وأكثر من ذلك فقد كنت أعد نفسى من الصغر لأصبح أستاذاً جامعياً.
التحقت بمدرسة المعلمين ثم تركت الدراسة للعمل بالسد العالى خلال هذه الفترة لمدة عشر سنوات بداية من 1965 استأنفت بعدها دراستى فى المرحلة الثانوية تلاها كلية الآداب وحصلت على ليسانس اللغة العربية واشتغلت بالتدريس فى محافظة أسوان لمدة 6 أعوام ثم انتقلت خدمتى العسكرية حيث تعلمت العبرية وأنهيت الخدمة وعدت إلى التدريس فى أسوان مرة أخرى واستقر بى المقام فى القاهرة كمدرس ثم صحفياً فى جريدة الجمهورية ثم باحثاً فى مركز دراسات الفنون الشعبية أهم مؤسسة علمية فى مجال الفلكلور وصرت عضواً فى هيئة التدريس بمعهد الفنون الشعبية حتى الآن.
■ كان لك تجربة مع الصحافة.. حدثنا عنها؟
خلال فترة دراستى فى الجامعة كنت سكرتير تحرير «جريدة السد العالي» التى تصدر عن أسوان حيث كان يتم توضيبها فى أسوان وتطبع بمطابع روزاليوسف..وذلك خلال الفترة بين 1971- 1972 أكاد أكون تربيت فى روزاليوسف.. فى تلك الفترة تعرفت إلى شخصيات أثرت فى كثيراً مثل المرحوم صلاح حافظ أحد القامات الكبيرة لم ألتقيه لكنه من أكثر الشخصيات أثراً فى حياتي، فضلاً عن ما كنت أرسله من مقالات كانت تنشر فى روزاليوسف تحت عنوان «حوار الأسبوع» وكانت تثير ضجة فى أسوان حيث كنت أناقش قضايا سياسية خطيرة فى الفترة التى كان يرأس إدارتها عبد الرحمن الشرقاوي.
■ ماهى قصتك مع الحكاية الشعبية؟
أنا ابن الحكاية الشعبية تربيت عليها نقلاً عن جدتى وأمى ووالدى كان حكاء كبيراً ورثت عنه القدرة على الحكى وأنا أوسط أبنائه، أسماء إخوتى اشتقت من أسماء الأنبياء ماعداى أنا صلاح، كل هذه المفارقات شكلت قصتى مع الحكاية الشعبية فى مجتمع حكاء ارتبطت فيه الصوفية بالقص بعالم النهر وغرائبه واعتقاد فى حياة البشر مع ملائكة النهر وقصص الجن والعفاريت وعم عبد الله ساحر القرية وطبيبها العقائدي، ذلك الرجل الضرير الذى دارت عنه قصص بأنه عاش مع ملائكة النهر وعاد ليسحر القرية ويمضى فى طريقه دون أن يقبل مساعدة من أحد أن يقوده وله فصل خاص فى روايتى «الشلال لا يعرف الحزن»، وهناك أيضاً «صفورة» مقولة القرية التى استعانت بها الملائكة فى ميلاد أحد أبنائها ولها فصل خاص فى روايتى لإعادة قراءة هذا العالم رؤية جديدة تضم أكثر من زاوية عين العالم والروائى والمحب الذى لم يتخذ موقف نقدى بقدر التعاطف والتأكيد على بعض مناطق الضوء فى هذه الثقافة.
