لا خلاف على أن لغتنا العربية الأصيلة والخالدة، لغة كتابنا المقدس تمر بأزمة فى بلادنا ومعظم بلاد العروبة، أقول ذلك بعد أن أصيبت لغتنا العربية النقية والصافية فى مقتل، وبات استواؤها على الألسنة وهما، وحلما من الصعب تحقيقه، أو نقله الى الواقع، فى ضوء الإمكانات المحدودة المتاحة الآن لتعليمها على أصولها الثابتة والمتجددة، خاصة فى مدارسنا، وجامعاتنا أيضا،والمتمثلة فى أزمات المناهج التعليمية، والتكدس فى الفصول والقاعات الدراسية، وقلة المدارس قياسا الى أعداد المقبولين من الطلاب، ويكفى أن نعلم أن عدد المتقدمين لامتحان الثانوية العامة هذا العام فقط يتجاوز نصف مليون طالب فى القسمين العلمى والأدبى، ومن المنتظر أن تستقبلهم جامعاتنا فى العام الدراسى المقبل، و معظمهم لم يذهب الى مدرسته أصلا، واكتفى بالتعليم عبر نافذة المراكز التلقينية، والكبسولات الورقية، والمذكرات التلخيصية إضافة الى عجز المعلمين فى مدارسنا وكذلك أساتذة الجامعات، عن أداء مهامهم فى ظل الظروف التعليمية المعقدة فى بلادنا، الأمر الذى أدى بنا فى النهاية الى أننا أصبحنا أمام خريج ضعيف لا يستطيع أن يقيم جملة عربية سليمة، أو يكتب جملة صحيحة، ومن الطبيعى فى النهاية أيضا أن نجد المسئولين فى بلادنا وكثيرا من الإعلاميين المتحدثين عبر الأثير يعانون وهم يتحدثون بالفصحى، فيظهرون وكأنهم ينحتون فى الصخر، أو يتكلمون بلغة أخرى. والغريب أننا نقول هذا الكلام، وفى مصر أقدم مجمع للغة العربية بالمنطقة، يقارب عمره مائة عام، يضم عشرات الرموز من علمائنا الكبار وأدبائنا الأفذاذ فى الداخل والخارج من حماة اللغة ومبدعيها، وتقوم مهمته بالأساس على تصويب أساسيات اللغة المعاصرة ومفاتيحها، ومتابعة الجديد فيما يخص معالجتها بما يتناسب مع نبض العصر وسرعته، بالإضافة الى التجديد فى محاور مناهجها القديمة، واستحداثها على وتيرة الدقة والأمانة والوعى بمكانتها، وهنا يطرح السؤال نفسه:لماذا إذن يتوارى دور المجمع اللغوى، وهو يرى أزمة اللغة تتفاقم وتتعقد على كل المستويات؟ فى جميع الميادين، وعبر الأعمار البشرية المختلفة، ولماذا لا توكل للمجمع وهو حائط الصد المكين، وحامى حماة اللغة مهمة إنقاذها فى وقتنا الراهن، وأتصور أن المجمع يمكن أن يتحرك عبر خبراته من خلال الخطوات التالية: أولا: وضع المناهج التعليمية والفنية لمدارسنا، التى تخدم اللغة فى سياقها العصرى الجديد بما يتناغم مع موردى اللغة الأساسيين (الموروث والمعاصر)، عبر الأساتذة والعلماء، وبما يحقق فكر (الجاذبية والافتتان) بقيم اللغة أولا، ومن ثم بسياقها الفنى والإبداعى والسماعى والتأثيرى والنغمى والتعليمى على كل المستويات، لتحقيق ما نصبو اليه من إيجاد عوامل الجذب لبنية لغتنا الخالدة، ولتأثيرها فى المتلقى والدارس والمتعلم على حد سواء. ثانيا: أن تكون مهمة المجمع الأساسية هى حسن اختيار النصوص الأدبية التى تدرس لأبنائنا فى المدارس بصفة أصيلة ومباشرة، باعتبار أن النص الأدبى هو النص الجامع والمؤثر فى تفاعل الدارس مع اللغة ذاتها وانسجامه مع فنونها الظاهرة والخفية، وبحيث يكون النص الأدبى هو محور المنهج التعليمى ذاته، فمن خلاله يتعلم الدارس فنون الإبداع لغة وبلاغة وأدبا ونحوا وصرفا وتعبيرا واملاء.. إلخ. ثالثا: لماذا لا يفكر المسئولون عن المجمع فى القيام بالواجب التنفيذى لمهمته الأصلية بمهمة تصويب اللغة وحمايتها والحفاظ على قوائمها السامقة بما يخدم فترتنا المعاصرة، بتدريب المعلمين والمنشغلين بتدريس اللغة، والشغوفين بها، والإعلاميين عبر دورات جادة يشرف عليها علماء المجمع نفسه، وأقطابه الكبار، والتربويون فى فنون اللغة. رابعا: من الممكن أن يمتد دور المجمع ليشمل المراقبة على تدريس مناهجه بالمدارس بطريقة معاصرة، عن طريق الباحثين والمتخصصين وشباب العلماء العاملين به، حتى يتحقق المقصد الرئيسى لدوره من تحقيق التناغم بين الوجهين النظرى والتطبيقى وبث روح الإفادة الحقيقية للأجيال الجديدة إن لغتنا العربية الخالدة تعانى أزمة فى انطلاقها على الألسنة، وإذا لم يتحرك المتخصصون وفى مقدمتهم رجال المجمع اللغوى وحماة الفصحى العريقة، فلن يجدينا البكاء على لغة القرآن فى مستقبلها القريب لا البعيد. د. بهاء حسب الله كلية الآداب جامعة حلوان