الدولار الأمريكي يرتفع متأثرا بالضربة الإسرائيلية على إيران    سعر الذهب اليوم في مصر يرتفع في بداية تعاملات الجمعة    سعر الفراخ بالأسواق اليوم الجمعة 13-6-2025 فى المنوفية.. الفراخ البيضاء 87 جنيه    رئيس الوزراء: نتابع الموقف أولا بأول وتنسيق بين البنك المركزي والمالية لزيادة مخزون السلع    إزالة 26 حالة تعد على أراضي زراعية وأملاك دولة ب7 مراكز في أسيوط    إيران تدعو إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي    أبرزهم مودريتش وفاردي.. نجوم كبار يودعون الملاعب الأوروبية    محمد شكري يكشف حقيقة الانتقال للأهلي بعد مونديال الأندية    صباحك أوروبي.. بديل بوستيكوجلو.. مستقبل شتيجن.. ورسائل إنريكي    أحمد هاني: سيراميكا خاض كأس عاصمة مصر بشخصية البطل    تفاصيل النشرة المرورية بشوارع القاهرة الكبرى اليوم الجمعة 13 يونيو    بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة المحافظات: ذروة الموجة الحارة    إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارة وموتوسيكل بقنا    بعثة الحج تواصل تفويج الحجاج المصريين وسط إشادة بالتنظيم والرعاية    الحسن عادل يتصدر تريند اليوتيوب ب "مش سالكين"    وزارة الطيران: المجال الجوي المصرى آمن ويعمل بشكل طبيعي    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الجمعة 13-6-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    إصابة شخصين باختناق فى حريق بالمركز الطبى التخصصى بالمنيا    استعلم الآن.. إعلان نتيجة النقل والشهادة الإعدادية 2025 فى عدد من المحافظات    الأردن يدين العدوان الإسرائيلي على إيران ويعتبره انتهاكًا صارخًا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 13-6-2025 في محافظة قنا    كوكا: "الفترة الماضية كانت صعبة.. واللعب بدلًا من معلول تحدٍ كبير"    في ختام رحلة الوفاء.. أسر الشهداء يغادرون المدينة المنورة بقلوب ممتنة    خسائر بمنازل قرية شطورة بسوهاج بسبب ضعف الكهرباء.. والأهالي يستغيثون    ترمب: لا يمكن السماح لإيران بامتلاك قنبلة نووية ونأمل بعودة المفاوضات    زيادة تجاوزت 800 جنيه.. قفزة كبيرة في أسعار الحديد والأسمنت الجمعة 13 يونيو 2025    مجلس النواب يناقش الموازنة العامة للدولة (2025/ 2026) الأسبوع المقبل    فريدون عباسي.. العالم النووي الذي نجا من محاولة اغتيال قبل 15 عاما ولقي مصرعه في الضربة الإسرائيلية على إيران    جدول مباريات كأس العالم للأندية 2025 .. مواعيد العرب    أسعار الفراخ اليوم الجمعة 13-6-2025 بعد الانخفاض الجديد.. وبورصة الدواجن الرئيسية اليوم    هشام ماجد يهنئ محمد دياب وصنّاع «هابي بيرث داي» بعد فوزه في مهرجان تريبيكا    «جدتي كانت بتولع جنبي».. نص أقوال طالبة طب في حادث طريق الواحات قبل وفاتها (خاص)    جعفر: الفوز بكأس مصر كان مهم قبل بداية الموسم المقبل    توك شو المونديال... أبرز تصريحات محمد هاني قبل مباراة إنتر ميامي    وكالة أنباء تسنيم الإيرانية: فرض قيود على حركة الطائرات في مطار العاصمة    الداخلية تكشف تفاصيل فيديو التحرش بالأطفال في بورسعيد    نتيناهو: نحن في لحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل وبدأنا عملية «شعب كالأسد» لإحباط المشروع النووي الإيراني    تغطية خاصة| إسرائيل