كتبت- مروة عمارة ميدان التحرير.. أكبر ميادين القاهرة عاصمة مصر، سمى فى بداية إنشائه باسم «ميدان الإسماعيلية»، نسبة للخديو إسماعيل، ثم تغير الاسم إلى «ميدان التحرير»؛ نسبة إلى التحرر من الاستعمار فى ثورة 1919، ثم ترسخ الاسم رسميًا فى ثورة 23 يوليو عام 1952. يحاكى الميدان فى تصميمه ميدان «شارل ديجول» الذى يحوى قوس النصر فى العاصمة الفرنسية باريس، فقد كان الخديو إسماعيل مغرما بالعاصمة باريس، بل أراد تخطيط القاهرة على غرارها، وإنشاء ميدان يشبه ميدان الشانزليزيه، وبالفعل كانت القاهرة الخديوية التى تتلاقى شوارعها فى ميدان واسع كان اسمه «ميدان الإسماعيلية» نسبة إلى اسمه، الذى أصبح اسمه بعد ذلك «ميدان التحرير». رمز ميدان التحرير إلى حرية الشعب المصرى وصموده حين شهد عدة مواجهات بين المحتجين والقوات الأمنية منها، بدأت أحداث ثورة 1919 ومظاهرات 1935ضد الاحتلال الإنجليزى وثورة الخبز فى 18 و19 من يناير عام 1977، ومنها أيضا ثورة 25 يناير عام 2011، وانتهت تلك الثورة إلى إسقاط النظام الحاكم للرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، ثم الثورة على نظام الإخوان وثورة 30 يونيو. ميدان التحرير، ذلك الميدان الذى ارتبط فى أذهان المصريين بأنه ذلك الميدان الذى يقع فيه المبنى العتيق لمجمع المصالح «مجمع التحرير» لإنهاء الخدمات الحكومية، ليصبح رمزًا للروتين والازدحام المرورى اليومي، فلم يدرك المصريون أن هذا الميدان سيصبح رمزًا للثورة وقبلة للثوار للوقوف ضد أنظمة حكمت مصر، كان أولها نظام «مبارك»، وثانيها نظام مرسى والإخوان، ليحتشد ملايين المصريين فى ميدان التحرير فى يوم 28 يناير 2011، يطالبون بتنحى الرئيس السابق محمد حسنى مبارك من رئاسة الجمهورية متخذين من الميدان مقرا لثورتهم، إلى أن أعلن نائب الرئيس فى بيان رسمى تخلى الرئيس عن منصبه فى مساء الجمعة 11 فبراير 2011، إذ تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد مؤقتا لمدة ستة أشهر. كذلك، فإن المعتصمين قاموا بعد تنحى مبارك بتنظيفه ثم اعتصموا فيه حتى إسقاط حكومة أحمد شفيق 3 مارس2011. ليشهد ميلاد أعظم ثورة شهدها الشعب المصري، وكان «شاهد عيان» على دماء شهداء ماتوا دفاعًا عن ثورتهم، رافعين شعارات الثورة «عيش.. حرية.. وعدالة اجتماعية»، ولم تنته علاقة الثوار بالميدان بسقوط نظام مبارك، بل ظل قبلتهم خلال فترة حكم المجلس العسكرى، ليشهد شارع «محمد محمود» و»مجلس الوزراء» وغيرها مظاهرات انتهت بتحديد موعد للانتخابات الرئاسية، وترك المجلس العسكرى لحكم البلاد. شهد «الميدان» الاحتفال بأول رئيس مدنى منتخب، هو دكتور»محمد مرسي» قبل أن يخرج عليه الشعب ويثور ضده ويطالب الجيش بعزله، وتدور الدوائر ليشهد الميدان مظاهرات حاشدة دعت لها حركة «تمرد» لعزل نظام الإخوان، لتبدأ الاحتفالات فى 30 يونيو بعزل نظام الإخوان، رافعين شعار «الجيش والشعب إيد واحدة»، ويشارك الجيش الشعب ثورته فى 30 يونيو. كذلك شهد مظاهرات للمطالبة بالقصاص من نظام المعزول ورجال المرشد، وكما رفعت لافتات القصاص من نظام مبارك والمجلس العسكري، تم رفع لافتات محاكمة مرسى ورجاله على قتل الثوار فى واقعة الاتحادية. إذن فميدان الثورة، كان شاهدا على الشىء ونقيضه، فمثلما اتحد فيه الثوار والإخوان ضد نظام