لا أملك سيارة مرسيدس.. ولم أطمح لذلك.. عندي سيارة نيسان.. واستخدم سيارة تابعة ل«روزاليوسف» مخصصة لتنقلات رئيس التحرير من نوع (شيفروليه أوبترا).. أشترتها المؤسسة (ضمن مجموعة أخري) عن طريق الإعلانات وكان سعرها حينئذ تسعين ألف جنيه. المرسيدس لها مذاق خاص لدي المصريين.. خصوصا في الفترة من نهاية الثمانينيات إلي ما قبل 25 يناير الماضي.. وقد تحولت إلي دليل المكانة.. ونوع من (البرستيج).. وأعرف بشراً اشتروا سيارة مرسيدس قبل أن يفعلوا أي شيء آخر في حياتهم.. لأنهم يعتقدون أن هذا يكسبهم وضعية معينة ويفتح لهم أبوابا حين يراهم الناس داخلها.. علي الرغم من أن السوق عامرة بعشرات من الأنواع الأخري.. الأكثر فخامة.. ومنها البي إم دبليو.. والبورش.. والجاجوار.. والمازوريتي.. والماي باخ.. وطرازات الفولفو والأودي الفخيمة.. وقد كان حبيب العادلي وزير الداخلية السابق عاشقا للبي إم دبليو.. ويبدل بين أسطول من طرازاتها العصرية. اللافت منذ اندلعت المظاهرات في نهاية يناير.. أن المرسيدس صارت شحيحة في الشوارع.. تقريبا اختفت.. خصوصا الأنواع الفخيمة.. والضخمة.. باستثناء الموديلات القديمة.. وطرازات ال180 وال200.. لن تجد في الطرقات الآن موديلات 2010 والأوتو ديناميك وال500.. بل إنني أعرف شخصيات عامة ركنت المرسيدس كثيراً من الوقت.. وبدأت في استخدام السيارات الصغيرة والمتوسطة في تنقلاتها. هناك خشية الآن من التعبير عن الثراء.. أعرف رجل أعمال وضع المرسيدس في الجراج.. وبدأ في التنقل بسيارة تويوتا.. ورئيس مجلس إدارة إحدي المؤسسات وضع مرسيدسه بدوره جانبا.. وركب سيارة شيفروليه من صنع شركة منصور.. والمعني أن المناخ العام في مصر الآن لا يرحب بهذه المظاهر.. وقد يصادف أحدهم شخصا في الطريق يبدأ في التصرف مع راكب السيارة بناء علي نوعها. الدستور يعطي الناس الحق في التملك.. تملك أي شيء.. لكن نص الدستور وحده لم يعد يكفي.. مظاهر الثروة يجب أن تحميها مشاعر مرحبة من الآخرين.. واختفاء المرسيدس من الطرقات يعني ببساطة أن الكثير من ملاكها أصبحوا يدركون أنه لا يوجد إحساس عام بالعدالة.. وأن المشاعر الطبقية لا ترتضي أن يكون لدي هذا مرسيدس.. أو ما يشبه ذلك.. باعتبار المرسيدس هي أيقونة الثراء. هذا الاختفاء هو نوع من تهدئة الخواطر الاجتماعية الذي سيكون بأي حال من الأحوال مؤقتا.. وسوف ينتهي بعد حين.. وتعود السيارات الفخيمة إلي الشوارع.. وتخرج من مكامنها في جراجات البيوت.. ولكن هل هذا يعني أن كل مظاهر المغالاة في التعبير عن الثراء سوف تنتهي.. هل سوف تختفي حفلات مارينا الحمقاء.. وهل لن تعود الزفافات الأسطورية التي تنفق عليها الملايين.. وتروي عنها حكايات ألف ليلة وليلة.. ومنها ذلك الحفل الذي أقيم في أحد بيوت عائلة وزير سابق.. حيث خصص طاقم مهول من العمال فقط لإضاءة ألوف من الشموع في الحديقة الغناء.. وإبقائها كذلك إلي أن انتهي الحفل مع إشراق اليوم التالي. الثروة ليست عيبا.. من حق الناس أن يكونوا أثرياء.. وأن يصبحوا مليارديرات.. الدين يقبل.. والدستور يقر.. والقانون ينظم.. لكن الثروة تحتاج أن يحميها مناخ من الود والقبول.. وهو لا يكون إلا من خلال تساوي الفرص.. والعدالة الاجتماعية.. والشفافية.. وتطبيق معايير القانون علي الجميع.. وأهم معايير القانون هي تسديد الضرائب.. وألا يكون مصدر الثراء حراماً.. وبعدها يكون لكل مجتهد نصيب.. ومرسيدس.. وقصر.. وحفلات.. وشاليهات.. وأراض.. وغير ذلك مما ينعم به الله علي عباده. أتفهم لماذا أخفي الأثرياء مرسيدساتهم.. ولكن عليهم قبل أن يعيدوها إلي الشوارع أن ينتبهوا إلي ما لابد أن يفعلوه. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]