انتشرت المصطلحات السياسية علي لسان رجل الشارع المصري، وهو مظهر سياسي صحي يعود فيه الفضل إلي ثورة "25يناير"، التي استطاعت كسر حاجز منيع من الخوف، وأصبح هناك حاجة ملحة لفهم الكثير من المفاهيم السايسية ليتهيئ لمجتمع للممارسة السياسية الحقة والانتخاب، فما مدي احتياج الشعب للتوعية والتثقيف السياسي؟ ومن القادر أو المنوط به هذا الدور، وما هي أشكال هذه التوعية؟ إضافة إلي استيعاب مدي أهمية تكوين أحزاب في الوقت الحالي. في أسوان هناك نشاط توعية هادف تقوم به مجموعة من المثقفين إلي جانب مجموعة من شباب 25 يناير أيضا، يقول عنه الروائي أحمد أبو خنيجر: "يشاركني من المثقفين يوسف فاخوري الروائي، ونجلاء بسيوني المخرجة التلفزيونية، وأحمد عامر المخرج التليفزيوني، كذلك هناك أفراد من مجالات مختلفة مثل محيي حسن المحامي، ومصطفي حسن المحامي، ومن الشباب ماريو أنور الذي يعمل بمجال السياحة. وتابع: المشاركون بالثورة تساءلوا ما هو المطلوب منهم فيما بعد استكمالا لدورهم؟ فقامت أغلب القوي الموجودة من المستقلين والتجمع والإخوان وكفاية وكذلك الشبان بدأوا يقسمون أنفسهم للجان توعية علي كافة المستويات، إنما للاسف حدثت انقسامات عديدة، لذا قررنا تغيير الفكرة علي أن نعمل بعيدا عن فكرة الأحزاب وننزل كمجموعة ائتلاف "شباب 25 يناير" مع مجموعة المثقفين وكانت أولي ثمارها لقاء مفتوح ومناقشة بكنيسة الأقباط في أسوان حول ما حدث في ثورة "25 يناير" والوضع الحالي الذي نعيشه، ثم تعريف مفهوم الدستور وبنوده وأهميته، وكان الحوار مفتوحا أكثر حول سماع الناس لندرك ما هي افكارهم وماذا يريدون ثم نتناقش معهم ونبسط لهم المفاهيم المختلفة ونصححها. وآخر جلسة كانت بقصر ثقافة أسوان الثلاثاء الماضي والتي تختص بالقانون وعلاقته بالدستور والفارق بين دستور 23 و54 والتخوفات حول التعديل، أما اليوم الخميس نحاول ابتكار شكل جديد من التوعية وهي عمل لافتات وملصقات صغيرة أو أوتوجرافات حول نفس مفهوم الدستور والمواد التي سيتم تعديلها، ولكن بأسلوب طريف ومبسط أيضا، بحيث يستطيعون فهمه والتحمس لحضور الجلسات المختلفة، استغلالا لخروج الأسر والشباب إلي المتنزهات في نهاية الأسبوع. فأضاف: ايضا بالأمس الأربعاء عقدنا لقاء موسعا للتوعية أشرف عليه جمال فاضل الناشط السياسي وذلك في كوم امبو، أيضا في خطتنا التوجه الي الفئات المختلفة مثل عمال مصنع السكر بادفو ومصنع كوم أمبو والسائقين والعاملين بالمستشفيات وكذلك تجري اتصالات مع النقابات لدعم إقامة هذه اللقاءات ودعوة الفئات المختلفة للحضور، فلقد حدثت مشاكل حول رفع تعريفة الركوب من السائقين فقابلت أحد هؤلاء السائقين وكان سبب رفع التعريفة هو مواجهة الحياة، فحدثته عن حقوقه التي يجب أن يحصل عليها من نقابته وغيرها من حقوقه الغائبة عنه والتي لم يكن يعلم عنها شيئا، من هنا تعرفت إلي مجموعة أخري من السائقين الذين يتم إعداد لقاء توعية لهم، فنحن نحاول تقديم ما علينا تجاه مجتمعنا". تقول الناشرة سمية عامر ذات التاريخ السياسي فترة دراستها الجامعية بكلية آداب القاهرة: "الواقع يفرض نفسه لابد من أحزاب جديدة تطرح برامجها، فلقد كنا نعيش فراغا سياسيا واضحا..بالطبع الشعب يحتاج إلي توعية سياسية وتصحيح لمفاهيمه المغلوطة التي اكتسبها من الصحافة والإعلام الموجهين.. المفكرون والكتاب عليهم دور الآن مهما جدا في هذه الفترة لطرح المفاهيم الداعية للفكر الليبرالي، لأننا أمام قوي سياسية مختلفة والشعب حاليا مفتقد للقدرة السياسية، بعد فترة طويلة عاشها تحت سطوة قوة يمينية حاكمة هيمنت علي الفكر العام والرأي العام، أيضا "الإخوان المسلمين" الذين تواجدوا في شكل خدمات دينية وصحية ومالية ومساعدات اجتماعية دائمة والتي في الفترة الأخيرة أصبحت مشروطة بالحجاب والنقاب، أعتقد أننا في مناخ سياسي صحي الآن يجب الاستفادة منه واستثماره جيدا، فاليوم هناك مجموعات ظهرت علي "الفيس بوك" تطرح أفكارها وتناقش المفاهيم المختلفة