منذ فترة ليست بقصيرة نلاحظ هجر الكثير من القراء لقراءة وتذوق الشعر بنوعيه الفصحى والعامية، ودواوين مثل ديوان «صف واحد موازى للوجع» للشاعر ممدوح زيكا، يمنحنا الأمل فى استعادة هؤلاء القراء، فقد خاطب زيكا فى ديوانه القراء بمختلف اتجاهاتهم الشعرية، وجمعهم ليتفقوا على أن الديوان يمتلك قدرة لافتة على مخاطبة الروح، حيث الحديث عن الغربة والعاطفة الممزوجة بالشجن والحنين للوطن، وعن الديوان فى طبعته الثالثة كان لنا هذا الحوار مع الشاعر. ■ ماذا كنت تتوقع من نشر أول أعمالك بعد انتشارك على مواقع التواصل الاجتماعى؟ - لم أكن أتوقع شيئا لأن موضوع النشر الورقى لم يكن يهمنى اطلاقا وكنت مكتفيا بالمدونة من البداية وبشبكات التواصل الاجتماعى ولا اعتقد ان علاقتى بالشعر وقتها كانت تحتمل أى تورط اكثر من هذا، وقد نصحنى احد الاصدقاء بالنشر الورقى لمجرد الوصول لقارئ جديد تماما، وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك. ■ كيف تختلف علاقة الشعر بنصه حين يكون منشورا إلكترونيا أو فى كتاب مطبوع؟ - أظن لا يوجد أى اختلاف فى النص بذاته إنما قد يكون الاختلاف فى احساس المتلقي، لأن قارئ الانترنت دائما على عجلة من أمره، مستهلك سريع وملول، أما قارئ النسخة الورقية المطبوعة فلديه صبر أكتر على النص وعلى الديوان بشكل عام. ■ العنوان يحاول أن يفسر العالم ويصنفه وفقا لمعيار الألم، هل الألم هو العلاقة الرئيسية التى تربط بينك وبين الشعر؟ - العنوان، عنوان نص بنفس الاسم ولكن ليس موجودا بالديوان والعنوان يحاول فعلا يصنف الحواديت والناس على حسب درجة تعودهم أو قربهم من الوجع.. الألم هو المحفز الرئيسى لمعظم الفنون والآداب وليس الشعر فقط. ■ حاولت أن تتحدث عن الله بعيدا عن التركيبات الشعرية النمطية التى يتخذها شعراء «وسط البلد»، إلى أى مدى ترى أنك قد نجحت فى ذلك؟ - لم أحاول أن اتحدث عن الله لمجرد السير على النمط السائد ولا حتى لمحاولة الخروج عنه.. الله فى نصوص الديوان عامل مهم مؤثر على سياق الديوان ككل، هو أكثر من مجرد ذِكر.. لأنه السياق الأول فى الديوان أو الحدوتة الأولى فى الثلث الأول من الديوان، وهو المدخل فى الديوان لباقى الأسئلة التى من الممكن أن أكون طرحتها على نفسى وأنا أكتب. ■ هل ينبغى على النص الاقتراب من صورة «الله» أم الابتعاد عنها كى يراه بصورة أوضح؟ - فى الشعر عموما لا أعتقد انه ينبغى له ان يكون له هدف ولا سبب.. الله كصورة مجازية للسيطرة أو للأبوة أو لأى كانت أو الله كعلاقة شخصية انسانية بحتة بين الانسان والخالق.. مثل أى استخدام للشِعر.. كلما بعدت عن المباشرة وقربت من الحقيقة كل ما كان أفضل. ■ الارتباط بالمكان وبأدق تفصيلاته من أهم ما يلفت الانتباه داخل النصوص، هل كان محاولة لبعث الحياة داخل المكان، أم كنت تعنى به إخفاء شعورك بالاغتراب؟ - هى كانت محاولة للتخلص من أى شعور يمكن ان احمله لأى مكان.. سواء بالاغتراب أو بالحنين أو بالفقد أو بأى شىء.. ■ «وسط البلد» التى تسكن قصائد الديوان، كيف حاولت أن تصفها؟ - لست من رواد «وسط البلد» كمجاز أدبى أو ثقافى.. أنا من الرواد السطحيين لوسط البلد، ولا أحب أن أتواجد فى مكان مزدحم لفترة كبيرة.. وسط البلد بالنسبة ل» ليست أكثر من كونها أسهل مكان ممكن يجتمع فيه اصحاب من أكتر من مكان بعيد عن بعض جدا.. وبالتالى وجودها فى الديوان.. لم يكن يحمل خصوصية ثقافية أو نوستالجية ما، هو فى الحقيقة مجرد رؤى بسيطة لا احاول ان أسطح منها فى اجابتى على السؤال.. لكن ايضا لا اريد ان اعطيها أكبر من حجمها.. وسط البلد مجاز مكانى مفهوم استخدمته فى قصايد معظمها كتب سنة 2010 و بداية 2011 وهذا قبلما أقرر ان استمر فى كتابة الشعر.تماما مثل كلمة الله فلا يمكن ان يعنى شيئاً واحداً فى كل النصوص مع كثرة استخدامه وأعتقد ان المجازين (الله \ وسط البلد) متعلقين أكتر بكل نص على حدة. ■ هل كانت مخاطرة بالنسبة لك أن تواجه شاعرا مثل أمل دنقل فى قصائد مثل «رسالة إلى نوح» و«أوضة 315»؟ - ليس فقط هذان النصان، التناص مع أمل دنقل موجود فى أكتر من مكان فى النص.. وأنا لا أخف ذلك إطلاقا.. أمل دنقل مصدر إلهام أول بالنسبة الى.. ليس محاولة لمواجهته طبعا.. بس هاقتبس الكلام اللى جاى ده من صديق لى «الشِعر مفهوش منافسة.. الشاعر مابينافسش غير نفسه وغير نصوصه القديمة وعقارب الساعة «مفيش شاعر بينافس \ بيواجه شاعر تانى وبالتالى مفيش أصلا داعى للمواجهة.. الاستفادة من التجارب السابقة فى الشِعر مهم.. لكن تحديدا فى هذين النصين، أعتقد إنه الأسلوب مفهوش أى مواجهة أو تشبث سوى بروح أمل دنقل مش أكتر.. «جايز بكرة الصبح / لما الخلق حاتسرح زى النحل / أول ما يشموا الدم يحسوا / إن النور ده / جريمة تانية للشروق / والفجر جانى / قتل الليل بمساعدة اتنين سكرانين» دعوة لصديق لكسر حدة الملل ومحاولة النجاة بقليل من الفوضوية.. ■ لماذا يجب أن ينتهى ليل الشعر رغم كل محاولاتنا؟ - أنا أعتقد إن الشِعر اصلا ابن ليل، ابن شك.. لو تأكدنا من حاجة فيه اذن فهناك شىء خاطئ. ■ هل تشعر بأن هناك حلقة مفقودة بين هذا الجيل من شعراء العامية وبين جيل التسعينيات أو الثمانينيات؟ - بالعكس، «دلّونا على الطريق وماسابوناش».. البعض منهم اصدقائى ومازالوا على عهدهم ووعدهم لنا بالمساعدة والمساندة الى الآن بيساعدونا فكل مرحلة سابقة مهمة بالنسبة للشاعر.. لا يمكن لشاعر ان يكون ناجحاً أو يخطط له دون ان يقرأ تجارب الاخرين ومن سبقوه ويستفيد منها وهذا ما يجعل مفرداته مميزة لأن هذا ما يجعله يعرف مكانه الحقيقى وماذا سيضيف للتجربة الشعرية.