تنسيق الثانوية العامة 2025 بالدرجات علمي علوم وأدبي كليات تقبل من 65%.. ما هي؟    برلماني: «ثورة يوليو» الشرارة الأولى لإرساء مبادئ العدالة الاجتماعية    تعليم البحيرة تهنئ الطالبة نوران نبيل لحصولها على المركز السادس فى الثانوية العامة    جامعة الإسكندرية تستقبل وفد المركز الإعلامي الأوزبكستاني    بعد ظهور نتيجة الثانوية العامة 2025 .. نصائح لاختيار الجامعة والكلية المناسبة لك    مؤشرات تنسيق الثانوية العامة 2025 أدبي.. الحد الأدني ل كليات المرحلة الأولي 2024 (بالنسبة المئوية %)    رئيس "بنك الطعام": نقدم نموذج شمولي فريد بالتعاون مع 5 آلاف جمعية    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأربعاء 23 يوليو 2025    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    سعر الزيت والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    وزارة النقل تصدر بيانا بشأن حالة طريق قفط / القصير    كتائب القسام: قصفنا موقع قيادة وناقلة جند إسرائيلية بالقذائف والصواريخ    عبد المنعم سعيد: الاستقرار في مصر والسعودية نتاج قرار وطني ينبذ التفرقة الطائفية    عبدالمنعم سعيد: المنطقة كانت تتجه نحو السلام قبل 7 أكتوبر    عبد المنعم سعيد: روسيا خارج منافسة القوى الاقتصادية الكبرى    عصام سالم: هناك كيل بمكيالين في التعامل مع أزمة فتوح    «الأهلي بياخد الدوري كل أثنين وخميس».. نجم الزمالك السابق يتغنى ب مجلس الخطيب    تطورات الحالة الصحية ل حسن شحاتة.. فاروق جعفر يكشف    رياضة ½ الليل| وفاة لاعب فلسطيني.. صفقة الزمالك «منظورة».. رحيل «عادل» للإمارات.. وأحلام زيزو بالأهلي    لم تيأس بعد عامين من الرسوب.. طالبة ال 4% تحصد 70% في الثانوية العامة بقنا    حزب الجبهة الوطنية: دعم مادي بقيمة 50 ألف جنيه لأوائل الثانوية العامة    لينك نتيجة الصف الثالث الثانوي 2025 بالاسم ورقم الجلوس.. رسميًا الآن عبر الموقع الرسمي ل وزارة التربية والتعليم    الأولى على الثانوية العامة شعبة أدبي ل«المصري اليوم»: «بكيت فرحًا وسألتحق بالألسن»    بعد نجاحها في الثانوية.. سوزي الأردنية تعلن خطبتها قريبًا    النيران اشتعلت في «الهيش».. الحماية المدنية تسيطر على حريق بأسيوط    محمد التاجي: جدي «عبدالوارث عسر» لم يشجعني على التمثيل    محمد التاجي: فهمي الخولي اكتشف موهبتي.. ومسرح الطليعة كان بوابتي للاحتراف    الرابعة على الثانوية: تنظيم الوقت سر النجاح.. وحلمي أكون طبيبة    مواجهة مع أحد المقربين.. توقعات برج الحمل اليوم 23 يوليو    شخص مقرب منك يؤذي نفسه.. برج الجدي اليوم 23 يوليو    ما حكم الاعتداء على المال العام؟.. أمين الفتوى يجيب    منها السبانخ والكرنب.. أهم الأطعمة المفيدة لصحة القلب    «الإندومي» والمشروبات الغازية.. أطعمة تسبب التوتر والقلق (ابتعد عنها)    بدون أدوية.. 