منذ أكثر من قرنين من الزمان.. وبالتحديد بعد خروج جنود الحملة الفرنسية مهزومين من مصر.. عاد من هرب من فلول المماليك إلي القاهرة.. بعد أن اختفوا ثلاثة أعوام في جنوب الصعيد.. وتركوا الشعب المصري يخوض معاركه الباسلة وحده في مواجهة الفرنسيين بصدره العاري وسواعده الخالية من أي سلاح.. وكان المصريون قد فاض بهم الكيل من استبداد المماليك وسطوتهم علي الولاة العثمانيين الذين اشتهروا عبر التاريخ بفسادهم.. وقدرة المماليك علي افسادهم.. إذ كان الوالي العثماني يأتي إلي مصر مغمض العينين لا يعلم شيئا عن أمر مصر.. أو شئون الحكم فيها.. أو طبيعة المصريين.. سوي أن هذا القطر هو «الدجاجة الي تبيض ذهباً» لكل من تولي أمرها.. وما أن يتربع الوالي علي عرش مصر حتي يلتف حوله المماليك فيغرقوه وبالهدايا والعطايا والأموال.. وسرعان ما يصبح كالخاتم في أصابعهم جميعا يتلاعبون به كيفما شاءوا.. فيمتلكون ناصية الأمور في البلاد.. يمصون دماء الفقراء بجباية الضرائب ومصادرة الأموال وفرض الإتاوات.. وما من صفقة تجارية تتم.. أو أرض تباع.. أو محصول يزرع إلا وكان للمماليك نصيب الأسد فيها.. تماما كما كان يفعل أباطرة الفساد والافساد ممن عرفوا بأعضاء الحزب الوطني تحت قيادة لجنة السياسات التي اشتهرت بالجبروت والعتو. وعندما خرج الفرنسيون وعادت «فلول المماليك» لتمارس فسادها وافسادها.. جاءوا بحاكم الإسكندرية «خورشيد باشا» ليكون والياً علي مصر.. ولكن الشعب المصري الذي دفع من دمائه وشهدائه الكثير رفض «خورشيد باشا» ورفض زعماء المماليك الفاسدين العائدين وعلي رأسهم «عثمان بك البرديسي».. و«محمد بك الألفي».. وفي يوم الاثنين 13 مايو 1805 أجمع علماء الأزهر وأشراف مصر علي عزل خورشيد باشا وتعيين «محمد علي» واليا علي البلاد بعد أن وافق علي شروط الولاية التي حددها علماء الأزهر بأن يعود إليهم في كل قرار يتخذه في إدارة شئون البلاد.. وما أن بدأ «محمد علي» في القيام بمهام منصبه الجديد.. حتي فوجئ بفلول المماليك يدبرون له المكائد.. ويتربصون به وبكل قرارته، إذ كان لديه مشروع لتحديث مصر والنهوض بها لتتخذ مكانتها التي تستحقها بين الأمم.. حتي إن «محمد بك الألفي» دبر له مؤامرات عدة لاغتياله ولكن محمد علي باشا بدهائه وذكائه نجا منها جميعا.. وعندما وجد والي مصر الجديد أنه لا فائدة من النهوض بمصر في ظل وجود «فلول المماليك» وأنهم حجر عثرة في طريق التحديث والقضاء علي الفساد.. قرر أن يدعوهم جميعا إلي وليمة عظيمة في حفل عشاء مهيب بالقلعة.. وما أن حضروا حتي أغلق عليهم الأبواب.. وحاصرهم ثم قتلهم جميعا لكي يطهر منهم البلاد.. بما عرف بمذبحة القلعة ليخلص مصر من الفساد والمفسدين فقد وصلت قدرتهم علي افساد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمصريين إلي درجة لا يمكن مقاومتها.. فكان الخلاص منهم هو الوسيلة الوحيدة لتتقدم مصر وتدخل ساحات العصر الحديث من أوسع أبوابه.. وما أشبه اليوم بالبارحة.. فنحن الآن كشعب مصر قمنا بالثورة ووفق الله شبابنا ورحم شهداءنا وقضينا علي رموز الفساد وسقط نظام حسني مبارك وطغمته الفاسدة.. ولكن كل أجهزة الدولة يتولي إدارتها فلول دولة المماليك.. ولكي تتم الثورة وتتقدم مصر لتتبوأ مكانتها التي تستحقها بين الأمم علي حكومة شرف والمجلس العسكري أن يتخلصوا من «فلول دولة المماليك» الذين يفسدون الحياة السياسية.. ويحاولون أن يشيعوا البلطجة والفوضي في كل أنحاء البلاد.. ولأنه من المستحيل أن نفعل بهم كما فعل محمد علي باشا، فقام بمذبحة القلعة فشعب مصر أكرم من ذلك بكثير.. ولكن عليهم أن يبتعدوا عن مسار مرور الثورة ولا يسدوا علي ثورتنا طريق تقدمها نحو الأمام.. ويكفي أن يتم عزلهم سياسيا واقصاء رموزهم من مناصب الدولة العليا وابعادهم عن قيادة مؤسسات الدولة في شتي المجالات.. وإلا فستفشل جهودنا.. وينطفئ بريق الثورة.. ويخبو لهبها.. وسنعود إلي ما كنا عليه قبل سقوط نظام مبارك.