تبدأ الحرب على إيران    «سهل أعمل لقطات والناس تحبني».. رد ناري من محمد هاني على منتقديه    محمود الليثي يواصل تصدره للمشهد الغنائي.. ويحتفل بعيد ميلاده برسائل حب من النجوم    وزير: فحوصات الحمض النووي ضرورية لتحديد ضحايا تحطم الطائرة الهندية    "مستقبل وطن المنيا" ينفذ معسكرا للخدمة العامة والتشجير بمطاي    الاستماع لشكاوى المواطنين بقرى بئر العبد بشأن انتظام وصول المياه    وكيل وزارة الصحة بالشرقية يؤكد على دور الإعلام الحيوي في دعم المنظومة الصحية    الأرجنتين تحقق في 38 حالة وفاة مرتبطة بالعلاج بمادة الفنتانيل الملوثة    100% ل 3 طلاب.. إعلان أوائل الابتدائية الأزهرية بأسيوط    طريقة عمل الكوارع، بمذاق مميز ولا يقاوم    تعرف على برامج الدراسة بجامعة السويس الأهلية    دينا عبد الكريم تلتقي بالسفير حبشي استعدادًا لجولة كبرى لبناء قواعد للجبهة الوطنية من المصريين بالخارج    رحلة ساحرة في تاريخ روسيا تكشف تراثها الإبداعي على المسرح الكبير    محامي عروسين الشرقية يكشف مفاجأة    3 أيام متتالية.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    تدريب على الإنعاش القلبي الرئوي الأساسي (BLS) وفقًا لمعايير جمعية القلب الأمريكية AHA    موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2025.. عطلة رسمية للقطاعين العام والخاص    تعامل بحذر وحكمة فهناك حدود جديدة.. حظ برج الدلو اليوم 13 يونيو    الآلاف يشيعون جثمان تاجر الذهب أحمد المسلماني ضحية غدر الصحاب في البحيرة (فيديو وصور)    الأزهر للفتوى يعلق على شغل الوقت باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي    ملك زاهر توجه رسالة مؤثرة من داخل المستشفى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهنة تقتل فى صمت «روزاليوسف» فى «مكامير الفحم»
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 14 - 03 - 2016

على مسافة 55 كيلو عن مدينة المنيا، وأكثر من 52 كيلو غربا عن مركز سمالوط.
تقع قرية «العور» البعيدة عن أعين المسئولين، تحيطها المصارف التى تنبعث منها الروائح الكريهة الناجمة عن مياه الصرف الصحى.
وتمثل الكارثة الأكبر فيها وجود 4 «مكامير فحم» على مساحة 7 أفدنة.
أخشاب متراصة على مساحات شاسعة من الأراضى الزراعية وسط حقول القمح، وعلى بُعد أمتار تظهر وجوه كساها التراب الأسود، فأظهرت تجاعيدها هموم أصحابها.. عمّال فى ثياب ممزقة طغى الرماد على ألوانها، يكدحون ليل نهار وسط فضاء معتم يضم مكامير فحم. «روز اليوسف» قضت يومًا كاملًا فى إحدى تلك المكامير فى مهنة عامل يومية بداخلها؛ لتصب عرق أبناء هذه المهنة فى كلمات عبر أوراق الجريدة اليومية لترسل استغاثتهم كما عايشتها.
بدأت الرحلة باستخدام وسيلة للدخول إلى هذا العالم المتفحِّم، المقيد بسلاسل حديد بباب ذى ضلفتين كسجن ممنوع الاقتراب منه، خاصة أن صاحب مكمورة الفحم (العم لبيب)، يرفض الحديث مع الإعلام، ويرسل تحذيراته للعمال من الحديث معهم أيضًا.
«طالب فى كلية العلوم أجرى بحثًًا عن الفحم، وأريد المساعدة حتى أنجح، وسأعمل معكم يومًا كاملًا منذ الصباح ولن أريد أى مقابل بل معايشة المهنة، وكيس فحم لإجراء تجاربى عليه فى المنزل»، هذه كانت الحيلة الوحيدة لنا كى نتمكن من دخول المكمورة، ورصد معاناة العمال وما يدور بداخلها.