6 طرق طبيعية لتخفيف ألم الدورة الشهرية    هيئة أممية: القوات الإسرائيلية قتلت أكثر من ألف فلسطيني باحث عن المساعدة في غزة منذ مايو مع تفاقم الجوع    ويتكوف يزور الشرق الأوسط في محاولة للتوصل لوقف لإطلاق النار في غزة    دروجبا: محمد شريف هداف مميز.. والأهلي لا يتوقف على أحد    أتلتيكو مدريد يتعاقد مع مارك بوبيل رسميا    الكشف عن بديل الهلال في السوبر السعودي    وساطات بتركيا تسعى لإطلاق سراحه .. إعلام "المتحدة" يُشيع تسليم محمد عبدالحفيظ    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: نريد وقف قتل الأطفال بغزة وإنقاذ من تبقى منهم    محافظ الشرقية يهنئ ياسمين حسام لتفوقها: نموذج مشرف لأبناء المحافظة    ب"فستان تايجر".. أحدث جلسة تصوير جريئة ل نورهان منصور تخطف الأنظار    حدث بالفن| زفاف مخرج ونقل زوج فنانة إلى المستشفى وأحدث أزمات حفلات الساحل الشمالي    بالصور.. صبا مبارك تستمتع بعطلتها الصيفية أمام برج إيفل    التاسع على الجمهورية بالثانوية: الوزير مكلمنيش والمحافظ جبر خاطري (فيديو وصور)    نشرة التوك شو| قانون الإيجار القديم ينتظر قرار الرئيس السيسي.. و"الزراعة" توفر الأسمدة رغم التحديات    أندية سعودية تنافس بنفيكا على ضم جواو فيليكس    أمريكا تسعى لتمديد الموعد النهائي لفرض الرسوم الجمركية مع الصين    ما هي كفارة اليمين؟.. أمين الفتوى يجيب    اعتماد أولى وحدات مطروح الصحية للتأمين الشامل.. وتكامل حكومي - مجتمعي لرفع جودة الخدمات    أهم أخبار الكويت اليوم.. ضبط شبكة فساد في الجمعيات التعاونية    هل يجوز الوضوء مع ارتداء الخواتم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    محافظ شمال سيناء يفتتح "سوق اليوم الواحد" بالعريش لتوفير السلع بأسعار مخفضة    انطلاق المبادرة الوطنية للتطعيم ضد السعار من الإسماعيلية    أدعية لطلاب الثانوية العامة قبل النتيجة من الشيخ أحمد خليل    مزايا خاصة بقسم الضُباط المُتخصصين.. شروط وضوابط القبول في كلية الشرطة 2025–2026    حملة دعم حفظة القرآن الكريم.. بيت الزكاة والصدقات يصل المنوفية لدعم 5400 طفل من حفظة كتاب الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتي لا تنفجر في وجوهنا عبوات مزيل العرق


كتب - وحيد الطويلة
كنت في زيارة لقريتي في النقطة البعيدة من شمال مصر، تصادف أن كان الوقت في أحد الأعياد، ووجدت الجو قاتما لأول مرة علي غير العادة، إذ نشبت معركة صامتة ما لبثت أن تحولت إلي معركة علنية بين الناس البسطاء في قريتي وفريق جديد من بينهم، حول الجهر بتكبيرات العيد قبل وبعد الصلاة وحول شكل الزكاة، وسرعان ما انتصر الفريق الجديد الذي ينادي بوأد الجهر والتكبير، واكتفي الفريق الآخر بالصمت والهمهمة أحيانا، وخرجت الزكاة في معظمها علانية علي هيئة صاع أو أكثر من قمح وما شابهه، ولم يجرؤ أحد بعدها علي قراءة سورة يس ترحما علي روح ميت ولو في سره، وانتشرت ذقون غير مشذبة وبات الحلاقون في أزمة عمل.
