لابد من التعامل معهم بأسلوب مختلف (1) - الحادث الثاني الذي يثير المخاوف خلال أسبوع واحد.. هو قيام 350 من «السلفيين» بمهاجمة إحدي السيدات في منزلها بقرية السادات بالمنوفية وحرقه وتهديدها بالقتل إذا عادت. - الحادث الأول «قطع الأذن» كان في الصعيد في قنا، والدلالة واضحة.. هي أن تنَّصب جماعة ما نفسها بدلا من الدولة، وتنفذ القانون الذي تريده في الشارع. - أيًا كانت الجريمة، سواء دعارة أو زني أو شبهات بذلك، فنحن أمام حالة تشبه، ما كان سائدًا في بداية السبعينيات، حين ظهرت الجماعة الإسلامية، وحلت محل الدولة والقانون. (2) - لا أريد الدخول في جدل تاريخي أو فقهي حول نشأة السلفية في أحضان الوهابية السعودية المتشددة، فنحن أمام واقع مصري يحتاج التعامل بأسلوب مختلف. - أولاً: لا أحد يعلم عدد السلفيين في مصر، ولكن المؤشرات تؤكد أنهم منتشرون بشكل كبير في مختلف المناطق الراقية والشعبية، وأعدادهم في تزايد مستمر. - ثانيًا: ليس السلفيون جميعًا من المتشددين، الذين يقطعون الأذن ويحرقون المنازل، فمنهم من يعتنق الوسطية وتعاليم الإسلام الصحيحة، ومنهم شخصيات محترمة ومرموقة. (3) - ثالثًا: أفرزت السلفية نجوما بارزة مثل محمد حسين يعقوب ومحمد حسان وغيرهما، وهم أكثر شهرة من نجوم الكرة وزعماء الأحزاب، وتنتشر شرائطهم بشكل كبير. - رابعًا: أخذ الظهور السياسي للسلفيين يتزايد في الفترة الأخيرة وبرز ذلك بوضوح في استفتاء التعديلات الدستورية التي أطلق عليها حسين يعقوب «غزوة الصندوق». - خامسًا: السلفيون ليسوا تنظيمًا سريًا ولا جماعة إرهابية، ولكنه مذهب فكري وديني ينتشر بين فئات حقيقية وموجودة في المجتمع المصري. (4) - السؤال هنا: هل تتحول السلفية إلي مذهب وسطي ومعتدل ينهل ممارساته من روح التسامح المصري الذي ينبذ العنف والتطرف، ويميل إلي التآلف والتعايش السلمي. - أم تتجه السلفية المصرية تجاه الجهادية، وتسير في طريق أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وتنادي بتكفير المجتمع، مثلما حدث في بداية السبعينيات؟ - لن تستطيع «القوة» إقصاء تيار أو جماعة أو مذهب.. مثلما فشلت سياسات الدولة العتيقة في السنوات الماضية في إقصاء الإخوان المسلمين، فكيف يكون التعامل مع السلفيين؟ (5) - الحوار الوطني الذي يبدأ أعماله الأربعاء المقبل يجب أن يكون مهتما ومهمومًا ومعنيا بهذه القضايا، لأنها الخطر الحقيقي الذي يهدد أمن ومستقبل الوطن. - لا يمكن فصل الدين عن وجدان المصريين ومشاعرهم، ولا يمكن أيضًا عزل الأفكار الدينية في غرف مغلقة حتي لا تختلط بالأفكار السياسية السائدة. - لكن أيضًا لا يمكن استثمار الدين في تحقيق أغراض ومطامع سياسية، مثلما فعل حسين يعقوب، أو تكفير الناس تبعًا لآرائهم السياسية. (6) - أي أفكار ومقترحات ورؤي، يجب أن تنطلق من أرض الواقع، وهي في مصر مليئة بحقول الألغام، التي أخطرها الصراع الديني السياسي أو السياسي الديني. - فكرة الأحزاب الدينية رغم مخاطرها الشديدة مازالت مرتبكة في العقول، البعض يؤيدها والبعض يحذر منها، وآن الأوان أن يتم حسم الخلاف بشكل قاطع. - آن الأوان أن يتمخض عن الحوار الوطني فكرة واحدة أو فكرتان فقط، بدلاً من التوهان في دوائر مفرغة والجري وراء سراب يليه سراب. (7) - لا تدفنوا رؤوسكم في الرمال وتهونوا من حوادث «قطع الأذن» وحرق المنازل.. فالحرائق الكبيرة تبدأ بمستصغر الشرر، وتجاربنا مريرة في هذا الشأن. - أخاف علي الحوار الوطني من الفشل، وأخاف عليه من الوقوع في مستنقع الجدل، وأخاف عليه من شهوة الكلام وغريزة التنظير وعادة الثرثرة والاستعراض. - يجب أن نشحذ كل أسلحة الحوار والوعي والفكر، بعيدًا عن أفكار التخوين والإقصاء، لقد كُسرت عصا الأمن ولم يبق سوي صوت العقل. [email protected]