اليوم.. إعلان القائمة المبدئية للمرشحين بالرموز الانتخابية    البورصة المصرية تختتم بارتفاع وربح 15 مليار جنيه    رئيس جامعة سوهاج يفتتح وحدة المعمل المركزي للتحليل الحراري    باكستان وأفغانستان تتفقان على وقف إطلاق النار ل48 ساعة    مسؤول سابق في الناتو: تنسيق مع الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا لمواجهة تقليل النفقات الدفاعية    مجاور: الجانب المصرى من معبر رفح البرى لم يُغلق مطلقًا    مستشار مركز السياسات الأوكراني يُطالب بتعزيز النفقات لصد الهجمات الجوية    تدريبات بدنية خاصة للاعبي الزمالك قبل مواجهة بطل الصومال    دي يونج مستمر مع برشلونة حتى 2029    أجندة سيتي حتى توقف نوفمبر.. 7 مباريات في 22 يوما ل مرموش قبل العودة لمنتخب مصر    هالة صدقى: العناية الإلهية أنقذت ابنتى    ضبط 850 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    وزيرالتعليم: 88% من طلاب أولى ثانوي اختاروا الالتحاق بنظام البكالوريا    «صالح» و«سليم» بالأوبرا و«نادية» بالإسكندرية    محافظ أسوان يشهد توقيع بروتوكول تعاون مع هيئة الكتاب    ميمي جمال تقتحم موسم رمضان 2026 بعملين جديدين    الرئيس عبد الفتاح السيسي يرعى الدورة 16 من مهرجان المسرح العربي 2026 في القاهرة    أول ظهور ل إيناس الدغيدي وعريسها بعد زفافهما متجهين لمهرجان الجونة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15-10-2025 في محافظة الأقصر    خالد الجندي: جنات عدن في القرآن رمز للخلود وتمام الأجر الإلهي    انطلاق فاعليات اليوم العالمي لغسيل الايدي بمدارس شمال سيناء    صحة المنوفية تواصل استعداداتها للاعتماد من هيئة الاعتماد والرقابة    شفاء المرضى أهم من الشهرة العالمية    وزير العمل يلتقي رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر لتعزيز التعاون بالملفات المشتركة    وزيرة التضامن: مصر قدمت نحو 600 ألف طن من المساعدات لقطاع غزة    شريف حلمي: الأكاديمية العربية شريك أساسي في إعداد كوادر مشروع الضبعة النووية    موعد مباراة الأهلي ضد إيجل نوار في دوري أبطال إفريقيا والقنوات الناقلة    تحت رعاية محافظ بني سويف: بلال حبش يُكرّم لاعبي ولاعبات بني سويف الدوليين ولاعبات السلة "صُمّ"    وزير الري يؤكد حرص مصر على دعم أواصر التعاون مع الصومال في مجال الموارد المائية وبناء القدرات    وزير المالية: تحسن أداء الاقتصاد المصرى خلال الربع الأول من 2025-2026    عملية أمنية شاملة لاستهداف المتعاونين مع الاحتلال في قطاع غزة    رسوم إنستاباي على التحويلات.. اعرف التفاصيل الكاملة    فليك يستعيد ثلاثة لاعبين استعدادًا لمواجهة جيرونا    متحدث الحكومة: تمويل 128 ألف مشروع بالمحافظات الحدودية ب4.9 مليار جنيه    وزير الثقافة: قافلة مسرح المواجهة والتجوال ستصل غزة حال توفر الظروف المناسبة    «القوس بيعشق السفر».. 5 أبراج تحب المغامرات    بعد تعيينه شيخاً للمقارئ أحمد نعينع: أحمد الله على ما استعملنى فيه    سلوك عدواني مرفوض.. «خطورة التنمر وآثاره» في ندوة توعوية ل«الأوقاف» بجامعة مطروح    «مدينة زويل» تفتتح موسمها الثقافي باستضافة وزير الأوقاف الخميس    حكم تشغيل القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت قبل الفجر والجمعة    الجامع الأزهر يقرر مد فترة التقديم لمسابقة بنك فيصل لذوى الهمم حتى 20 أكتوبر الجارى    السجن المؤبد والمشدد في جريمة قتل بطوخ.. جنايات بنها تُصدر أحكامها على 12 متهما    التعليم توجه المديريات بخطوات جديدة لسد العجز في المدارس للعام الدراسي الحالي    إيفاد: الحلول القائمة على الطبيعة تحسن رطوبة التربة وتزيد كفاءة أنظمة الري    وزير الصحة يبحث إنشاء مراكز تدريب للجراحة الروبوتية فى مصر    نائب رئيس الوزراء يشارك بالدورة ال72 للجنة الإقليمية لشرق المتوسط للصحة العالمية    أول تعليق من وزير الشئون النيابية على فوز مصر بعضوية مجلس حقوق الإنسان    السجن المشدد ل 7 متهمين بحيازة المواد المخدرة في المنيا    «النواب» يناقش غدًا اعتراض الرئيس على «الإجراءات الجنائية».. ومصادر: عرض استقالة 4 أعضاء    ب 20 مليون جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    عاجل- مجلس الوزراء يشيد باتفاق شرم الشيخ للسلام ويؤكد دعم مصر لمسار التسوية في الشرق الأوسط    أسرة سوزي الأردنية تساندها قبل بدء ثاني جلسات محاكمتها في بث فيديوهات خادشة    مصر تتعاون مع شركة إماراتية لتنفيذ دراسات مشروع الربط الكهربائي مع أوروبا    الكرملين: بوتين سيجري محادثات مع الرئيس السوري اليوم    الإفتاء: السير المخالف في الطرق العامة محرم شرعًا ويُحمّل صاحبه المسؤولية القانونية    رغم منع دخول أعلام فلسطين.. إيطاليا تهزم إسرائيل وتنهي فرصها في التأهل    رمضان السيد: ظهور أسامة نبيه في هذا التوقيت كان غير موفقًا    عمقها 30 مترًا.. وفاة 3 شباب انهارت عليهم حفرة خلال التنقيب عن الآثار بالفيوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الليث بن سعد (6)

