عن استقبال الروائي صنع الله إبراهيم لخبر اندلاع الثورة، ورأيه في الشباب الذين فجروها، ورؤيته لمستقبلها، دار الحوار المفتوح الذي جري بين صنع الله وبين حضور مكتبة "أ" مساء الجمعة الماضية وأدارها الكاتب عماد العادلي قال صنع الله: عرفت من ابنتي أن علي الفيس دعوة لمظاهرة، الحقيقة كنت أستخف بشباب الفيس بوك، وأعتبرهم "فاضيين" ومنشغلين بموضوعات سطحية، لكن المفاجأة كانت في استجابة الشعب لهم وامتلاء الميدان بالمتظاهرين، إذن المبادرة كانت من جانب الشباب أما تصرفاتهم فكان فيها نوع غريب من الوعي والاتسام بالقيم الأخلاقية، وحينما زرت الميدان وجدت زحاما شديدا وفتيات كثيرات دون أن يمسسهن أحد، ومع تطورات الحشد الهائل علي مدار الأيام بدأ مفهومي عن هؤلاء الشباب يتغير، خاصة أنه كان من المتوقع من مثل هذا الحشد أن تظهر أنواع من الاعتداءات أو أنواع من التوتر الديني الذي كان قد بدأ يظهر حتي وإن كان من ابتداع وزارة الداخلية لنقل الانتباه من شيء لآخر كصرف الانتباه عن الانتخابات. وعن "واقعة الجمل" قال: كانت مفزعة وأظهرت التضاد فيما بين العقلية الإلكترونية والعقلية التي استخدمت الجمل، كنت قلقًا من العنف الذي واجه المتظاهرين إنما لحسن الحظ أنهم صمدوا"، وأكد صنع الله علي أن تنحي مبارك هو البداية، فالثورة لم يكن هدفها فقط تنحي مبارك وإنما إزالة النظام كله المليء بالفساد وكتم الأنفاس، وقال: يجب أن ننتبه إلي أن الثورة لم تكتمل بعد ولم تحقق أهدافها ولابد من التخلص بشكل أو بآخر من النظام كله، والضامن الرئيسي لفرصة النجاح هو وجود حكومة مختلفة وجديدة وإتاحة حرية التعبير وحرية تكوين وعمل الأحزاب". صاحب رواية "اللجنة" أكد علي أهمية إلغاء الرقابة علي حرية التعبير والكتابة وقال: يمكن أن نقتدي بفرنسا التي يوجد بها رقابة غير رسمية وكذلك أمريكا وكل دول العالم، إنما المنع والمصادرة مرفوضة، فطوال الوقت وأنا أكتب أشعر وكأن هناك من يجلس علي يميني وهو ما يقيدني". ورأي صنع الله أن هناك مستجدات خلقتها الثورة كحالة الوعي التي ظهرت واختفاء نغمة الدين بعد حادثة الكنيسة، حيث جاءت الثورة لتؤكد ذلك كما أظهرت أنه ليس في أعماقنا التمييز الديني، وأن ما حدث كان نوعا من الإحساس بالضيق من القهر. وعبر صنع الله عن تفاؤله قائلا: قبل 25 يناير كنت متشائمًا جدا ومكتئبًا، إنما الأحداث الحالية والتي بدأت بتونس ثم مصر والآن ليبيا واليمن أصبح لدي الأمل أنه ستبقي هناك القدرة علي التغيير والأمل، وحرية التعبير التي تعد في تزايد، وكذلك حرية تكوين الأحزاب ستصبح معهما عملية اللجوء للإخوان غير ذات معني، قائلا: لقد كنا نفتقر للعدالة والحرية والمأكل وبعضنا لجأ لمقولات تراثية قديمة مرتبطة بعصرها فقط ولجأ لشعارات غامضة مثل "الإسلام هو الحل" وغيرها. وأكد صنع الله أهمية أن نظل واعين ومدركين لما حولنا من أحداث حتي لا تنطبق علينا مقولة "أنصاف الثورات هي مقبرة الشعوب". أما عن