مبارك الذي أراد أن يكون قدر المصريين لابد أن يواجه قدره اليوم قبل الغد بالمحاكمة، وإن تعددت محاولات التأخير، فما يحدث داخل هذه المحاولات يؤدي إلي انتشار الشائعات والبلبلة، منها ما تقوم به بعض الدول العربية بالضغط علي مصر للامتناع عن محاكمة الرئيس المخلوع، وتهدد بوقف المساعدات في حالة المحاكمة، رغم تأكيد المتحدث باسم النيابة العامة المستشار عادل السعيد علي أن الرئيس المخلوع وعائلته ليسوا فوق القانون. وهذا الأمر نفسه عضده وزير العدل المستشار محمد عبدالعزيز الجندي بنفيه تلقي جهاز الكسب غير المشروع شهادات طبية تثبت عجزه عن الحركة أو الانتقال من مقر إقامته في شرم الشيخ إلي القاهرة للمثول أمام جهات التحقيق. وقال الوزير أيضًا في تصريحاته: إن المبدأ المطبق علي كل المواطنين هو قيام جهات التحقيقات بالانتقال إلي مقر إقامة أي مصري في حالتين: الأولي أن يكون مريضًا ولا يستطيع الحركة، والأمر الثاني وجود دواع أمنية تحول دون انتقاله إلي مقر التحقيق. يخلص من ذلك إلي أن كل الاستعدادات والإجراءات قد تمت تمهيدًا لمحاكمة الرئيس المخلوع لكن بعض إجراءات التحقيق ما زالت قيد التحري وجمع المعلومات الموثقة لمواجهته بها عند بدء التحقيق، باعتبار أن كل الجهات الرقابية في وقت سابق لم تكن تجرؤ علي جمع معلومات حول الثروات المتعددة للرئيس المخلوع، أي أن جميع ملفاته سواء في جهاز الكسب غير المشروع أو الجهات الرقابية الأخري «أبيض»، لا يوجد فيها أي شيء لذلك لم تبدأ المحاكمة إلي الآن. وحتي تنتهي عمليات جمع المعلومات الموثقة لن تتعطل محاكمة الرئيس المخلوع ولم يكن هناك في الأصل مجال لذلك إلا في أوهام البعض، لأنه بمراجعة مواقف المجلس الأعلي للقوات المسلحة بعد ثورة «25 يناير» تكشف أن القوات المسلحة مع الثورة والشعب في مسار واحد، سيؤدي في النهاية إلي محاكمة مبارك لما ارتكبه من جرائم في حق هذا الشعب الذي تحمل الكثير، بدءًا من عدم وجود طرق يمكن السير عليها ولا أسعار للسلع يتحملها المواطن العادي، بخلاف تعشش الفساد والرشاوي في معظم أركان الوطن وانتهاء بتضخم ثروات مبارك وأسرته وأعوان نظامه. كنا نعيش «بالصدقة»، وإذا علق أحدنا علي مسئولية مبارك وأفراد أسرته عن هذه المعيشة فعلي الدنيا السلام. وآخر حكومة لمبارك برئاسة نظيف تحولت إلي تطفيش المواطن من بلده لتصبح الهجرة هي الحل الوحيد أمامه خاصة الشباب الطامحين. نقول للحكومة الحالية: ماذا ينفع الحكومة لو ربحت دعم العالم وخسرت ثقة شعبها؟ وعلي هذه الخلفية فإن المطلوب سرعة انتهاء الأجهزة الرقابية من تقاريرها عن ثروة وممتلكات مبارك حتي تتم محاكمته، لنحاصر كل الشائعات ونضرب بيد من حديد كل أعداء الحرية والعدالة الاجتماعية، ومناصري الأكاذيب والادعاءات من فلول الحزب الوطني وبعض رجال الأعمال الذين يملكون المال الوفير لشراء الذمم الخربة واستخدامها في تعطيل مسيرة الثورة، سواء بأعمال التخريب ونشر البلطجة أو تعطيل عجلة العمل. لا يمكن أن يتوقف مستقبل وأمل شعب عريض وأعظم ثورة شعبية تفجرت في هذا القرن أمام عقبة محاكمة مبارك مهما كانت صعوبة هذا الأمر. كيف يمكن أن يستمر ليل الظلم والظلام في عز النهار..؟ هل الفساد والشلل ومرض الاستمرار في الجلوس علي كراسي السلطة أقوي من رياح التغيير؟ أسئلة.. لا، بل صرخات في كل بيت.. ولا أجوبة علي طريقة المزيد من الشيء نفسه، هكذا كنا نعيش في زمن مبارك: المسئول في هذا الزمن يسأل بدلاً من أن يجيب، المحكوم يفتش عن حاكم، فلا يجد سوي الفراغ ولا شيء يكشف عمق البؤس السياسي الذي وصلنا إليه أكثر من خلافات وزراء حكومة «نظيف» علي توزيع الأراضي والبيزنس فيما بينهم بهدف أساسي هو سرقة أموال الشعب، إنهم كانوا يختلفون علي أصغر الأشياء وأتفهها. لا مجال للهرب من الأجوبة، الشعب فعل كل ما عليه، قام بالثورة، واستعاد الحرية والكرامة ولم يتبق إلا المساءلة. الذاكرة مثقلة بكل ما ارتكبه الرئيس المخلوع وأعوانه من سرقات واستغلال للنفوذ وخطايا في حق الشعب والوطن. الساعة السياسية المصرية متوقفة قسرًا بين السير بسرعة كبيرة لتقديم الرئيس المخلوع للمحاكمة، وبين التقدم ببطء عن طريق المعالجات السياسية. تلك هي الحقيقة أما ما عدا ذلك فمن الأباطيل واستهلاك الوقت ولا مجال بعد اليوم لإنكار الدور الوطني الكبير الذي قام به الجيش لحماية الوطن والمحافظة علي ثورة 25 يناير بنزوله إلي الشارع من أجل الحقيقة والحرية ومستقبل الوطن بمشاركة أبناء الجيل الجديد الذين أضاءوا ليل الظلم والظلام، سواء باستشهادهم أو بجراحهم التي نزفت دما طهرت به أرض التحرير وجعلتها أرضا مقدسة. لذلك لابد أن يحتل هؤلاء الشباب مكانهم الطبيعي في بناء المستقبل لأنهم جميعا تجاوزوا بعض القيادات الموجودة التي صارت وراءهم، وهم في أية تظاهرة أو موقع أعادوا التأكيد أن كل المصريين ضد الفساد والظلم وجرائم الاغتيال وتفجير الكنائس بل وتفجير الأمة. إن نزول الأسر بكامل أعضائها من أب وأم وأطفال إلي ميدان التحرير في يوم الإجازة للتعبير عن انحيازهم للثورة، هذا المشهد الحضاري يكشف عن إعادة الروح لمصر، هذه الروح التي قتلها أصحاب المصالح الخاصة الذين كانوا في السلطة، وأخذونا إلي الخراب وبشرونا بالمزيد منه، وليس هذا سوي بقايا أوهام غطرسة سلطة مبارك وأعوانه. بقيام ثورة 25 يناير أصبحنا علي مشارف الفجر الجديد الذي سيسطع بلا جدال بعد بدء محاكمة الرئيس المخلوع، والشعب والجيش والثوار «إيد واحدة» وروح واحدة قد أخذوا قضيتهم ومصيرهم بيدهم، ولا أحد ولا شيء يمكن أن يمنع التغيير الذي صنعوه.