قال ابن عمي - وهو حاصل علي بكالوريوس التجارة - إن ذلك اتباعا ومجاراة لعمل السلف الصالح، وكسبا للثواب في الدنيا والآخرة، ولما حاولت مناقشته صرخ، وقال إن اخاه الذي تخرج في كلية الزراعة منذ عشر سنوات تحول إلي فلاح فيما تبقي من أرضه الصغيرة - التي باعوا معظمها للصرف علي التعليم - بدل أن يكون مهندسا، بعد ذلك همس في أذني وقال إن الجماعة في أمن الدولة هم الذين يدعمون الشباب الجدد في القرية وهم الذين ينظمون أمر الاخوة السلفيين وأنهم وعدوه بأن يجدوا له وظيفة.
أضرب كفا بكف، واتساءل عن العلاقة بين السلفية وأمن الدولة، ما الذي تغير وكيف ومتي، في مكان ناء قائم علي القبلية والعصبيات وبساطة التعامل مع الدين ولا أثر علي مدي تاريخه للعنف ولا للتطرف في شيء.
وانتهت المناقشة حين قال بأسي إنه لا يستطيع متابعة الانفاق علي تعليم كل العيال.
بعد الثورة وفي إحدي الدول الخلجية ابتسم في وجهي أحد مواطنيها وسمح لي بالمرور سريعا علي غير العادة قبل الثورة، وقال تعيش مصر، هذه الدولة حسبما سمعت لم تعد تقبل الحاصلين علي الشهادات العليا من الجامعات المصرية الحكومية منذ خمس سنوات، لتدني مستوي الخريجين فيها.
طوال عمري لم أحلم لأطفال قريتي بأكثر من التعليم، كنت أقارن ما كابدناه لنتعلم - وهو تعليم بسيط إن لم يكن متديناً - بما هو متاح لأقراننا في المدن، كنت أحلم بأن يتعلم ابن أخي الذي يعيش في القرية تعليما يقارب ما تدرسه طفلتي التي تعيش في القاهرة والتي تشاركه نفس العمر والألعاب ليحصل ذات يوم علي فرصة عمل وليجد لغة مشتركة يتقاسمانها حين يكبران. اعترف أنني كنت ساذجا وربما حالما في أفضل التوصيفات حين اعتقدت أو هكذا كنت أتصور أن ثورة الاتصالات في أبسط أشكالها عبر جهاز الكمبيوتر سوف توفر معرفة واحدة للطرفين، لكنني اكتشفت بعد فترة أنني واهم، وأن الشقة تتسع وأن الحوار بينهما بدا متعارضا تماما وأن كلاً منهم يتحدث بلغة ضد الآخر.
كنا مستغربين حين عرفنا أن الرئيس الأمريكي الراحل ريجان قد وجد أول ملف علي مكتبه بعنوان «أمة في خطر» عن تراجع التعليم وما يعنيه ذلك من تأثير خطير علي مستقبل أمريكا، كان ذلك في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، كان الأمر أشبه بناقوس يدق الخطر علي أكبر امبراطورية في العالم، ما بالك بقريتنا التي لم تحسب كمكان علي الأرض إلا حين صورها موقع جوجل ايرث.
ما الذي تغير في السنوات الثلاثين الماضية، أهو نهب فقط للموارد وتجريف للأحلام وصعود المتطرفين من كل الاتجاهات علي أعلي الكراسي وبأعلي الأصوات وأقواها ما الذي تغير بحق في نسيج المجتمع الوسطي القادر علي صهر كل وافد والقدرة علي تطويعه وطبعه بطابعه هو دون أن يفقد بوصلة التجديد أو يرفض الآخر.
أقول ذلك والأنباء تتواتر عن أن وزير التعليم قد اختار الروائي الكبير خيري شلبي للمساهمة في تطوير مادة التعبير في المدارس، وهو نبأ جيد لكن هل يكفي شلبي وحده، أين الرؤية المتكاملة لإصلاح المجتمع ككل والقدرة علي ايجاد أرض حقيقية للعيش المشترك مهما اختلفنا.