وبعد موافقة العم «لبيب» على الطلب رغم تعجبه الشديد وقلقه الحذر، بدأنا العمل بحمل الخشب فوق أكتافنا، كانت البداية بتوجيه عدد من الأسئلة عن أهمية الفحم وأوقات استخراجه، وذلك بعد دقائق استلقينا فيها على قطع الأخشاب للاستراحة، لنلتقط أنفاسنا التى ضاعت وسط الغبار، وكعادة العمال، أشعلت النيران فى بعض قطع الخشب لعمل «الشاي» فازداد الجو دخانَا وتلوثا، وسط زفير الأنفاس المتراصة حولها، ثم احتسينا الشاى فى أكواب صدئة مفحمة، ودار الحديث بيننا للتعارف، وسرد شكاوى المهنة تخللته الضحكات على أفواه، تناست ما يخبئه المستقبل من أمراض تسببها تلك المهنة.
انتهت الاستراحة القصيرة، وعدنا للعمل، واستمرنا فى حمل الأخشاب، حيث توضع فى حفرة فى باطن الأرض داخل الغرفة المخصصة للمكمورة بعمق يزيد على المتر عن سطح الأرض، ثم وضعنا الخشب بطريقة مرصوصة فى شكل مثلث مع ترك فتحات هوائية كل 80 سم فى اتجاه الهواء، لتصل مساحة أضلع هذا المثلث 8 أمتار لكل جانب وذلك حسب الكمية والحاجة.
بعد رص الخشب وسط العمال، حملنا قش الأرز ثم وضعناه فوقه، يعلوه التراب الأسود من بقايا الفحم المحترق سابقًا، ثم فتحنا خراطيم المياه لتبلل التراب، بعدها أشعلنا النار فى المكمورة بدءاَ بأول الفتحات المرصوصة فى اتجاه الهواء، حيث تستغرق الدورة وقتا من 5 إلى 10 أيام حتى يتحول الخشب إلى كتل من الفحم.
وخلال مدة التفحم تستخدم المياه من الخارج للتقليل من حدة الحرارة التى تنتج عن احتراق الخشب، وفى المرحلة النهائية يتم إخماد النار به، إذ يتحول الهواء إلى سحابة من الدخان الأسود الكثيف.
وفى حديثنا مع عم إسحق – أحد العمال - أثناء العمل، قال إنه يعمل فى هذه المهنة منذ 15 عاماً، ذاق فيها ويلات آلام المرض، مضيفًا أن أجرة العامل فى اليوم الواحد 50 جنيها، ويستغرق وقت العمل 12 ساعة عمل متواصلة من 7 صباحًا وحتى 7 مساءً فى أماكن ينعدم فيها الهواء.
وقال إن مادة الكبريت التى ترش فوق أشجار العنب قبل قطعها تجعل العنب أكثر قابلية للاحتراق، لأنها تثبت فى الشجرة لفترة طويلة وتساعد على الاشتعال، أما أشجار الكافور فتتحول إلى فحم بعد 12 يومًا من بدء حرقها، مشيرًا إلى أن مساحة المكمورة 3 أفدنة على أرض زراعية تم تجريفها فأصبحت غير قابلة للزراعة مرة أخرى.
وأضاف أنه بناء على كمية المياه المستخدمة فى طفى الفحم يحدد ثقل الفحم أو خفته، فكلما زادت الكمية ثقل وزن الفحم وكلما نقص الماء قل وزنه، بحيث يكون على جوانب الحفرة مواسير للتغذية الهوائية، حتى لا تنطفئ النيران وتظل مشتعلة لمدة من 10 إلى 15 يوماً.
وأشار إلى أن هناك مروراً من قبل موظفى الوحدة المحلية على المكامير، حيث إن أغلبها غير مرخص ويتواجد وسط الأراضى الزراعية أو الكتل السكنية بالقرى، واشتكى من العمل فى المهنة، مطالبًا بمساعدته للعمل فى أى مهنة أخرى، وأن مشكلة الدخان من أصعب الأزمات، وعملية تقطيع الخشب أصابت أكثر من 10 من العمال بجروح قطعية، فلا يوجد تأمينات عليهم ولا أى تعويضات لهم.