الرئيس الأسبق مبارك، فإنه كان شاهدا على مظاهرات الشعب بأكمله ضد الإخوان، وكما رفعت فيه شعارات «الجيش والشعب إيد واحدة»، استقبل أيضًا هتاف «يسقط حكم العسكر»، ومثلما ثار الجميع فيه ضد داخلية «العادلي»، رفع فيه أيضا شعار «الشرطة والجيش والشعب إيد واحدة»، ولكن.. اتفق الجميع على شعار الثورة طوال أعوام ثلاثة «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية». صحب المظاهرات والثورات فى الميدان ظواهر عديدة، منها أول حالة زواج بين اثنين من المتظاهرين، وصور تذكارية لملايين الشعب المصرى بالأعلام المصرية، فى يوم لم تعرفه مصر من قبل إلا فى حالة فوز منتخب مصر لكرة القدم ببطولات إفريقيا، لكن كانت الدبابات والعساكر والخيام الخلفية الثابتة فى صور المتظاهرين، بل إن أركان الميدان صارت جزءا من ذاكرة وذكريات المصريين باحتفالاتهم وعروض الفرق الغنائية شاركتهم فيها أعمدة الإنارة بالميدان، التى ظلت تبث على مدار أيام التظاهر والاعتصام عبر مكبرات الصوت أغانى وطنية من خلال أجهزة ال»دى جي»، منها أغنيات «صورة.. صورة.. كلنا كدا عايزين صورة» لعبد الحليم حافظ، و»يا حبيبتى يا مصر» لشادية، و»مصر تتحدث عن نفسها» لأم كلثوم، وغيرها من الأغنيات الشهيرة التى أشعلت حماسة المتظاهرين، وتجاوبوا معها تصفيقًا وغناءً وهتافا. ولايزال الثوار ينظرون إلى الميدان على أنه «ميدان الثورة» وحاضنها الأول، ويحلمون بتحقيق الشعارات والأهداف التى رفعت على مداخله ومبانيه، ومن ثم فإن الإخوان يتطلعون إلى دخوله للاعتصام، ليرى العالم أنهم موجودون، بينما يرى الشعب أنه وجب أن يعود الميدان لسابق عهده وأن تفتح شوارعه، من أجل تحقيق الاستقرار والبعد عن المظاهرات وتشغيل عجلة الإنتاج، فيما يرى أصحاب العقارات أنهم عاشوا الجحيم على الأرض، ولا يتطلعون إلى مزيد من الثورات والدماء. ومثلما احتضن هذا الميدان وجوها من فئات شتى من المصريين مثلت نسيج هذا الوطن بدءا من المتظاهرين والثوار ورجال الشرطة وجنود القوات المسلحة، فإنه احتضن كذلك فئة كانت أحد اهم أسباب معاناته، هم الباعة الجائلون والمتربحون وأطفال الشوارع، وبعدما شهد وجود الثوار والخيام وأصحاب القنوات العالمية والمحلية، شهد حالة ركود لأصحاب شركات السياحة والمحال التجارية الموجودة بمنطقة وسط البلد، وعانى موظفو مجمع التحرير مرارًا من الاعتصامات وإطلاق الغاز والخرطوش، ومازال أهالى المنطقة يعانون من غلق شارع قصر العينى المؤدى والشوارع المؤدية لوزارة الداخلية، بل إن المعاناة تتضاعف الآن مع غلق أكبر محطات مترو الأنفاق «السادات». ولم تتوقف معاناة الميدان عند هذا الحد،إذ طالب البعض بتغيير اسمه إلى «ميدان الثورة» أو «الشهداء» أو «التغيير»، لأنه كان على مدار 18 يوما مسرح عمليات الثورة المصرية، التى أطاحت بالنظام الحاكم وغيرت وجه الحياة فى مصر. والآن.. يستعد ميدان التحرير لاستقبال المتظاهرين مرة أخرى فى ذكرى الثورة، وما بين مخاوف من استغلال الإخوان ورغبتهم فى التظاهر والاعتصام به، هناك بعض الفئات الثورية ك»6 إبريل و»الاشتراكيون الثوريون» مازالوا يرفعون شعارات الثورة، ويرون أن الثورة مستمرة ولم تحقق أهدافها، بينما تسعى جموع الشعب للاحتفال بذكرى ثورة يناير وتحقيق الدستور والطموح فى ترشح «السيسى «رئيسًا للبلاد.