مع مرور الأيام وتعاقب الأزمان يظل التاريخ يحمل لمصر فكرها وفقهها الوسطى الذى أنارت به الدنيا فكانت مهدا للوسطية من خلال فقهائها الذين حملوا صحيح الدين ونشروا وسطيته، حتى اصبحت مصر مهدا لتلك الوسطية، ورغم المحاولات التى تتم من قبل جماعات وتيارات لتشويه الفكر الدينى المصرى إلا أن جميعها تبوء بالفشل بفضل فقهاء الوسطية المصريين الذين جعلوا من بلدهم أبية على التشدد والتطرف.

يقول الإمام الراحل عبد الحليم محمود شيخ الأزهر أن الإمام الليث كان يتحرى الأحاديث الصحيحة من المصادر الصادقة سواء كانوا فى المدينة أم فى غيرها من المدن، وقد وضح هذا فى صراحة لا لبس فيها فى رسالته إلى مالك رضى الله عنه، وهو، إذا صح الحديث عنده، يأخذ به فالأحاديث التى رواها هى آراؤه فى الفقه، وقد اتجهنا إلى كتب الأحاديث خصوصاً الصحيحين: للبخارى ومسلم، لنتبين منها آراءه ولكننا لم نقتصر عليهما، فكل حديث صحيح روى عنه فى هذا الكتاب أو ذاك فهو رأيه ومن أجل ذلك جمعنا كل ما أمكننا جمعه من مختلف المصادر التى كتبت عنه فى الفقه، أو حدثت عنه، ونذكر تقدير المفكرين لليث ونخلص من ذلك إلى رأى المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق ورأى صاحب الحلية عن: «الليث صوفياً»، فتتحدث عنه ونبين تقديرنا للسنة الشريفة، ثم نذكر ما أمكننا جمعه من أحاديثه ليرى القارئ طابعها، ولأنها ذات فائدة جمة فى نفسها، ثم لأنها تعتبر تعبيراً عن رأى الإمام الليث فى كثير من المسائل: مقتدياًَ برسول الله صلى الله عليه وسلم.

