لا أعتقد أن قواتنا المسلحة عاشت مثل هذه الأوضاع التي تتعرض لها الآن، فهي تعيش حالة استنفار علي أربع جبهات في وقت واحد، ثلاث منها خارجية، والرابعة داخلية، وربما هي المرة الوحيدة التي تحارب فيها قواتنا المسلحة حروبنا، دون أن يكون الشعب شريكاً أو مساندا في هذه الحروب. علي حدودنا الغربية، حالة من عدم الاستقرار بسبب الفراغ الأمني والسياسي في شرق ليبيا، حيث تحللت السلطة الحاكمة هناك، وانسحب حرس الحدود الليبي، وسيطر المحتجون علي القواعد العسكرية والمطارات، ومن بينهم عناصر تابعة للجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا. وقد نشأ عن هذا الوضع غير المستقر عمليات نزوح جماعية للمصريين العاملين هناك وليبيين وعرب وأجانب من الجنسيات كافة، وبالتالي أصبح مطلوباً من القوات المسلحة تأمين الحدود الغربية بطول ليبيا، ومنع أي عمليات تسلل محتملة، ومواجهة التجارة غير الشرعية عبر الحدود، وعمليات تهريب المخدرات، إضافة إلي استقبال الفارين من ليبيا، وعلاج من يحتاج إلي علاج، وإيواء من يحتاج إلي إيواء، ونقل المصريين إلي مدنهم وقراهم، ونقل غير المصريين إلي مطاري القاهرة والإسكندرية لتسفيرهم إلي بلادهم. الجبهة الثانية الساخنة أيضا هي الحدود الشرقية مع غزة، حيث إمارة حماس الإسلامية، ثم الحدود مع إسرائيل، في ظل أن سيناء تعاني من حالة انفلات أمني وتعرضت مراكز الشرطة ودورياتها فيها إلي هجمات بالأسلحة الثقيلة، لم يعرف بعد من كان خلفها، ما يعني أن القوات المسلحة المطلوب منها تأمين الجبهة الشرقية وهي تعمل في ظل أجواء عدائية، علاوة علي أهمية السيطرة علي الحدود، والتصدي لعمليات التهريب، وأي محاولة قد تكون متوقعة لهروب عناصر فلسطينية متشددة إلي الأراضي المصرية لاستغلال حالة الفراغ الأمني، والقيام بعمليات من شأنها تكدير السلم الأهلي. وعلي الحدود الجنوبية لا تبدو الأوضاع مستقرة، فرغم أن جنوب السودان في طريقه إلي انفصال رسمي في شهر يونيو المقبل، فإن دعوات الانفصال، لا تزال تسيطر علي أرجاء متفرقة من شمال وغرب وشرق السودان، ما يجعل الأوضاع علي الحدود الجنوبية غير مستقرة، سواء داخل السودان، أو عبر عمليات التهريب عبر الحدود، وقد رأينا في أكثر من قضية تم الكشف عنها خلال السنوات الماضية، كيف تم إحباط محاولات لتهريب أسلحة من السودان إلي مصر، سواء عبر جماعات إسلامية مسلحة للعمل بها داخل مصر في تسعينيات القرن الماضي، أو لتهريبها إلي سيناءوغزة خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وعلاوة علي كل ذلك تعيش مصر حالة داخلية غير مسبوقة، فالأجهزة الأمنية لا تزال تتحسس خطواتها للعودة إلي الشارع، وقد تعرضت في الفترة من 28 يناير إلي 31 يناير إلي هجمات منظمة استهدفت أقسام الشرطة ومديريات الأمن والسجون في مختلف المحافظات، مما أدي إلي تدمير الكثير من البنية التحتية للشرطة، وسرقة آلاف المسدسات والأسلحة الألية التي ذهبت إلي أيدي مواطنين وربما جماعات. وفي ظل هذا الوضع مطلوب من القوات المسلحة ليس فقط أن تأخذ بيد الشرطة وتعيدها إلي الشارع، وإنما التصدي للبلطجة وعمليات السرقة ومهاجمة المواطنين في الشوارع، والاستيلاء علي أراضي الدولة، والمباني العامة والخاصة، وإعادة الأمن المفقود حتي الآن في أنحاء مصر كافة. وأتصور أنه في هذا الوضع الاستثنائي الذي تعيشه مصر مطلوب منا جميعا أن نقف خلف قواتنا المسلحة التي نهضت بمهام المرحلة الانتقالية بكل شرف وأمانة، وليس العمل علي تشتيتها في معارك جديدة وسقف مطالب سياسية، أو فئوية يتصاعد من يوم لآخر. قواتنا المسلحة تحتاج منا جميعا الدعم، وليس الحساب بالقطعة، خاصة أنها أنجزت منذ 11 فبراير وخلال 16 يوما ما لم يتحقق في مصر علي مدار تاريخها الحديث والقديم.