غابت شمس السودان الموحد - دون رجعة - بالاعلان الرسمي عن ميلاد دولة "جنوب السودان" يوم السبت الماضي.. وعاش الجنوبيون لحظة تاريخية طالما انتظروها أملا في إنهاء سنوات من الحرب والمعاناة دفعت معظمهم للهجرة خارج الوطن، قابلته مشاعر متنوعة من اشقاء الامس في الشمال بين متحسر وناقم ومؤيد ومتعاطف. لكن التحدي الاهم هو مدي التزام شطري السودان بالسلام، فتجربة المعاهدات والاتفاقيات التي أبرمتها الحكومة السودانية من قبل مع المتمردين لم تنه التوتر في أرض السودان.. لذا فإن المشهد الذي خرج به الاستفتاء واعلان دولة الجنوب كأهم استحقاقات اتفاقية نيفاشا لم يمنع استمرار كثير من التحديات والعراقيل التي يصعب معها استمرار نهج السلام الذي ضحت السودان من أجله، بل قد تتطور في أي وقت لنزاع مسلح مثلما حدث مع منطقة أبيي قبل اسابيع من اعلان الدولة الجديدة. وقد يقلل الاهتمام الدولي بدولة الجنوب لمساعدتها علي التنمية من اي فرص للتصعيد بين الجانبين، لاسيما وان هناك 4900 جندي من قوات حفظ السلام سينتشرون في دولة الجنوب بناء علي قرار من مجلس الأمن، إلا أن الرئيس البشير الذي تبادل التحية مع رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت في مراسم اعلان الدولة، كان قد حذر قبل اسبوعين من احتمال عودة الحرب في السودان مرة أخري بما يشير الي ان مستقبل السلام مهدد في اي وقت تحديات السلام تتصدر القضايا الخلافية التي كان محددا حسمها بين الشمال والجنوب في فترة الستة أشهر الانتقالية بين الاستفتاء وإعلان الدولة المشهد في العلاقات بين الشمال والجنوب في الفترة المقبلة، حيث توجد أزمة في مسألة تبادل الجنسية بين البلدين بعد إسقاط السودان الجنسية عن كل الجنوبيين في الخرطوم. وما زال الصراع قائما علي الحدود حيث يتمسك الشمال بحدود يناير 1956 في حين يصر الجنوب علي حقه في بعض المناطق الحدودية مثل أبيي وجبال النوبة والنيل الأزرق وهي من الاماكن الغنية بالنفط ، يضاف الي ذلك التمرد الحادث في جنوب كردفان من جانب الحركة الشعبية مع الجيش السوداني. كما لم تحسم الحكومتين ملفات الديون وقسمة الثروة القومية بما فيها حصص مياه النيل .. إلا أن ملف توزيع النفط هو الفيصل في علاقات التعاون، حيث يحصل الجنوب علي 98% من ميزانيته من النفط لأنه ينتج نحو 75% من انتاج السودان ويقوم بتكريرها وشحنها عن طريق الشمال الي ميناء بور سودان. ويهدد الجنوب بمنع تصدير بترول الجنوب ما لم يتم دفع تكاليف نقله، في حين تتصارع الشركات الدولية، وخاصة من الصين وامريكا والهند علي حقول البترول في السودان. الصراعات القبلية والفساد ومن التحديات الداخلية التي تواجه الجنوب ايضا الصراع القبلي، حيث تقوم بنية النظام السياسي في الجنوب علي توازنات بين مجموعة من القبائل المؤثرة والمسيطرة علي مقاليد الحكم وهي قبائل الدينكا والنوير والشلك، وهناك جدل حول سيطرة قبيلة الدينكا التي ينتمي اليها سلفاكير علي نحو70% من مقاليد الحكم. يضاف إلي ذلك بعض القبائل التي توصف بانها اقلية وهي في الغالب صاحبة جذور أو امتداد لقبائل موجودة في دول افريقية مجاورة لجنوب السودان مثل قبيلة الموري وهي امتداد لقبيلة الموري في اوغندا، وهذه القبيلة لديها مشكلة في الانجاب وتلجا لخطف الاطفال من قبيلة الدينكا بما ينتج عنه نزاعات كثيرة. ونتج عن ذلك ظهور أكثر من حركة تمرد في الجنوب حملت السلاح ضد الحكومة هناك، الا أن رئيس دولة الجنوب أصدر عفوا عنهم في خطابه باحتفال اعلان الدولة الجديدة. وإلي جانب تلك التحديات تفتقر معظم ولايات الجنوب العشرة الي البني التحتية، حيث لاتوجد طرق ممهدة ويتم توفير الكهرباء بالمولدات، والارض الزراعية تحتاج لتكاليف كثيرة لاستصلاحها، وتوتر الاوضاع الامنية هي امور تقلل من فرص الاستثمار الاجنبي في الجنوب. ورغم ان معظم مؤسسات دولة الجنوب ناشئة، تم تأسيسها بعد اتفاقية السلام في 2005 الا أن الفساد انتشر في تلك المؤسسات بشكل دفع سلفاكير للإعلان في خطابه الاول بمواجهة الفاسدين باعتبارهم من أبرز التحديات التي تواجه دولته.