■ كان للحكاية الشعبية أثر كبير فى تكوين ثقافة المصريين هل اختفى هذا الأثر بحلول تكنولوجيا الاتصال وشغلها حيز عظيم من حياتهم؟
مادمنا تحدثنا عن أثر الحكاية الشعبية فنحن نتحدث عن وظيفتها فى مجمل شئون الحياة حتى فى الجسم الإنساني، هناك وهم حتى لدى أساتذة الفلكلور والأدب الشعبى أن أثر الفلكلور له نقطة ينتهى عندها وأن الموجود حالياً ليس فلكلور، الحقيقة أنه لا توجد نقطة يقف عندها أثره فهو يطور نفسه باستمرار وفقاً لاحتياج المجتمع فإذا احتاج حكايات يصنعها ويغير مساره لكنه لا يقف عند نقطة بعينها، فمثلا الشعر عند قبائل «على» الشاعر هو شاعر القبيلة القديم الذى إذا قال قصيدة هجاء ترتجلها القبائل، ويحتفلون لظهور الشاعر شأنهم شأن الحياة فى العصر الجاهلى وصدر الإسلام و الشفهية هى الغالبة لكن عندما توافر «جهاز التسجيل» وضع الشاعر القصيدة على شريط كاسيت ويبعث بها على شريط كاسيت لتسافر من العامرية إلى مطروح وحتى ليبيا وتهز الناس فى نقدها، فالقصيدة مازالت تؤدى دورها شأنها شأن الحكاية طالما أن المجتمع بحاجة إلى هذه الوظيفة، إذا انتفت الوظيفة توقف عن استعمالها أو قام بتعديلها، تتلون وتتطور وتستجيب لحاجة المجتمع. بالنسبة لى الثقافة الشعبية وظيفتها مقاومة الحتم الفيزيقى الطبيعى والميتافيزيقى ما وراء الطبيعة والحتم الطبقى والاجتماعى تنتج ثقافة مضادة ثقافة مقاومة، فنجد بعضها ليس لديه باليه ولكن ليده رقص شعبي،المقابل للجمباز ألعاب شعبية..كرة القدم لعبة جماهيرية وليست شعبية، السيجا والتحطيب والفروسية لعبات شعبية، لكن يظل مجتمع مثل حلايب - من خلال عملى به لفترة- يحافظ على ثقافته فهو منعزل بعض الشيء رغم وجود التليفزيون وإعجابهم بإحدى الممثلات بعينها «نورا» لأنهم شاهدوها فى الفيديو وتتخلل أغانيهم الشعبية وهو ما يعنى أنه مجتمع يطلع على ثقافة الآخرين ويحدث تطوير لآلياته، لديهم ملاحظات على فيلم «عمر المختار» النسخة العربية أدق من ملاحظات النقاد، لأنهم يحاربون بفرسهم وأسلحتهم حتى وقت قريب ويعلمون من هو عمر المختار، تظل الوظائف للجماعة الشعبية حكاية وغير حكاية وسير وغيرها وظيفتها قائمة مادامت الحاجة لذلك ويتطور منتجها باستمرار.
■ عندما يفتقد المصريون قصص البطولة الحقيقية هل يبحثون عنها فى الحكاية الشعبية والأساطير «البطل المخلص»؟
بالتأكيد الحكاية لها وظائف أخرى وهى التربية، فمثلاً قصة «أمنا الغولة» من يقبل بأن تكون أمه «غولة» ؟..من يقبل فى الحكاية أن تقتل الفتاة أمها حتى تتزوج بأبيها «الخياطة» شيء مناف لمعتقدات المجتمع وينتقده بشدة. لكن الفتاة فى الحكاية لا تقتل هى تتخلص من مجموعات الجذر الأنثوى لتستقل.. فنجد فى مجتمعنا الأم تقتل شخصية الابن أو الابنة على المستوى النفسى فتأتى الحكاية وتحرر الطفل من سيطرة الأم على المستوى الفنى أو الرمزى كل ما تنطلق تتحرر أكثر وهى نماذج فى حياتنا، غيرة الأم من سيطرة زوجة الابن على عقله، ونجد حتى الآن فى أوساطنا مصطلح «ابن أمه» دلالة على أسلوب غير سوى فى تربية الأم لطفلها.
■ لماذا السيرة هى الأطول عمراً والأكثر شيوعاً.. «القصة التى لاتموت» مثل سيرة بنى هلال؟
«سيرة بنى هلال» هى النموذج الفريد من «السير» حتى الآن لم يفهمها الناس جيداً حتى الكتاب من تناولها فى دراما تليفزيونية من أمثال يسرى الجندى، «سيرة بنى هلال» ليست التاريخ وإنما هى المعالجة الفنية من الجماعة لتاريخها نتيجة ضغط الحكم العثمانى لقرون استحضروا تجربة أبوزيد الهلالى، ويمكن لنفس المجتمع فى ظل ما عاصره من ظروف أن يطرح سيرة «جمال عبدالناصر» بعد 200 سنة أما الآن لن تكون سيرته ناضجة، فعندما تحتاجها الجماعة الإنسانية تشعر بحاجتها إلى زعيم فيستحضرون شخص «جمال عبدالناصر» ويصبغ عليه بطولات ويصنع منه نموذج هو بحاجة إليه فيقدم تجربة مختلفة عن التاريخ.فى سيرة بنى هلال إعادة إنتاج فنى لجزء من تاريخ القبائل والمصريين على مستوى رمزى لمقاومة ظرف تاريخى معين ويظل إنتاج مستمر حتى الآن، فتجد أنها فى مطروح مختلفة فى روايتها عن باقى محافظات مصر لأن سكان مطروح ذاقوا حرب القبائل ويعلمون أصولها جيداً فالفارس لا يوقع بضربة سيف ألف رجل وإنما رجل واحد فقط لأنه مازال ابن البادية ولد محارب مازال يقفز على صهوة جواده ويحارب من اعتدى على إبله وسرقها، مستوى رمزى آخر فى رواية السيرة لما لديه من خبرة وطاقة إبداعية وقتالية تمنعه من تصديق الخرافات، فنجد سيرة بنى هلال فى البادية تروى فى 6 ساعات وفى الصعيد تروى فى 6 أشهر.