ويضيف محمد شعبان - 31 سنة حاصل على دبلوم تجارة - «أكل العيش عايز كده، كله عذاب» مبررًا استمراره فى العمل فى هذه المهنة بأنه لم يجد فرصة عمل سوى قطع الأخشاب لمكامير الفحم، وأنه يعمل بها منذ 8 سنوات، ما سبب له التهابًا حادًا فى الرئة وحساسية بالصدر، ناتجة عن عوادم مكامير الفحم بالقرية، مشيرًا إلى أن الكثير من أهالى القرية والقرى المجاورة يعانون من حساسية الصدر وأمراض صدرية أخرى، لذات السبب، واستطرد: تصل رائحة الدخان إلى الطريق الزراعي، وقد يشعر المارة بنوبات من السعال نتيجة الرائحة المنبعثة من مكامير الفحم التى تملأ القرية.
أما ميلاد سعيد - 27 عامًا - فأوضح أنه غير مؤمن عليه فى المكمورة، فهو مجرد عامل باليومية. مضيفًا «أنقذونا من التراب اللى بيعمى عينينا، والأصعب من كده الأنف والفم والكحة طول اليوم بسبب الدخان»، وأضاف: لمدة يومين مستمرين أنفى به تراب أسود وحلقى أيضًا، وريقى كلها سواد وأبصق سواداً.
وقال: إن أصحاب مكامير الفحم يأمروننا بتعبئته فى جوال كل حسب نوعه وخامته، وتنتج المكمورة الواحدة ما يقرب من 200 إلى 250 جوالاً فيه أنواع تصدر خارج مصر وزن الواحد منه لا يقل عن 20 كيلو، ونوه إلى أن أفضل مواسم الفحم والتى يكثر الطلب على عمال الفحم فيها تكون فى الفترة بين شهرى أغسطس وديسمبر من كل عام.
أما ممدوح سرى - صاحب مكمورة فحم - فقال إنه فى المراحل الأولى تبدأ عملية تصنيع الفحم بتقطيع الأشجار بمنشار كهربائى أو يدوى، ويتم فصل الأنواع المختلفة من الأشجار التى يتفاوت سعرها بحسب نوعها، فأشجار الفاكهة هى الأعلى سعرًا ويتم تصديرها للخارج، ويختلف شجر الكافور عن شجر العنب فى سعره وبيعه وهما المستخدمان محليا ويتميزان بانخفاض السعر.
وأضاف أنه بعد مرحلة التقطيع يُرص الخشب لمدة 10 شهور فى الشمس حتى يجف ويكون مهيئا للتصنيع، موضحًا أن هناك عاملاً يرفع الأشجار، وثانياً يقطعها بواسطة منشار حديد، وثالث يحمله على كتفيه ويعاونه زميله فى رصه بشكل متواز، مضيفًا أن صناعة الفحم أكثر خطورة، وأكد أن مكمورة الفحم الذى يمتلكها مرخصة، وأغلب العمال مؤمن عليهم، أغلبهم يحصلون على يومياتهم بعد انتهاء عملهم مباشرة.
الدكتور محمد سعد - مدير إدارة البيئة بمحافظة المنيا - قال: أغلب المكامير بالمحافظة غير مرخصة، وتجرى حملات تفتيش عليها، وحصر عددها، وأن العاملين بها ليس لهم ضمانات ويعملون باليومية، ولا يوجد تأمين عليهم، ومن المفترض لأى صاحب مكمورة قبل إنشائها التقدم بدراسة جدوى شاملة تعرض على إدارة البيئة بالمحافظة، وبناء عليها تتم المعاينة طبقا للمواصفات ثم إبداء الموافقة أو الرفض، وفى حال وجود مخالفات، أو عدم الترخيص يتم تحرير محضر بقسم الشرطة، واشترط فى حال وجود مكمورة فحم أن تكون بعيدة عن الكتلة السكنية والأرض الزراعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.