يثور جدل كبير في الساحة السياسية حول: أيهما أولاً.. الانتخابات البرلمانية أم الانتخابات الرئاسية؟ وعلي الرغم من أنه تبين من اللحظة الأولي بعد تسلم المجلس العسكري لسلطة الحكم في الدولة.. أنه لا يمكن إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية.. إلا أنه مازال هناك من يعتقد أنه يمكن أن يطالب بالرئاسية قبل البرلمانية.. اعتقادي الخاص أن علينا أن نطلب من الجيش أمرًا آخر قابلاً للتنفيذ وأجدي في نفعه. المسألة واضحة جدًا من البداية.. ذلك أن منطق الأمور هو أنه إذا كان (المجلس العسكري) يدير البلاد باعتباره يشغل سلطة الرئيس.. وأنه كلف نفسه بأن يجري الانتخابات البرلمانية والرئاسية.. بعدها يترك (الأمانة) إلي سلطة مدنية منتخبة.. فإنه لا يمكن للمجلس العسكري أن ينفذ بعض المهمة بأن يبدأ بالانتخابات الرئاسية ثم يترك السلطة لرئيس يدير ما تبقي من المهمة.. خطوة مثل هذه كانت تعني أن المجلس لم يقم بمهمته كاملة. وقد قال سياسيون: إنه لا ينبغي أن يأتي رئيس دون أن يكون هناك برلمان.. وبرروا ذلك بأن هذا يجعل الرئيس بلا محاسبة.. وأن هذا سوف يخلق (طاغية) جديداً.. وقال آخرون: إنه لا يمكن أن يتم انتخاب الرئيس دون وجود مجلس للشعب، إذ أين سوف يقسم الرئيس يمين الولاء علي مهمته الوطنية؟ وظهر من يقول إنه: أجري دراسات تثبت أنه يمكن للرئيس أن يقسم أمام رئيس المحكمة الدستورية عوضاً عن مجلس الشعب. حين تم إعلان المقترحات الدستورية، واتضح فيها أن من بين شروط حصول أي مواطن علي صفة مرشح للانتخابات الرئاسية.. شرطين يتعلقان بمجلسي الشعب والشوري.. قطع هذا الشك باليقين.. وتأكد ذلك مرة أخري حين وافقت أغلبية المواطنين علي التعديلات الدستورية.. وأصبح لا مفر من أن تسبق الانتخابات البرلمانية انتخابات الرئاسة. ذلك أنه من حق المواطن أن يترشح لانتخابات الرئاسة إذا كان عضوًا في حزب له مقعد في مجلس الشعب، ومن حقه كذلك أن يترشح إذا حصل علي توقيع 30 عضوًا في المجلسين.. لكن المطالبين بأسبقية (الرئاسية) كانوا غالبًا من المستقلين غير المهتمين بالأحزاب وعضوية البرلمان.. وتصوروا أنهم يمكنهم الاكتفاء بتوقيعات ال30 ألفاً من عشر محافظات.. وهو أمر لو تمت إجابتهم إليه لأدي هذا إلي طعن في دستورية انتخابات الرئاسة. سياسيا أستغرب جدًا أن يبني مرشحون سياقهم علي أساس أنهم (أفراد).. في الهواء الطلق.. لا ظهير برلمانياً لهم.. أتفهم طبعًا حق (المستقل) في أن يحصل علي صلاحية الترشيح دون أن يكون حزبيا وفق المتاح دستوريا الآن.. لكن كيف يمكن قبول منطق أن الرئيس باعتباره رأس السلطة التنفيذية لا ينشغل بأن تكون لديه أغلبية تدعمه وتدعم برامجه في البرلمان.. خصوصًا إذا كان هو المسئول عن تكليف الحكومة.. كيف له أن ينفذ برنامجًا سوف يتعهد به أمام الناس إذا لم يبن ذلك علي أساس أغلبية مساندة برلمانيا؟ هذه مسألة متكاملة.. وإذا لم يبد أن المرشحين المفترضين معنيون بها، فإن عليهم أن يعيدوا النظر في تصوراتهم مجددًا.. ويتسق مع هذا أن نطالبهم وقد تقرر أن تكون الأسبقية للانتخابات البرلمانية بألا يتفرجوا علي المشهد الانتخابي البرلماني من بعيد وكأنه لا يعنيهم حتي لو كانوا مستقلين. لابد لأي مرشح، مفترض فيه أنه سيكون رئيسًا، أن يتداخل مع مجريات الانتخابات البرلمانية.. وأن يكون له نائبان مؤيدان يدعمهما ويدعمانه.. إذ هل يعتقد كل من المرشحين أن الأصوات سوف تأتيهم تتري من كل حدب وصوب.. دون أن تكون هناك قيادات سياسية علي المستوي المحلي تكون داعمة لهم وحاشدة من أجلهم؟ أملي ألا يكون مرشحو الانتخابات الرئاسية بهذه السذاجة المفرطة. إن هذا يعني ببساطة أن المرشح المستقل لن يكون له وجود عملي، حتي لو خاض الانتخابات بهذه الصفة، المجريات والتفاعلات التالية سوف تجعل له كتلة نيابية ضرورية وحتمية.. كي يستطيع أن يعمل، من الأصل رئيساً.. فإذا تمكن أي رئيس خاض الانتخابات بصفة مستقل من هذا فإن الأوفر والأليق والأصلح هو أن يكون حزبيا.. مع كامل التقدير للإتاحة الدستورية التي منحت للمستقلين حق الترشيح المشروط. أما وأن الانتخابات البرلمانية سوف تسبق الرئاسية، فإن ما نريده من المجلس العسكري الأعلي أن يتيح وقتًا أطول قبلها.. ولو وصل الأمر إلي نهاية العام الجاري.. تسعة أشهر من التفاعلات والاندماج مع الشارع قد تكفي عمليا لإعادة بناء الأطر التنظيمية والسياسية أو ابتداعها للمستجدين علي الساحة.. مقارنة بما هو متوقع.. أي أن تكون المدة المتاحة هي ستة أشهر فقط.. بافتراض أن الانتخابات البرلمانية سوف تكون في سبتمبر. الفعل الثوري في 25 يناير أدي إلي تفوير شبه كامل لمجموعة شبكات العلاقات والتوازنات.. ولابد أن القوي التي أفرزها الفعل الثوري تحتاج وقتًا كي تتواصل مع الناس.. عملياً وليس من خلال وسائل الإعلام.. خصوصًا إذا كانت تنتوي ألا تحصر نفسها في بعض أحياء القاهرة.. ثم إن هناك أيديولوجيات جديدة لم تطرح نفسها.. بل لم تتبلور.. ولم تختبر علي الأقل في النقاش العام. أقول هذا وأنا أدرك أن طبيعة الانتخابات البرلمانية المصرية تقوم بالأساس علي الارتباط الشخصي بين المرشح الفرد والناخب.. ولكن حتي مع وجود هذه الحقيقة.. فإن العملية البنائية التي يقوم بها المجلس العسكري الأعلي هي (عملية تأسيسية).. وليست مجرد خطوات تتم دون هدف.. ولابد أن المجلس يريد أن يبني قواعد لديمقراطية متكاملة لن تتجسد دون وضوح شكل ناضج للأحزاب.. التي هي عماد الديمقراطية.. التاريخ سوف يكتب هذا في سجلات الدور الوطني للجيش. فضلاًً عن أن هناك شكاوي عديدة جديرة بالاستماع لها تقول إنه إذا جرت الانتخابات قريباً ، فإن الذي سوف يفوز بها هم أولئك الذين يملكون أرضية تنظيمية في الشارع منذ عقود.. أي الكيانات ذات الطابع الديني.. مع الوضع في الاعتبار أن بقايا الحزب الوطني صارت مشتتة ومتفرقة.. وكل منها يتحرك وفق سياقه الخاص.. أضف إلي ذلك أن الاتجاهات الليبرالية الجديدة لا يمكنها أن تحقق تواصلاً مع الجمهور ولا أقول مكانه في هذه الفسحة الزمنية الضيقة. أضف إلي ذلك، أن إتاحة مزيد من الوقت أمام الفترة السابقة علي الانتخابات البرلمانية سوف تحقق فائدة أهم.. وهي أن يتاح لنا وقت أكبر كي نكتشف عددًا أوفر وأنضج من المرشحين لانتخابات الرئاسة.. الذي قد يكون عضو في مجلسي الشعب والشوري واحدًا منهم ..أو حتي تتاح الفرصة للتكتلات البرلمانية خلال مرحلة الإعداد للانتخابات أن تحتشد خلف مرشح ما.. أو يظهر مرشح من نوع مختلف كان يعتقد أنه ليس عليه أن يترشح .. ثم تثبت له المجريات أن عليه أن يتقدم الصفوف لاحتياج البلد إليه. هذه مسألة لا تتعلق فقط بالوقت وجداول زمنية صارمة.. وإنما بعملية سياسية معقدة ولها أبعاد مختلفة. [email protected] www.abkamal.net