■ هل تم استغلال «صلاح الدين» فى الدعاية السياسية؟
كمصريين زيفت لنا بعض الرموز التاريخية منها مصطفى كامل وأحمد عرابى وسعد زغلول وصلاح الدين الأيوبى ذلك الكردى الذى اعتلى عرش مصر وقلب الأمر لصالحه ومعظم الحروب التى خاضها فى منطقة الشام بين حكام العرب كانت أكثر من الحروب التى خاضها مع الصليبيين وورث الأقاليم لأولاده ودخل فى نزاع شديد مع العرب، بينما أجرى صلحاً مع الصليبيين فى ظل احتلالهم لأربع ممالك لم تحرر فى عهده وإنما فى العصر المملوكى، أما شخصية صلاح الدين التى طرحت تاريخيا وروائياً فهى تلك الشخصية التى رسمتها السياسة العامة، كذلك الأمر بالنسبة لمصطفى كامل الذى اعتبر نموذجاً فريداً للبطولة والوطنية هو ابن بار فكرياً وسياسياً للباب العالى العثماني، وهناك اختبار مهم وضع فيه عندما تزوج الشيخ على يوسف ابنة الشيخ السادات وقف مصطفى كامل ضد زواجه وقال إنها ليست كفأ له وأيد موقف الشيوخ وطالب بتفريقهما، أما مذكرات أحمد عرابى فهى كفيلة بأن تخرجه من هالة الزعامة إذ يقول فى مذكراته أن «الخديوى لم يرقنى أى ترقية». مازلنا نختلق لأنفسنا أبطالا من التاريخ. التاريخ بحاجة لقراءة من جديد والخروج من دائرة البطل الفرد فلا أحد ينجح فى حراكه وحده، المشكلة فى البشرية كلها أنه تبحث عن البطل الفرد الملهم، من يعلق على شخص «عبدالفتاح السيسى» كل الهم هو على باطل ومن يعلق عليه كل آماله هو على باطل ومن يعجب به إعجابًا مطلقًا هو على باطل ومن يكرهه كراهية مطلقة هو على باطل لأنهم يبحثون عن البطل الفرد، الفرد فى النهاية بشر محدود القدرات، جمال عبد الناصر مات وعمره 52 عاماً طبيبه قال «قتلتوه» قالوا «هو قضاء الله»، فقال «لا أنتم حملتوه فوق طاقته»، أى عقل يجيز لرئيس الجمهورية قراءة تقارير يومية ويحقق فيها ويعالج كل صغيرة وكبيرة بنفسه، السياسة العامة توضع طبقاً لمفهوم الدولة لا القبيلة، وحتى شيخ القبيلة ليس رئيس القبيلة وإنما عاقلها يختارونه لكن القبيلة كلها تدلى برأيها فى كل صغيرة وكبيرة لكنهم يرجعون إليه جزءًا من المتابعة وتنظيم الحياة بينهم.
■ معظم من طرحوا على الساحة فى ثوب البطولة ألبسهم إياه الكُتاب والروائيون فى عصور متباينة هل ترى فى هؤلاء الكتاب أقلاماً للسلطة؟
يمكن أن نستعرض 300 اسم من الشخصيات التى صاغت وصنعت أبطالاً مزيفين وهم نخبة من الصحفيين وكتاب وروائيين تورطوا فى سياقات حزبية وكان يفاخر بعضهم بأن عبد الناصر يستدعيه من المعتقل ليستشيره فى أمور الحكم، كارثة هذه الأمة فى النخبة لأن مشكلتها أنها خرجت من الطبقة الشعبية فى معظم الحالات وتريد أن تتخلص من هذا الانتماء وتشعر بأن الشعب يسحبها إلى الخلف، عينها تحت نعل السلطة وأقدامها تبحث عن مخرج من طبقتهم الأصلية، كل الخيانات كانت من النخبة والسلطة تستعملهم طول التاريخ استعمالًًا مطلقًا، لذلك هم لا يحبون «جرامشي» هذا المفكر الإيطالى الفذ فقد كان لا يكترث للمفاهيم المستقلة ولا متطلبات السلطة، النخبة من صحفيين وكتاب وإعلاميين وأساتذة جامعيين وأعضاء مجلس النواب يتحركون وفق ما تريده السلطة ويدخلون داخل انتماءات السلطة بالإضافة إلى الانتماءات الخارجية.
