تعبير «أوهام القوة والنصر» مقتبس من كتاب للأستاذ محمد حسنين هيكل، نشره أثر الحرب الدولية ضد العراق عام 1991، وكان عنوانه: «أوهام القوة والنصر»، وهى ذات الأوهام بالنصر الكبير التى ربما راودت عقل صدام حسين عندما فكر باجتياح الكويت، وذات الأوهام بالنصر على النظام العراقى وتصفيته نتيجة الحملة الدولية ضده التى نظمتها الولاياتالمتحدة بذريعة تحرير الكويت، التى كان تسهيل اجتياحها فخًا نصب فى حينه للرئيس العراقى فوقع فيه. وبوقوعه فى الفخ، ظن الأمريكيون أن أيامه على مقعد الرئاسة باتت معدودة، غير متوقعين أن أوهام القوة والنصر التى اجتاحت العقول الأمريكية، سرعان ما ستسقط، تزوى وتضمحل، لدى اضطرارهم إلى إعلان وقف مفاجئ للقتال ضد العراق، للحيلولة دون سقوط بغداد بأيدى من وصفوا بالغزاة من حرس الثورة الإيرانيين المؤيدين من بعض شيعة جنوبالعراق، ولتمكين صدام من مقاتلتهم بعد أن أذنوا للسوفييت بتجديد أسلحته التى دمرت خلال الحرب. بل وقطعوا لصدام تعهدا بعدم التعرض لنظامه مما أبقاه فى مقعد القيادة لاثنى عشر عاما أخرى، خلافا لكل أوهام القوة والنصر التى راودت الرئيس جورج بوش الأب وقائد الحملة على العراق الجنرال نورمان شوارزكوف. ولكن ها هى أوهام القوة والنصر تراود عقول الأمريكيين مرة أخرى، مقدرة النصر السريع والحاسم على الإرهاب، خاصة على تلك الشريحة منه الموصوفة بداعش المتواجدة خاصة فى سورياوالعراق، حيث توجد القيادات الأم لذاك التنظيم، سواء فى الموصل أو فى الرقة. لكن طروحات النصر السريع على الإرهاب، والتى بنيت على أساس تحرير الموصل وكذلك الرقة من سيطرة الدولة الإسلامية الداعشية، هى طروحات واهمة ومتسرعة، متناسية بقاء عدة عوامل تنذر بتجدد الحياة فى الإرهاب، وبقائه ناشطا، وربما عودته إلى نشاطه العلنى أو السرى فى وقت أقرب من المتوقع. هذه العوامل الكثيرة هي، أن داعش ليست متواجدة فحسب فى الموصل أو فى الرقة، إذ لها تواجد فى أكثر من موقع سواء فى العراق أو فى سوريا. فعلى صعيد العراق، لداعش الإرهابية تواجد فى جنوب الحبانية، ووجود قوى فى منطقة القائم القريبة من مفترق طرق تقود إلى العراقوالأردن. كما أنها متواجدة وبقوة فى تلعفر وكذلك فى جبل سنجار وفى الحويجة. والأهم من ذلك تواجدها الكثيف فى بغداد ذاتها على شاكلة خلايا نائمة غالبا ما تفاجئ العراقيين بتفجيرات انتحارية تحصد عددا من الأبرياء، سواء فى بغداد أو فى مدن عراقية أخرى. علما أن هذه الجماعة الإرهابية معروفة بقدرتها على الحركة والتنقل السريع والمفاجئ، مما يضفى صعوبة كبرى على تحرير الجزء الجنوبى للموصل المكتظة بالسكان والمتداخلة فى أحيائها الضيقة، رغم مشاركة خمسة آلاف جندى وخبير أمريكى إلى جانب القوات العراقية فى العملية القتالية، إضافة إلى بضع مئات من الجنود والخبراء البريطانيين. وها هم يحاولون عبثا منذ عدة أسابيع، الوصول إلى مطار الموصل الموجود فى أطراف المدينة التى وعد بتحريرها كاملة قبل نهاية العام الماضي، وجرى لاحقا تمديد موعد اكتمال التحرير لبضعة شهور أخرى. وعلى صعيد سوريا، فإن الرقة ليست معقلها الوحيد. إذ هناك مدينة الباب التى لداعش الإرهابية تواجد كثيف فيها جعل من المتعذر سقوطها بالسرعة التى كانت متوقعة، رغم مشاركة القوات التركية منذ شهرين بمهاجمتها من ناحية، والقوات السورية من ناحية أخرى. فرغم الادعاء التركى بأنهم يقتربون من وسط البلد، يرجح المرصد السورى لحقوق الإنسان المشهود له بالمصداقية، أنهم ما زالوا فى أطراف المدينة رغم كل الإغارات الجوية التركية والأمريكية على ذاك الموقع. وهذه المعركة تذكرنا بمعركة سرت فى ليبيا التى استغرق تحريرها عاما كاملا، ومع ذلك لم تزل فيها بعض جيوب المقاتلين. وإضافة إلى تواجد داعش القوى فى الباب، لديهم تواجد فى تدمر، وفى محافظة دير الزور، وفى عدة مواقع أخرى يصعب حصرها، خصوصا فى بادية حمص الجنوبية وريف درعا الجنوبي، حيث توجد كتيبة خالد بن الوليد المكونة من كتيبة اليرموك وكتائب أخرى مسلحة تسليحا جيدا. وهى تضم 1800 مقاتل كما قيل مرة، و1200 مقاتل فى قول آخر. وهذه تنتهز الآن فرصة انشغال جبهة النصرة (فتح الشام) بمعركة ضد القوات السورية فى منطقة منشية درعا، فتشتبك مع الطرفين فى مسعى لتعزيز موقفها فى المنطقة، بغية إحكام السيطرة على المناطق الحدودية فى درعا، وكذلك فى القنيطرة، والجولان، حيث التواجد الإسرائيلى، ربما رغبة فى الهيمنة على تلك الحدود مع إسرائيل كحدود احتياطية قادرة على إيراد الزخيرة والسلاح لها إذا ما استمر إغلاق الحدود التركية فى وجهها. ولكن مع اشتعال القتال فى درعا أيضا وعلى مقربة من الحدود الأردنية، اضطر حكومة الأردن لوضع قواتها المتواجدة على الحدود فى حالة الإنذار. ولكن الخبير العسكرى الأردنى فايز الدويرى يقول إن مهمة هذه القوات الداعشية الرئيسية، هى التوجه شمالا وليس جنوبا. فالتوجه جنوبا مجرد مهمة مؤقتة تسعى لتحقيق مكاسب فى جنوبسوريا خصوصا فى درعا، مستغلة انشغال جبهة النصرة (فتح الشام) بالقتال مع أطراف أخرى. ويرجح البعض، أنها ربما تسعى لملاقاة جيش سوريا الديمقراطى الذى يزحف نحو الرقة، لمواجهته فى منتصف الطريق، والحيلولة دون وصوله إلى الرقة ابتداء، مما يعنى تأخير تحرير الرقة ولو لبعض الوقت. ونكمل الأسبوع المقبل