شجاعة علي قدر مصريتها وانتمائها للصعيد هي الصحفية والمذيعة ماريانا عبده التي كانت آخر ضحايا محاولات التحرش بالإعلاميات والناشطات سياسيا في ميدان التحرير، والتي قررت بعد يوم واحد من الحادث أن تعاود الظهور لتروي ما جري وتكشف خطة الثورة المضادة لإسكات صوت الميدان من خلال البلطجة والتحرش بالنساء. أخطر شيء يتعلق بظاهرة التحرش بالنساء اللاتي يشاركن في العمل السياسي والإعلامي هو ترهيبهن نفسيا وبدنيا وتخويف النساء الأخريات من المشاركة. هذه الحيلة لجأ إليها ضباط داخلية حبيب العادلي منذ سنوات عندما بدأت حدة المظاهرات والاعتصامات السياسية في الارتفاع ويشهد علي ذلك سلم نقابة الصحفيين حيث تم تأجير عدد من البلطجية والبلطجيات للتحرش بالصحفيات والمحتجات الأخريات في مشهد لا تنسي بشاعته. لقد أدرك القائمون علي الدولة البوليسية التي كنا وربما لا نزال - نعيش فيها أن "شرف البنت" هو أقسي طعنة يمكن أن يوجهوها إلي خصومهم وهي السلاح الأكثر تخويفا الذي يمكن اشهاره في وجوه المعارضين السياسيين. ما يسعي إليه مدبرو سلسلة التحرشات التي تضرب ميدان التحرير هو تخويف النساء من الذهاب إلي هناك وبشكل عام من المشاركة في الحياة السياسية والإعلامية، أولا لمنع نصف المجتمع من المشاركة وثانيا لممارسة العنف والوحشية ضد المتظاهرين الرجال بحرية أكبر يمكن أن يحد منها وجود النساء، وثالثا بتشويه صورة الثورة بالربط الذهني بين صور التحرش الجنسي وصور الثوار. أما أقوي رد علي هذه المحاولات فهو الانتصار علي الشعور بالخجل ومواجهة المتحرشين بمدي حقارتهم وإفهامهم أن خطتهم لن تنتج سوي مزيد من الغضب عليهم والإصرار علي استئصالهم ومزيد من المشاركة النسائية الممزوجة بمزيد من القوة والتصدي والعنف المضاد من قبل النساء. لقد ضربت ماريانا الإعلامية الموهوبة - ابنة "نجع حمادي" - النموذج الأمثل في الرد علي محاولة التحرش بظهورها السريع علي الفضائيات لتتحدث عما حدث معها وتؤكد أنها لم تخضع ولم تنكسر أمام مجموعة من أشباه الرجال الذين خصيت عقولهم وأخلاقهم وتم انتهاكهم ونزع شرفهم منهم من قبل أصحاب المال والسلطة. وبقدر شجاعة ماريانا ووطنيتها جاء رد فعل ضابط الشرطة أحمد سامي الذي أنقذها من البلطجية وتعرض في سبيل ذلك للاعتداء الوحشي، ضاربا المثل الحي علي معني أن يكون الانسان ضابط شرطة يحمي الأبرياء بدلا من أن يطلق عليهم السجناء والمجرمين والمدمنين. منذ اليوم الأول للانتفاضة الشعبية التي تحولت لأكبر ثورة في تاريخ مصر هناك حالة من الإنكار لدي الطبقة التي كانت تحكم مصر والمنتفعين والمتواطئين والمهيئين بحكم نفسياتهم الوضيعة لقبول الذل وتلقي الرشاوي مقابل عمل أي شيء حتي لو كان قتل إخوانهم أو تشويه الحدث العظيم. وواحدة من الخطط الجهنمية التي تستخدم منذ اليوم الأول بجانب إشعال الفتن الطائفية ونشر المجرمين والمسجلين في أنحاء البلد واطلاق الشائعات هي التحرش والاعتداء علي النساء. فعلوا ذلك مع سالي زهران التي قتلوها، ومع المذيعة بثينة كامل التي نجت من أيديهم بأعجوبة ومع مذيعة التليفزيون الأمريكي لارا لوجان التي ظلت طريحة الفراش لعدة أسابيع بعد الاعتداء الوحشي عليها ليلة تنحي مبارك، ومع الفنانة شريهان التي طاردوها من ميدان التحرير إلي بقية شوارع القاهرة، وأخيرا مع ماريانا عبده التي تصدت ببسالة للمعتدين وقاومت السقوط علي الأرض بقوة خرافية وعادت لهم في اليوم التالي لتثبت لهم أنها أكثر شجاعة و"رجولة" منهم. الجمعة المقبلة ننتظر ماريانا في التحرير لتواصل عملها في تسجيل وقائع انتصار الثورة علي جحافل التخلف والثورة المضادة.