روايته "الجليد" الصادرة حديثا فقال: "أحب أن أوضح شيئا خاصا وهو أنه في عام 1969 اشتغلت في ألمانيا في وكالة أنباء لمدة 3 سنوات، قبل أن أذهب كنت أتصور نفسي كاتبا وكان لدي عمل واحد، وكان لا بد أن أتكسب من مهنة أخري، ذهبت لألمانيا وكنت في حالة من الارتباك الشديد لأنني أريد أن اكتب وفي نفس الوقت أقضي معظم اليوم في العمل، فلم تكن لدي فرصة سوي يوم الأحد، وكانت هذه إحدي مشاكل جوجان فكان يتساءل هل سأكون رساما يوم الأحد، الحقيقة لم اتحمل هذه الحياة فوجدت الحل في العمل نصف يوم..ثم كان لدي حلم قديم بدراسة السينما وحصلت علي منحة لدراستها بموسكو وبالفعل ذهبت لموسكو وتكررت نفس الصراعات..هل سأكون سينمائيا أم كاتبًا أم ماذا؟..وفي ضوء هذه الأحداث كنت أسجل بعض الملاحظات اليومية، وفي الفترة الأخيرة قبل ثورة 25 يناير بفترة كنت مكتئبا وبالبحث وجدت هذه الملاحظات اليومية المكتوبة بالعبارات السريعة والمكثفة والتركيز علي رسم الشخصيات، ووجدتني تحمست جدا للكتابة وكتبت "الجليد". ورغم أن صنع الله من أهم الكتاب الذين يستخدمون أسلوب التوثيق في الرواية العربية، إلا أنه قال: الحقيقة أنا مللت التوثيق كما أن الصحف موجودة وتنوب عني..التوثيق بدأ معي في أول رواية "تلك الرائحة" التي تدور عن أحد زملائي الذي قتل في السجن من خلال شعر كتبه بالإنجليزية لزوجته، من هنا بدأ هذا الشكل من التوثيق أو التضمين واستمر الأمر معي فيما بعد... وأكد أن شكل العلاقة بين المثقف والسلطة لن تتغير، وقال: ما نتمناه أن تخف وطأة الفساد الذي رأيناه جميعا وأن تكون العلاقة بين الجانبين في أضيق الحدود وتحت رقابة. توجه الكاتب عماد العادلي، مدير اللقاء إلي السيدة زوجة صنع الله إبراهيم، وسألها عما يروج عن حياة المبدعين المزعجة والفوضوية فقالت: هذا حقيقي تماما ... قبل الثورة كان لا يشاهد القنوات المصرية نهائيا لكنه يعشق الأفلام السينمائية.. فترة القيلولة مهمة جدا عنده والمزعج فيها أنه لو أي حد أقلقه يصحي عصبي جدا.. فرفعنا جرس الباب والتليفون مغلق طالما هو نائم.. وهو شبيه بنجيب محفوظ من حيث انزعاجه من العلاقات الأسرية فيما عدا المناسبات كالعيد الكبير والصغير وبالمناسبة حينما كنا شبابًا كنا أسبوعيا نسافر خارج القاهرة.. ونذهب للسينما. وتحدثت السيدة عن أهم عيوب ومميزات صنع الله إبراهيم قائلة: أهم العيوب من 10 سنين كانت العصبية الشديدة المصحوبة بغضب لكنه كان يهدأ بعدها بشوية..حتي إن ابنتنا كتبت علي غرفته "حجرة الغضب" .. ومن الممكن أن تثير أعصابه أشياء خارجية كالزحام والحر وغيرهما، وكان رد فعلنا الصمت التام حتي تزول عصبيته.. أيضا أثناء العمل لا أحد يدخل عليه أو يسأله سؤالاً، كما لو كان محبوسا داخل غرفته ويعمل، ورغم ذلك هو عاشق للأطفال بشكل فظيع ويلتف حوله الأطفال أينما وجد رغم أنه لا يحتمل البقاء معهم كثيرا..أما مميزاته فهي التزامه الشديد بالعمل والإيمان به والمثابرة عليه.