للدرجة التي لفتت نظر "الإخوان المسلمين" وجعلهم يغيرون من خطابهم الآن، ويعلنون أنفسهم حزب "الحرية والعدالة" ويتحدثون عن مدنية الدولة، فالسؤال إلي متي سيتحدثون بهذه المفاهيم؟.. فعلي الشعب أن يتدرب علي الرأي والرأي الآخر والممارسة السياسية والتعبير عن أنفسهم ويدركون حقوقهم والواجبات التي عليهم القيام بها". في إضافة أيضا من الشاعر شعبان يوسف أحد أبرز الناشطين اليساريين بالحركات الطلابية في السبعينيات: "بالتأكيد نحتاج لأشكال عديدة من التوعية خاصة في مثل هذه المرحلة الساخنة، فعبر تجربتي في العمل العام لمدة ثلاثين عاما..المجتمع لم يمر من قبل بمثل هذه الأحداث، فالناس عموما في مثل هذه اللحظات تكون متيقظة ومتحمسة جدا لكنها تحتاج للتوجيه، ففي السبعينيات كنا نقوم بلجان الوعي الانتخابي قبل انتخابات مجلس الشعب، ليفهم الناس حقوقهم في الانتخابات والتعامل مع صناديق الاقتراع التي كنا نظنها مقدسة وكذلك الحقوق الدستورية المتاحة فعليا والمطلوب إتاحتها فيما بعد وأسلوب المطالبة بها. وتابع: في الوقت الحالي نري أن هناك ثورة مستمرة ومحاولات للالتفاف عليها، لذا لا بد من لجان شعبية مصغرة - نظرا لغياب مجالس الحي - وتشترك فيها كافة الأجيال ليعقدوا ندوات بكل الأحياء وخاصة المهمشة بمقار الأحزاب المختلفة وحتي مقار الحزب الوطني، ويكون بأسلوب الحوار المفتوح وليس علي طريقة الوصاية للوصول إلي آراء مشتركة. وأكمل: بالتأكيد كافة المنابر لابد أن تقوم علي هذا النوع من التوعية السياسية والكارثة الاقتصادية التي نحن بصددها الآن، وحتي الثقافة والمهام الملقاة علي عاتقهم، فهل نستبعد تراثنا الثوري ونلتفت لألوان الأدب الأخري؟!.. بالعكس من المهم جدا أن نستعرض أدبنا الثوري خاصة وأن الجميع الآن لديه القدرة علي التعلم والفهم ومتحمس للمشاركة السياسية. وعن تكوين الأحزاب قال: الأحزاب مهمة جدا الآن، فمن الواضح أن ثورة "25 يناير" أحدثت أحداثا متضاربة حاليا، فالجميع تعارف في الميدان.. فلابد من تكوين أحزاب تتواجد بشكل حقيقي، وأنا سعيد جدا بحزب "الوسط" لأن هذه هي القنوات الشرعية للتعبير وهي من أهم أشكال الاتصال الديمقراطي". ومن جانبه أكد المترجم وعضو حزب التجمع فخري لبيب علي أهمية الفكرة موضحا أشكالها وروافدها العديدة قائلا: "التوعية السياسية لها أهمية قصوي طوال الوقت، واليوم إن لم تترسخ شعارات الثورة فسنخسر الكثير، فالناس لديهم وعي عفوي لابد أن يتم تهذيبه، حتي يستطيع أن يطالب بحقوقه في أطر مشروعة، كما أن الوعي هو سلاحنا، فحين كنا نطالب بالديمقراطية وقت عبد الناصر سئلنا من زملاء لنا عن السبب رغم أن عبد الناصر يقوم بدوره، فأوضحنا أنه في وجود الديمقراطية سنحمي ما قدمه لنا ومكاسبنا، ففي غيابها حاليا فقدنا كل شيء، لذا فالتوعية ضرورية جدا جدا..وأتصور أن الأجيال الجديدة مع تقديري لها محكومة بالحماس أكثر منه منهجا، وهذا هو دور الصحافة المهم التي يجب أن يكون مكثفا الآن ويحكمها أيديولوجيات واضحة. أيضا الأحزاب عليها مهمة اساسية وفوق كل ذلك التعليم، فالطالب عليه أن يتعلم حقوق الإنسان وحرية التعبير ومفاهيم عديدة، فالوعي هو مهارة مكتسبة من خلال المعرفة والممارسة، المعرفة في السياسة والممارسة في الاقتصاد والذي يكون نقابيا، أما الجانب السياسي فيجب أن أعرف ما هو دستوري؟..ما مدي مواكبته للعصر والحالة العامة؟.. ما هي واجباتي وما هي حقوقي؟.. أيضا من المنتديات الثقافية وأدواتها المختلفة من خلال الورش والأدب وغيرهما، كذلك الأسرة عليها دور كبير وأساسي، فعن تجربة شخصية أنا اكتسبت وطنيتي من أبي الذي كان يحدثنا عن ثورة 1919، وتاريخنا الوطني والسياسي وهو ما أفعله حاليا مع أحفادي، فبدون الوعي لن يكون هناك تطور وسيكون للجماعات السلفية مكانا لتقدم الوعي الزائف الذي ارتد بنا، إذا افتقدت التوعية علي أساس منهجي علمي سندخل مرحلة فكر الارتداد والتواكل، وهو ما أزالته ثورة "25 يناير" من الشباب وكسرت حاجز الخوف".