الفاطميون هم الذين صرفوا على المتصوفة المصريين، ودعموهم، وآمنوا بهم، وهم الذين ورثوا المماليك فكرة بركة «المجاذيب»، وسطوة الدراويش، وتطورت الفكرة فى التاريخ الشعبى المصرى الى الاعتقاد فى ولاية «خفاف العقول» فيما عرف بالمبروكين، للدرجة التى أصبحت كثيرا من الروايات الشعبية عن «المبروكين» نسيجا لا يمكن قطعه من الثوب النفسى للتراث الشعبي. علماء الحملة الفرنسية لاحظوا ذلك، وحتى خرجت حملتهم من مصر، لم يعرفوا السر فى انتشار تشيد المصريين «أضرحة» لمجاذيب ماتوا، أو لاطفال لقوا مصرعهم بطرق غريبة، اعتقد المصريين بان للاسياد، وكائنات اخرى مجهولة يدا فيها. مؤخرا قال مسئولون فى وزارة الاثار، ان كثيرا من الاضرحة فى مصر مزيفة، لا هى لاولياء ولا هى لاناس صالحين. مثلا لا تعرف هيئة الآثار من هو «الشيخ عباطة» الذى له مقام مقدس، ولا ما الذى جعل المغربى «حسن الذوق» الذى له هو الاخر ضريح مزدحم، ولى، بينما التاريخ لا يقول انه ولى، ولا يشهد بانه رجل صالح. لا يعرف الآثاريون كيف نشأت مقامات الشيخة سناء والشيخ عصام والشيخ ياسر، ولماذا قدسهم المصريون، وصاروا يلقون إليهم بخطابات مكتوب فيها طلبات، وحاجات، وقطعا من نقود. فى تاريخ الجبرتي؛ أن المغربى «حسن الذوق»، مغربى، وفد الى مصر، أراد أبناؤه إعادته لبلاده لما تقدمت سنه، ولما رفض أجبروه على لملمة حاجياته للسفر غصبًا عنه. لكن لما وصل «الذوق» باب الفتوح فى طريق العودة للمغرب، مات من حسرته، ومن سوء معاملة اولاده. بعد فترة، اصبح ضريح «حسن الذوق» مسجدا مقاما مقدسا، وللآن، يحفظ مصرين كثيرا سيرة الرجل، ويتبركون به، حتى انه فى الحكايات القديمة، وبعد وفاته، انتشرت حكايات عن قدرته على تكليم الحيوانات، وشهر عنه إحياء «حمار» بعد موته !! اما «سيدى عباطة»، صاحب الضريح المولد السنوى الكبير بالسيدة عائشة؛ فلا يعرف احد له هو الاخر تاريخًا ولا نسبًا، وليس لدى أحد يقين، ما إذا كان تحت قبة الضريح شيخ من الأساس.. أم لا؟! دراسة حديثة، قالت ان كثيرا من أضرحة اولياء القاهرة والشرقية والبحيرةودمياط وكفر الشيخ «مزيفة»؛ فلا كانت الرفات داخلها لأصحاب كرامات، ولا كان المدفونون تحت قبابها أصحاب خطوة. مع ذلك، ويوميًا؛ يرمى عشرات المرضى، وطالبات حمل، وعشاق ألوف الخطابات فى مقام سيدى «حسن الذوق» عند باب النصر، لكن لا المرضى طابوا، ولا النساء حملن. لما مات «حسن الذوق» عند باب النصر، ودفن قال المصريون: «الذوق ما خرجش من مصر»، ثم بنوا مقامًا على تربته، قبل أن يتناقل أهالى القاهرة قصصًا عن محبة الله له. الشيخ عصام أيضًا لم يكن وليًا، رغم ذلك، اقام له الاهالى فى دمياط موالد، وصنعوا له قصصًا، واقاموا له ضريحا، توسلوا به لله، مع أن «عصام» كان مجذوبًا، مات فى التاسعة من عمره! فى محافظة البحيرة، مشهورة قصة عن «الشيخ ياسر» صاحب الضريح المعتبر هناك، مختلفة عن ما توصلت له الدراسة الحديثة. الناس هناك يعتبرونه وليا، بينما الدراسة قالت انه كان شابا ناقص نمو، بجسم نحيف وعقل خفيف، مات فى الخمسينات من القرن الماضى، فتبرك به الاهالى، واقاموا له مقام، وزاروه. فى كتاب وصف مصر، حكى علماء الحملة الفرنسية وقائع مشابهة، منها قصة صوفى «مجذوب»، الذى كان يسير فى شوارع القاهرة عاريًا، ولما يقف تتهافت النساء على تقبيل يده ووجنتيه. «جومار الفرنسي» قال ان أهل القاهرة آمنوا بقدرة الصوفى العريان على إحياء الموتى، مثله مثل «رزيق» المغربى الذى قال المصريون إنه «انجذب» آخر أيامه، لذلك لما مات حماره، دعا رزيق ربه.. فاستجاب له وأحياه!! قصة الاضرحة المزيفة لغز، وقصة ارتباط «الحمار الميت» بالاولياء والمبروكين لغزا اخر. لا احد يعرف.. لماذا لابد ان يرد فى كل رواية من دول قصة «حمار»؟!