أزمة مصر ليست فى الاقتصاد، وليست فى تردى الخدمات أو تلك المتاهة السياسة الناتجة عن تغييب مؤسسات الدولة فكل هذه الأمور ما هى إلا آثار جانبية لأزمة الأزمات، ألا وهى التعليم الذى تم إفشاله عن عمد مع سبق الإصرار والترصد خلال عصر مبارك، فمن دون تعليم حقيقى سنظل نصارع طواحين الهواء إلى ما لا نهاية. # إخصاء فكري مشكلة التعليم فى مصر أنه خضع لعملية إخصاء فكرى وإبداعى بفعل فاعل معلوم دأب على مدار ثلاثة عقود بالتمام والكمال على تخريج أنصاف المتعلمين، حملة شهادات ورقية لا تتعدى ثمن البرواز الذى توضع فيه لتعليقها على الجدران. # طلاسم الجميع يدرك هذا ولا يحرك ساكناً، فعلى سبيل المثال نجد خريجى تخصصات اللغات بما فيها اللغة العربية، التى يفترض أنها اللغة الأم، لا تتعدى معرفتهم بها حدود شهاداتهم الورقية، بل إن خريجى تخصصات اللغات الأجنبية يحتاجون إلى مترجم عند تعاملهم مع الشعوب المتحدثة بتلك اللغات، مترجم يفك طلاسم طريقة تحدثهم بهذه اللغة أو تلك، حيث تحولت اللغات على أيدينا أو بالأحرى ألسنتنا إلى كائن غريب لا يمت للغة بصلة، لا فى مخارج الكلمات أو قواعد اللغة، ومن ثم أصبحنا نعانى الجهل بثقافات وحضارات تلك الشعوب. # عاهات لغوية نفس الأمر ينطبق على خريجى الكليات العلمية بلا استثناء، وإذا أضفنا إلى ذلك غياب مبدأ التعليم المستمر، نعرف سر افتقادنا للعمالة الماهرة فى مختلف المجالات، ومن يتابع اللغة التى يكتب بها الشباب على مواقع التواصل الاجتماعى سوف يدرك إلى أين وصلنا بعقول شبابنا، بل إن وزير التربية والتعليم نفسه ضبط متلبساً بتغريدة لاتخلو من تلك العاهات اللغوية. # أنصاف المتعلمين وما يزيد من أزمة التعليم هو افتقادنا لفلسفة التعليم نفسها، وماذا نريد من هذه الملايين من خريجى الجامعات الذين ينضمون رغماً عن أنوفهم إلى طابور طويل عريض من انصاف المتعلمين، فلا تقدم أو تطور من دون تعليم حقيقي، ولا بحث علمى ومواكبة لدول العالم المتقدم ما لم نعيد هيكلة المنظومة التعليمية برمتها ونعيد تأهيل المعلمين وفقاً لمبدأ التعليم المستمر، فغالباً نجد المعلم أى معلم يكتفى فقط بما تم تحصيله خلال الجامعة، وهو فى واقع الأمر لا يعدو كونه قشور لا تغنى ولا تسمن من جوع، فكيف يستطيع معلم هذا حاله أن يخرج لنا طلبة مبدعين؟!. # الدرك الأسفل التعليم ليس مجرد شهادة، والأرقام الخرافية التى يحصل عليها طلبة الثانوى وتتعدى المائة فى المائة ما هى إلا مؤشر على انحدار نظامنا التعليمى إلى الدرك الأسفل، أما التعليم الفنى فحدث ولا حرج، فخريجيه إذا قدر لهم خوض اختبار حقيقى لمحو الأمية سوف يفشلون فشلاً ذريعاً. # حوسة القملة وحتى اشعار آخر سنظل ندور فى دائرة مفرغة، ونحتاس حوسة القملة فى رأس الأقرع، ما لم نخرج من ذلك المستنقع ونستفيد من دروس دول مثل ماليزيا التى كانت تقف معنا وربما تتخلف عنا بخطوات عندما تولى فيها السلطة مهاتير محمد فى الثمانينيات فى نفس الوقت تقريباً الذى تولى مبارك السلطة، مهاتير خلق دولة من عدم معتمداً على التعليم، ومبارك أسقط دولة إلى قاع العدم بإفشال المنظومة التعليمية.