بالطبع ليس التعليم وحده، وإنما ما يستتبعه وينبني عليه من ثقافة وإعلام وبحث وقدرة علي الحوار تعترف بتقبل الآخر.
أقول ذلك كي نعرف كيف نناقش قضايانا بعمق وهدوء ووعي بعيدا عن الشعارات التي تعبئ الناس، كأن أسهل شيء ألا تناقش الآخرين، كأن ما هو أسهل منه أن تتهم الآخرين وأن تجيش الجيوش ضدهم، وما قاله د.صبحي صالح في مؤتمره الأسبوع الماضي ليس ببعيد، كأننا نستعيد الشعارات التي يرفعها طغاة الفكر والحكم، إن لم تكن معي فأنت ضدي.
أقول هذا بعد غزوة الصناديق التي أشبعت كلاما، لقد شعرت بالحذر ولا أقول الخوف حين قال عصام العريان ودماء الاستفتاء علي الدستور لا تزل ساخنة: إن الإخوان لن يقصوا أحدًا، قالها بلغة المغرور المنتشي الذي أمسك بناصية الحكم والوطن، وبالطبع لا أخفي قلقي من التصريحات الاستعراضية الواثقة التي تقول بأن فريقا سينافس فقط علي نسبة من المقاعد في الانتخابات المقبلة، وكأنه يمنح الآخرين هبة، وكأنه يدعوهم ليخافوا أكثر بدل أن يطمئنوا.
لقد وقفنا جميعا مع السيد خيرت الشاطر - علي سبيل المثال، رغم أننا قد لا نشاركه نفس الأفكار - وقفنا معه ضد اختطافه وسجنه من قبل النظام البائد، وقفنا ضد تحويله لمحكمة عسكرية بدل محكمة مدنية، وقفنا مع حريته رغم اختلافنا معه، ولم يخرج من السجن إلا بعد أن قام أبناء الثورة بها ولولا الثورة لما خرج حتي الآن، لكن تصريحاته الأخيرة إنما تقف علي الجانب المضاد تمامًا لما نادت به الثورة ولما قامت من أجله.
هذا الكلام بالطبع ليس ضد أحد بعينه، لكنه عينة مما بسود الأجواء، بما يشير إلي أن مسألة الديمقراطية ليست في قلب اللعبة، وأن هناك من يجاهر بالتعصب الديني والطائفية والدولة الدينية والقفز علي ثورة قام بها شباب من أجل دولة مدنية عصرية عمادها الديمقطراية والعدالة الاجتماعية والدستور الإنساني الواضح، لا ليستولي في النهاية دعاة التطرف ورموز التطرف الديني علي الساحة.
في زيارتي الأخيرة بعد الثورة للمدينة الكبيرة التي تتبعها قريتي، سمعت سيدة تأمر الصيدلي بأن يرفع كل عبوات مزيل العرق ومساحيق التجميل، وبقية الحكاية معروفة.
أتذكر للمثقف المصري الراحل شكري عياد جملة واحدة: كان يجب نعلم الناس حتي يقفوا معنا، أو بالأحري يقفوا مع أنفسهم، أقول ذلك وأنا أبحث عن دور حقيقي للمثقف لا يتعالي فيه علي هؤلاء حتي الذين يقفون أمامه بسلاح التطرف والنظرة المتخلفة الضيقة، دعوة لا ينظر فيها إليهم علي أنهم نتاج الجهل والتطرف فقط وعلي ألا يتركهم لقمة سائغة للآخرين يبثون فيهم سمومهم لنجد أنفسنا في وطن علي غير ما تمنينا وحلمنا وفعلنا في الثورة، حتي لا تنفجر في وجوهنا عبوات مزيل العرق وحتي لا نصرخ ذات لحظة بعلو الصوت ونقول كما قال الروائي السوداني العظيم الطيب صالح حين وجدهم فجأة في السودان وقد كادوا يأتون علي الأخضر واليابس: من أين أتي هؤلاء؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.