الدكتور أحمد الصغير ناقد وأكاديمى محترم حيث يعمل مدرسا للأدب العربى الحديث بكلية الآداب بالوادى الجديد. كما عمل مدرساً للأدب العربى بالجامعات التركية، عايش المثقفين الأتراك ولمس من جانبهم النظرة الاستعلائية تجاه كل ما هو عربى، وكأنهم لا يزالون يعيشون وهم الإمبراطورية العثمانية . وهو يتبنى منهج النقد الثقافى فى أطروحاته النقدية، وينتمى إلى المدرسة المصرية فى النقد والتى أرسى دعائمها شكرى عياد وعز الدين إسماعيل .من أبرز أعماله: الخطاب الشعرى فى السبعينيات، بناء قصيدة الإبيجراما فى الشعر العربى الحديث، مقدمة فى الأدب العربى الحديث وغيرها من الأعمال المهمة. هنا حوار معه : ■ حدثنا عن ملامح منهجك النقدى ؟ وإلى أى مدرسة نقدية تنتمى ؟ - فى البداية أقول إننى تعلمتُ النقد الأدبى على يد أساتذة كبار فى مصر والعالم العربى، منهم الناقد الدكتور عز الدين إسماعيل، وعصام بهى، وصلاح فضل، محمد عبدالمطلب، وجابر عصفور وعبدالعزيز حمودة، وغيرهم كثيرون فى مدرسة النقد المصرية. إن ملامح منهجى النقدى تعتمد على المواجهة مع النص الأدبى، فأميل إلى المنهج الثقافى والدراسات الثقافية التى تستفيد من جل المناهج السابقة، معتمدة بالأساس على رؤية الناقد الذى يدرس النص، فطبيعة النص الأدبى الثقافية فى وقتنا الراهن تنحو هذا النحو فى معظم النصوص العالمية . وعليه فإننى أنتمى إلى المدرسة المصرية فى النقد التى أسسها عز الدين إسماعيل وشكرى عياد التى تشكلت فى الجمعية المصرية للنقد الأدبى فى عام 1988 . بكلية الآداب جامعة عين شمس. ■ ما سؤال النقد اليوم ؟ - هناك أسئلة كثيرة للنقد اليوم أهمها ما دور الناقد نفسه فى الحياة الثقافية المصرية والعربية، وأيضا هل النقد يقتصر على الشرح والفرز أم يعتمد على الإغراء؟ بالقراءة ومحاولة تقريب النص إلى القارئ وإغرائه بالقراءة . هذا هو السؤال الذى يشغلنى ويشغل الجيل الجديد من النقاد الشباب . هذا الجيل الذى يضم أصدقائى النقاد سيد ضيف الله، وعمر شهريار، وجمال عطا ومحمود الضبع، وعلاء الجابرى، ويسرى عبدالله، ومحمد السيد إسماعيل، وهيثم الحاج على، وممدوح فراج، وغيرهم. ■ الخطاب الشعرى لجيل السبعينيات هو عنوان أطروحتك للماجستير.. برأيك هل استنفدت تجربة جيل السبعينيات أغراضها؟ برأيى أن تجربة جيل شعراء السبعينيات فى مصر حتى الآن لم تستنفد أغراضها، لأنه مازالوا يكتبون ويقدمون نصوصا مدهشة أمثال الشاعر رفعت سلام وعبدالمنعم رمضان ومحمد سليمان وجمال القصاص، ومحمد فريد أبو سعدة، ومحمد آدم، وحسن طلب، وعلاء عبدالهادى، لديهم الكثير من قضايا الشعر لم تطرح الذات الشاعرة قضاياها فى النص السبعينى، ومازال الزمن يغربل تجربة السبيعينات ولم ينته منها، فقد كانوا أكثر من ثلاثين شاعرا فى عام 1977، وحتى الآن يتبقى منهم عشرة شعراء حقيقيين ولم ينته بعد. ■ عملت أستاذا للأدب العربى فى الجامعات التركية.. كيف تقيم حضور الأدب العربى هناك؟ - عملتُ ست سنوات كاملة فى الجامعات التركية أستاذا للأدب العربى هناك، ووجدت أن الأدب العربى أقل حظا من الآداب الأخرى فى تركيا تحديدا بسبب ضعف الترجمات التى تقدم أو التى يقوم بها الأتراك أنفسهم قياسا بالترجمات عن الانجليزية أو الألمانية والروسية . فللأدب العربى حضور ضعيف على مستوى القارئ العادى أو الأكاديمية التركية. ■ كيف ينظر الأتراك للثقافة العربية؟ - نظرة الأتراك للثقافة العربية نظرة تحمل الكثير من العنصرية تجاه العرب وثقافتهم، فهم لا يقدرون الثقافة العربية وينظرون إليها نظرة استعلاء واحتقار، ويظنون أنفسهم أنهم أرقى حضارة وثقافة، ومازالت الذاكرة التركية المريضة تظن أن العرب مجموعة من البدو يعيشون فى الخيام متنقلين من مكان إلى مكان بحثا عن الطعام. ■ برأيك.. لماذا لا توجد نظرية نقدية عربية؟ وهل تصلح نظرية النظم لعبد القاهر الجرجانى كنواة لنظرية نقدية عربية؟ ليست هناك نظرية عربية أو أجنبية أو إفريقية، هناك نظرية وفقط هذه النظريات النقدية، هى إنسانية بالتحديد لأنها وضعت لدراسة النص الذى يكتبه الإنسان وهو النص الأدبى، فقد كانت نظرية النظم عند عبدالقاهر الجرجانى نظرية إنسانية فى زمنها.. أنا أحلم أن يبتكر النقاد العرب نظرية إنسانية، تشارك العالم فى مناهجه التى يقدمها، حتى تصبح الشخصية العربية مساهمة فى حركية النقد العالمى . ■ كيف تفسر ضعف مستوى الطلاب خريجى أقسام اللغة العربية ؟ - تفسير واحد لدى وهو السبب وراء ضعف الطلاب هو ضعف الأساتذة أولا، ففاقد الشيء لايعطيه، عندما يكون الأستاذ ضعيفا غير مؤمن برسالته فى تعليم الطلاب، لن تجد طالبا ملما بأدواته العلمية فى حقل من الحقول المعرفية، ثانيا هو المناهج الدراسية القديمة التى يدرسها الطلاب هى مناهج تلقينية فقط، لا تنمى روح التفكير والمهارات لدى الطالب، تخيلْ أننى فى كلية الآداب بالوادى الجديد جامعة أسيوط، عندما أجد الطلاب يكتبون بطريقة خاطئة أتوقف عن إلقاء الدرس، وأبدأ فى تعليمهم مهارات الكتابة، فقد خرجوا من الثانوية العامة ضعفاء فى النحو والإملاء والبلاغة وغيرها من علوم العربية . ■ لماذا لم تظهر الكتابات المعبرة عن الثورة حتى الآن؟ - لأنه فى رأى أن الكتابات الناضجة لم تتشكل بعد، وأعنى الوعى الجمعى لدى الكتاب والأدباء لم تتضح لهم الرؤية الحقيقية للثورة، لأن الكتابات المتعجلةtakeaway هى كتابات متعجلة أو خواطر شخصية / يوميات، قل عنها ما تشاء، لكنها لا تندرج فى نوعى أدبى ما، جميعها تهويمات بسيطة مباشرة لا تحمل البعد الثورى الذى يجعل الثورة منطلقا له، متكئا عليها. بطريقة موجهة. ■ لماذا خفت الجدل حول قصيدة النثر؟ وهل هذا دليل على استقرار دعائمها؟ - قصيدة النثر ليست وليدة اليوم، بل مر على ميلادها أكثر من خمسين سنة بدءا من الستينيات تحديا على يد الشاعر اللبنانى الأكبر أنسى الحاج ومقدمة ديوانه «لن» فقد انتقل العقلاء من النقاد العرب والمصريين من الحديث عن المصطلح إلى الحديث عن تقنيات القصيدة النثرية، ومدى التحامها بالواقع الأدبى، فقد قمت بإعداد رسالة الماجستير عنها لدى شعراء السبعينيات، ولدى كتاب آخر عن قصيدة النثر والمشهد الراهن فى مصر، وهى لا زالت تتحرك بقوة بين شباب الشعراء، لكن المشكلة التى وقع فيها شعراء العربية أنهم ظنوا أن القصيدة نفسها تابو لاينبغى كسره والتجديد فى بنائه الفنى أو الموضوعاتى، لأنها وليدة التمرد، فهى تحتاج لجرأة الكتابة والتمرد عليها فى الوقت نفسه، لدينا شعراء كبار فى قصيدة النثر المصرية، رفعت سلام، وفاطمة قنديل، وعاطف عبدالعزيز، وإيمان مرسال، وأسماء ياسين، وعزة حسين، وجيهان عمر، وغادة خليفة، وعصام أبو زيد وعلى عطا، وفى الوطن العربى، عباس بيضون، ومحمد الماغوط، ومحمد خضر، وعبده وازن... وغيرهم كثيرون كتبوا قصيدة النثر ومازالوا يمارسون الكتابة.. ومن ثم فقد استقرت قصيدة النثر بوصفها نوعا أدبيا قائما بجانب الأنواع الأخرى من الشعر والأدب.