امتلأ ميدان التحرير طوال أيام ثورة 25 يناير بألوان شتي من الفنون، كانت رفيقة الثوار وأدواتهم، وكان الفن التشكيلي أحد أبرز هذه الفنون، التي تمكنت من توصيل رسالتهم للعالم، وبعد هذه الثورة لن يمكن لأحد أن يغفل دور الفن في التأثير علي المجتمع، فكان من المهم معرفة رأي التشكيليين في "تديين السياسة"، ودورهم في مواجهة الظاهرة، خاصة بعد إعلان حزب "الحرية والعدالة" حزب جماعة الإخوان لبرنامجهم، الذي تضمن بابا مهتما بالثقافة والفن، في هذا الاطار استطلعنا آراء الفنانين والنقاد حوله في هذا التحقيق. أما الناقد عز الدين نجيب فقال: "عانت الحركة التشكيلية طويلا من مقاومة الفكر السلفي لها، واعتبارها نشاطا محرما خاصة ما يتعلق منه بالتشخيص رسمل أو نحتا، رغم حسم الإمام محمد عبده هذا الأمر من الناحية الشرعية منذ عام 1905، مناصرا دور الفن والفنانين في الارتقاء بالذوق العام حتي إنه ربط بينها وبين الشعر والموسيقي. يضيف نجيب: رغم كثرة المقالات والدراسات والندوات التي أقيمت للرد عليهم، كانوا في أغلب الأحيان يكسبون المعركة، بسبب عزلة الفن عن المجتمع واقتصاره علي الطبقة الارستقراطية. لكن عندما قامت ثورة 25 يناير، راينا ولأول مرة تلاحما قويا بين الفن الذي يمارسه الفنانون بالميدان وبين آلاف الجماهير من أبناء الشعب دون أي إحساس بأنه يمثل مخالفة للإسلام، بل لقد رأيت بنفسي جماعات من الشباب الذي ينتمي إلي الإخوان المسلمين وهم يشجعون الرسامين الهواة حين تصويرهم لأشخاص وملامح بشرية لنقد النظام القديم دون أن يظهر أحد من السلفيين للاعتراض علي ما يقوم به من فن. وهذا هو ما يثبت أن قوة وانتصار قضية الفنانين مرتبطة بعلاقتها بالمجتمع وبالأحداث المصيرية الجارية فيه، وكلما زادت قوة هذه العلاقة تراجعت الدعوات السلفية والرجعية والعكس صحيح. وفي تعليقه علي تناول برنامج حزب "الحرية والعدالة" للفن قال نجيب: "احترم هذا التوجه بشدة، خاصة أن شباب الإخوان احتفوا بالفنانين بالميدان أثناء الثورة، وأظن أن هناك تحولا فكريا وثقافيا جد علي فكر الجماعة بعد هذه الثورة، يجعلهم أقرب إلي الحياة المدنية والعصرية منه إلي الفكر الديني والسلفي، وسوف يذكر التاريخ السياسي لهم أنهم وضعوا أول برنامج ثقافي معاصر من بين كل الأحزاب السياسية الماضية، مما يؤسف له أن جميع الأحزاب باستثناء حزب التجمع الوحدوي لم تكن تولي الثقافة والفنون أي اهتمام في برامجها، ولو صدق الإخوان المسلمون في ممارسة أو تطبيق هذا البرنامج حتي وهم خارج السلطة، فسوف يثبتون بحق أنهم قد تغيروا وذابوا في لحمة الحراك الوطني والثقافي المصري". في هذا السياق قال الناقد كمال الجويلي : "طبعا الفن مهم جدا، والسلفيون ضد الفن وأصدروا فتاوي غير مقبولة في الفترة الأخيرة، الحقيقة لابد أن يترسخ الفن من خلال التعليم، أي منذ الصغر فمن المهم تنوير النشء، ولابد من تفعيل التربية المتحفية ودراسة الأعمال الفنية وتعميق حب الجمال، إعمالا بمقولة "الله جميل يحب الجمال"، وأذكر في هذا السياق دعوة متحف الفن الحديث لي لأشرح لما يقرب من أربعمائة تلميذ وتلميذة بالابتدائي مجموعة من اللوحات بالمتحف، وفوجئت بالمدرس المشرف علي الرحلة يسألني: "أليس رسم الوجوه حراما؟!!" فلم أجبه بل واصلت الشرح ثم سألت الأطفال هل رسم الوجوه حرام؟..فانتفض الأطفال رافضين الفكرة، المدهش أنه في نهاية الرحلة وعلي باب المتحف أراد هذا المدرس أن يلتقط صورة تذكارية!..فداعبته بأن التصوير حرام. أما تعليقه علي حزب "الحرية والعدالة" فيقول الجويلي: "كل هذا جيد ولأول مرة تحدث في التاريخ الاهتمام بالآثار، فهي نقطة تنويرية مستحدثة في الفكر الإخواني، بما يعني أن هناك مراجعة في فكر هذه الجماعة الإسلامية". أما فنان الكاريكاتير ونقيب التشكيليين مصطفي حسين فأكد أنه: "ليس فقط الكاريكاتير هو من عليه المواجهة والتنوير، بل كل من له رأي سواء الكتاب والأدباء والشعراء وغيرهم، فلابد من الحفاظ علي حرية التعبير وتفعيل مدنية الدولة وتعميق مبدأ "الدين لله والوطن للجميع"، وحفظ سيادة القانون في حال الاعتداء علي الحقوق المدنية وحرية الآخرين، فأي فئة ايا كانت سلفيين أو غيرهم، تتدخل وتفرض رأيها أو وصايتها هذه جريمة ولابد من علاجها بالقانون". ويري النحات شريف عبد البديع أن مواجهة هذا المد السلفي يتطلب مشاركة حقيقية من نقابة التشكيليين، قائلا: " لابد أن يكون للنقابة أيضا دور وليس الفنانين وحدهم، فالنقابة تمثل الرأي العام للفنانين، إضافة لأهمية الدعم الإعلامي من حيث اهتمام الإعلام بالفن التشكيلي وعرضه بالشكل اللائق، وكفي تهميشه طوال هذه الأعوام وتقديم الفنان التشكيلي الذي يمثل مصر ويكون سفيرا مشرّفا لها بالخارج بما لا يليق به. وأكد أن علينا أن نخرج علي مركزية القاهرة والإسكندرية إلي المحافظات الأخري بإقامة المعارض المختلفة والمتنوعة، بمعني معارض فوتوغرافيا ومنسوجات وغيرها من ألوان الفنون الأخري، ولابد من تواجد الفنان أيضا بمعرضه، إقامة الورش الفنية للأطفال مهمة جدا، علي مستوي آخر من تعميق الفن لابد من تطوير تعليم الفن بالمدارس ولا يظل مادة هامشية لايهتم بها الدارسون ولا المدرسون". أما عن تعليقه علي برنامج حزب الإخوان يقول عبد البديع: "لازال الإخوان يحاولون الظهور بشكل لا يظهر باطنهم من باب تحسين صورتهم للرأي العام، وهو ما أسميه نوعا من التدليس غير المقبول في هذه المرحلة، فهم يحاولون إيهام المجتمع أنهم يناصرون المدنية لكن بمرجعية إسلامية، يناصرون الفن والثقافة لكن بشروط وأيديولوجيا معينة، فلابد من إعلان موقفهم بوضوح من حرية الفن و حرية الرأي، وعن رأيي الشخصي أنا رافض تماما".