■ المقاومة الشعبية فى الحكايات والأمثال ضد السلطة المطلقة؟
كل الثقافة الشعبية فى جوهرها مقاومة وهى تضم تراثاً ومأثوراً، والفارق بينهما تاريخى ووظيفى فنجد هناك خمسة أجناس قيم هى تصورات ومعتقدات، خبرات ومعارف، عادات وتقاليد، فنون وهى خمسة أنواع: قولى وحركى وموسيقى ودرامي، والخامس تشكيل المادة «الصناعات»، مجمل هذه الثقافات هى مقاومة لقوانين الطبيعة، المقاومة «الميتافيزيقية» لكل الغيبيات التى لا يفهمها البشر مثل الجن والأمراض والزار،وهناك المقاومة الطبقية مقاومة الثقافة التى تحاول فرضها السلطة أو الطبقة الحاكمة.. تلك هى نظريتى التى أدرسها، ونموذج صريح لهذا قصة اختلقها الناس ل«على ابن أبى طالب» يسير فى طريقه فوجد امرأة تبكى سقط عنها وعاء السمن على الأرض وهى امرأة فقيرة فعصر «علي» الأرض ليعيد للمرأة الفقيرة السمن المسكوب، وعندما حضر «علي» الموت أخبر أهله بألا يدفنوه فى الأرض حتى لاتعتصره كما اعتصر منها السمن فطلب منهم أن يكفنوه ويضعوه على ناقة ويقولوا لها سيرى بأمر الله فلما توفاه الله وضعوه على الناقة، فى هذه القصة ثلاثة أشكال للمقاومة أولاً مقاومة الحتم «الفيزيقى» فى أن الأرض تمتص السوائل لكن «علي» أعادها للمرأة، لماذا اختاروا «على» رغم أن «عمر» أكثر قوة وشجاعة لأن «على» قبره مجهول فيعالجون بذلك فكرة القبر المجهول، فكان إذا ماوصل إلى أنف أمى رائحة عطرة تقول «إنها ناقة على»، أما أنا فكنت أفسرها بأن وصلتها رائحة البرتقال المزروع فى مستعمرة كبار الموظفين فى خزان أسوان لأنها «تفوح» فى موسمها، وهكذا تظل «بكرة على» أو «ناقة على» تسير إلى يوم القيامة، ولديهم اعتقاد أن الأرض ستعتصر كل من يموت لتعيده إلى أصله تراب.
■ ما أزهى عصور الديمقراطية والإبداع الفكرى فى رأيك؟
الديمقراطية سنحياها حقاً عندما يختفى هذا السؤال، فلم يكن هناك عصر زاهى للديمقراطية فماهى إلا «الفردوس المفقود»، ما يروى عن ديمقراطية ماقبل ثورة يوليو فالحراك كان مختلفاً والقول بأن الثورة جاءت آنذاك وأممت الديمقراطية وأممت الصراع الطبقى لكن لا الملك ولا الأحزاب الفاسدة وقتها كانت نموذجاً للديمقراطية، حتى ما نقرأه من كتابات على سبيل المثال «لطفى السيد» أستاذ الجيل كتب «ويقال أن أصحاب المصلحة الحقيقية هم أصحاب رأس المال والأعيان يجب أن تمضى السياسة فى اتجاههم»، مطلوب إعادة النظر وتفتيش جريء فى كل ماطرح حتى الآن، مثال على الخلل العام فترة الثمانينيات السعى لحركة التنوير واسترداد كتب قديمة بكميات كبيرة ومواجهة الإرهاب نكتشف أن معظم الكتابات كانت إعادة نشر للقديم «قاسم أمين» و«مصطفى عبد الرازق»، ياجيل جابر عصفور عندما تسعى للتنوير فى عصرك لاتعيد نشر مؤلفات «مستقبل مصر» و«التعليم كالماء والهواء» أين إنتاجك التنويرى الذى يتوافق مع عصرك، مازالوا ينورون بقاسم أمين لتحرير المرأة، تحرير المرأة لا تمثله نوال السعداوى ولا فاطمة ناعوت ولا غادة السمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.