لماذا يعاني المشهد الثقافي والسياسي المصري حاليا من حالة موسعة من الاستقطاب؟ لماذا انقسم الجميع إلي فريقين أحدهما يخون ويكفر الآخر؟ هل تلك حالة لها جذور في التاريخ المصري؟ أم أنها أحد التجليات الناتجة عن ثورة 25 يناير؟ تلك أسئلة طرحها المتحدثون علي الحضور في ندوة عقدتها مكتبة الإسكندرية ب"بيت السناري" مساء أول أمس بعنوان "الثقافة المصرية بعد 25 يناير". أيمن الصياد، رئيس تحرير مجلة "وجهات نظر" أشار إلي أننا نعيش حالة توارت فيها الأسئلة المهمة لتفسح المجال للشجار، وحذر من تلك الحالة قائلا: شهران مضيا علي استفتاء كان نزيها وبقي شهرين فقط علي انتخابات لا بد أن توليها الأحزاب أهمية قصوي، وإلي الآن لم يحصل علي الترخيص سوي حزبي "الحرية والعدالة" الممثل للإخوان المسلمين و"حزب النور" الممثل للسلفيين، وأكد أن هناك أحزابا لابد لها أن تحل كما تم حل "الحزب الوطني" لتتساوي مواقف الجميع قانونا. علق الصياد الحل علي ضرورة تمثلنا لتراثنا الثقافي الذي تتردد فيه مقولة "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب"، الذي داوم فيه الفقهاء علي إنهاء كلامهم بمقولة "هذا والله أعلم"، وعاد الصياد ليحذر من وجود اتجاه يتحجج بما يسميه البعض انفلاتا إعلاميا تسبب في الاستقطاب لتمرير قانون لتنظيم الإعلام والنشر علي الإنترنت وقال: كلمة التنظيم كلمة حق يراد بها باطل ولا إصلاح لما يأتي في الإعلام إلا بإعلام آخر. الناقد الدكتور صلاح فضل، قارن في بداية حديثه بين حالة الوفاق التي عايشها ميدان التحرير خلال الثمانية عشرة يوما قبل رحيل مبارك وبين ما نعايشه الآن، وأشار إلي أن الثورة في حقيقتها تعبير ثقافي اتخذ شكلا عمليا قام به شباب حلم بالعدالة والحرية والكرامة، وهي بالأساس ليست مطالب مباشرة مادية، ولكنها قيم ثقافية، وأرجع سبب حالة الاستقطاب الحادثة إلي ظهور جماعات كثيرة كانت محرومة من التعبير والحوار وحق الوجود، ولم تعرف معني للحوار أو تتمرس في الحياة العامة، أو تعرف معني الاختلاف وتتدرب علي قبوله عمليا، دون تكفير الآخر أو محاولة إقصائه وتخوينه، فجأة وجدت هذه الجماعات نفسها حرة للمرة الأولي دون أن تتدرب وتستعد لهذه اللحظة أو تتربي لممارسة هذه المرحلة، وقال: يجب أن تمضي عدة شهور حتي تتبين عيناها كيف تنفتح في الضوء ويعرف لسانها كيف تتبادل حوارا عفا مع الآخر ويعترفون بوجوده. وأرجع فضل الحل إلي أهمية أن يلتقي الجميع في منتصف الطريق، الذي علينا فيه أن نحافظ علي التعايش الحر وثقافة الديمقراطية وآداب الحوار وحق المشاركة للجميع، وقال فضل: حقيقة الرصيد الروحي للشعب المصري من العهد الفرعوني إلي اليوم حقيقة يعرفها الجميع، لكن هذا الحس الديني العميق المرهف الإسلامي المسيجي لا يجب أن يكون موضوعا للمزايدة السياسية، وليس من حق أحد أن يحتكر الحديث باسم الدين، كان يقول مصطفي النحاس أن السياسي الذي يبدأ بكلمة باسم الله ليس إلا نصابا، علينا أن نحتكم إلي الفكر العلمي ونحترم قيمنا الروحية ولا نعرضها للابتزاز وأن نتحدث في السياسة وفق برامج محددة وإذا لم نفعل ذلك قد نجد ما هو أسوأ من الماضي الذي ودعناه. اختلف عصام سلطان نائب رئيس "حزب الوسط" مع ما قاله فضل وأرجع حالة الاستقطاب التي نعاني منها حاليا إلي قبل مائتي عاما منذ الحملة الفرنسية، قائلا: الاستقطاب ليس وليد اليوم، ولم ينشأ عقب ثورة 25 يناير بل منذ عقود طويلة منذ أيام الحملة الفرنسية، التي أدركنا بها أننا متخلفون جدا، فظهرت نخبة وطنية مصرية تنادي بأهمية تمثل الثقافة الأجنبية والأخذ بأساليب التقدم، ونخبة أخري تري أن ذلك إهدار لثقافتنا العربية الإسلامية، ومنذ ذلك الحين والفريقين يخون كل منهم الآخر ويكفره، وظلت هذه العلاقة بين النخبتين في ظل الحكم الديكتاتوري الذي عشناه منذ ذلك الحين، وأتصور أن المستبدين كانوا يرمقون هذا الخلاف ويزكّونه لأنهم أرادوا الشعب صوتين، واحد يكفر والثاني يخون، وبين هاتين النخبتين وقف عموم الشعب المصري متفرجا دون أن يكون ميالا لأحد الجانبين. وأضاف: عندما رفع شخص هتافا دينيا في بداية الثورة بجانب المتحف المصري، أسكته عموم الناس غير المسيسين، في الميدان رأيت رفضا لندائين، الأول نداء رأس الكنسية الذي دعم حسني مبارك، والثاني نداء السلفيين الذين حرّموا الخروج علي الحاكم. وأكد: أغلبية الشعب المصري يتمسكون بهويتهم الإسلامية الحضارية ويؤمنون بأن للمسلم دين وللمسيحي دين وقام الاثنان معا بصنع حضارتهما الخاصة، هذا هو الغالب علي عموم المصريين، وأتوقع أن الأصوات العالية ستخفت في القريب العاجل وبمجرد أن يخرج كل ما عنده ستهدأ الأمور في سنوات قليلة معدودة، فمناخ الكشف والحرية سوف يتيح لنا أكبر قدر ممكن من التعرف علي خطاب الآخرين حتي وإن كانوا لا يعترفون بالآخر لكن لا علاج إلا بالحرية والديمقراطية". وقال سلطان: تخوفات الكثيرين من الإسلاميين إن صح التعبير ليست في محلها خاصة فيما يتعلق بأن بالانتخابات القادمة سيسيطر عليها الإخوان، فهم لن يحصلوا علي الأغلبية ولن يستطيع فصيل واحد الحصول عليها، والحل أن يعود كل فصيل إلي بداية طريقه وفهم أصول المرجعيات التي قام عليها فالمرجعية الإسلامية لا تعرف نوعا من العصمة وتعترف بالاختلاف وتعلي قيمة العقل وتكرم الانسان في حد ذاته بعيدا عن دينه، وهو عكس ما يحدث الآن تماما".