ثلاثة أشياء تتعفن بالاستمرار (الماء، الدم، الإدارة) هكذا تعلمنا من سنة الحياة وبديهيات الطبيعة، وهي نفس الجملة التي تضمنتها كلمتي أمام الرئيس «محمد أنور السادات» في أثناء زيارته لنا (طلاب البعثات في إيطاليا) عام 1976 بقصر "الكورينالي" في روما أمام حشد من زملائي أعضاء البعثة التعليمية حينها! واليوم أعيد تكرار هذه الجملة!. المياه الراكدة وغير المتحركة، حتي ولو قذف فيها حجارة، فهي ساكنة وقاتمة وملجأ للحشرات المائية بما فيها "البلهارسيا" والقواقع والطحالب ولا يقبل بها حيوان أليف كمصدر "«للشرب" أو حتي "للاستحمام"! وكذلك الدم حينما يسقط علي الأرض ويبقي ويتجمد (يتجلط) ويزال كرقائق عضوية من فوق السطح الساقط عليه!!. أما الإدارة فهي بنفس خواص المياه والدماء، إما أن تكون متحركة منتعشة لمحيطها ومبدعة في قراراتها ومستحسنة اختياراتها ومتمسكة بمعايير الحكم علي الأفراد المنوط بها إدارتها ومنزهة عن الهوي وعن المصالح الشخصية، والواسطة والمحسوبية والرشوة وعن الكسب الحرام وعن "التطنيش" علي الفساد وعلي الانحراف وكذلك التنزه عن هذه (الموبيقات) الحياتية. ويكون للإدارة حق السلطة في موقع عملها، دون انتظار لنفاق موظفين أو رياء متعاملين أو حتي انتظار شكر، وثناء علي واجب، كل هذه التعريفات بديهية ومعلومة (للقاصي والداني) من بعض مراكز الإدارة واتخاذ القرار في أي مؤسسة بالدولة، ولعل ما نطالعه علي صفحات الجرائد وما نعانيه كأمة حباها الله بكل عناصر النجاح والتفوق والخير... إلا أن إدارة مناحي حياتنا في مصر، شابها العجز والشيخوخة وشابها الاستمرار "بالعفن"!! ونجد في مبررات الاستمرار لهذا المناخ، مرة بأنه يحوذ رضا بعض الكبار، وهذا افتراء إن صح فالمصيبة أكبر!! ومرة أخري لأن سيادته مسئول عن مشروعات لم تنته " ولن تنتهي !!" وهذا أيضاً سبب (واه) غير حقيقي، فمصر عامرة بقدرات إدارية وإبداعية بما لا تحصي ولا تعد!! في جامعاتنا ومراكز بحوثنا ومن خريجي المعاهد العلمية الدولية العالية المستوي، هؤلاء إذا أتيحت لهم الفرصة سوف يقفزون بالأمة قفزات يستحقها شعب مصر، إلا أن الأسباب وراء الاستمرار في الإدارة، أسباب مصنوعة من هؤلاء المستمرين ( الشائخين) في مناصبهم، والمصيبة في اختياراتهم للصفوف التالية لهم، فهي اختيارات تتم عن سوء قصد، في القضاء علي الإبداع والقضاء علي التميز، وقتل أي فرصة لظهور أحد أحسن منهم علي الساحة ويا ويله من يهبه الله فكراً أو إبداعاً، في منصب تحت مسئول من هؤلاء المستمرين، فسوف يكون مكانه (الفريزر) أو تضبيط مصيبة لكي يختفي من علي الشاشة، ولعل كثيراً في هيئاتنا ومؤسساتنا من ذوي المسئولين المستمرين، لا نجد صورة أو صوتاً لأحد من الصفوف التالية، فالمؤسسة في مصر (وان مان شو) ولعل البحث عن الرجل الثاني في أي من مؤسساتنا كمن يبحث عن (إبرة في كوم قش)!! ولعل من "بجاحة " هؤلاء المستمرين أن يعلنوا في اجتماعات عامة، بشجاعة منقطعة النظير،(ويحسدوا عليها)، مدافعين عن أنفسهم وعن أن مصر نضبت من المبدعين والمبتكرين والمديرين، وأنهم في سبيلهم لإعداد (كورسات) للصفوف التالية عليهم!! ويستمر هؤلاء الكبار الفاسدون في مناصبهم عشرات السنوات لا يتعرض لهم أحد بسؤال، المبدأ كله يتفق مع ما ننتهجه في بلادنا بأن "لا عمر افتراضي "للوظيفة العامة، فلتتولد الطحالب والعفن والركود والفساد!! هذا المقال نشر في يوم 2009/5/16 بنهضة مصر!!