كان تقدير العلماء والأمراء لليث عظيماً، ولقد قال الليث: قال لى أبو جعفر المنصور حيث أردت أن أودعه: قد رأيت ما سرنى من سداد عقلك فأبقى الله فى الرعية أمثالك، وفى مرة أخرى قال له:

يعجبنى ما رأيت من عقلك، وأن يبقى الله عز وجل فىالرعية مثلك، ويقول يعقوب بن داود - وزير المهدى: قال لى أمير المؤمنين لما قدم «الليث بن سعد» العراق:

«الزم هذا الشيخ فقد ثبت عند أمير المؤمنين أنه لم يبق أحد أعلم بما حمل منه» ويذكر كتاب البداية ما يلى:

عرض عليه المهدى أن يلى القضاء ويعطيه من بيت المال مائة ألف درهم، فقال: إنى عاهدت الله ألا ألى شيئاً: وأعيذ أمير المؤمنين بالله أن أخيس بعهدى، فقال له المهدى: الله، قال: الله، قال: انطلق فقد أعفيتك.

ويذكر كتاب الحلية ما كان بينه وبين هارون الرشيد، فيقول:

عن عبد الله بن صالح، سمعت الليث بن سعد يقول، لما قدمت على هارون الرشيد قال لى: يا لليث، ما صلاح بلدكم؟ قلت: يا أمير المؤمنين، صلاح بلدنا بإجراء النيل، وإصلاح أميرها، ومن رأس العين يأتى الكدر، فإذا صفا رأس العين صفت السواقى، فقال: صدقت يا أبا الحارث.

ومن التقديرات الجميلة ما يلي:

وقال ابن أبى مريم: ما رأيت أحدا منخلق الله أفضل من الليث وما كانت خصلة يتقرب بها إلى الله إلا كانت تلك الخصلة فى الليث.

وعن أحمد بن صالح، وذكر الليث بن سعد، فقال: إمام قد أوجب الله علينا حقه فقلت لأحمد: الليث إمام؟ فقال لي: نعم إمام لم يكن بالبلد بعد عمرو بن الحارث مثل الليث وهذا التقدير لليث إنما كان لأمور:

1- الخلق الكريم

2- علمه الغزير بالحديث

3- علمه المستفيض بالفقه

أما عن خلقه فيقول صاحب تاريخ بغداد عن أبى الوليد عبد الملك بن يحيى بن بكير قال: سمعت أبى يقول:

ما رأيت أحدا أكمل من الليث بن سعد كان فقيه النفس صحيح البدن عربى اللسان يحسن القرآن والنحو ويحفظ الشعر والحديث حسن المذاكرة وما زال يذكر خصالات جميلة ويعقد بيده حتى عقد عشرة لم أرى مثله وكثير من المؤرخين لليث يذكر عبارة كأنها متوارثة وهى:
وكان ثريا من الرجال نبيلا سخيا له ضيافة.. وقد سبق أن ذكرنا الكثير من خلقه الكريم ومن كرمه الفياض، ومن ذلك ما روى عن الشافعى رضى الله عنه من أنه وقف على قبره وقال:
لله درك يا إمام لقد حزت أربع خصال لم تكمل لعالم: العلم والعمل والزهد والكرم، ويذكر فضيلة الإمام الأكبر المرحوم الشيخ مصطفى عبدالرازق لمحات يوجه فيها الأنظار إلى جانب من جوانب الليث فى أحاديثه وفى فقهه لم يتحدث عنها السابقون أو على الأقل لم يجعلوها هدفا يوضوحونه فيما يتعلق بفقه الليث وحديثه.

ويقول الشيخ مصطفى بعد أن روى عدة أحاديث مما رواه الإمام الليث:

وهذا الذى نهض به الليث من توجيه الحزركة الفقهية إلى الناحية الخلقية الروحية كان من حقه أن يجعل الليث معدودا فى أئمة الصوفية الذين نهضوا بالتصوف نهضته الأولى ونهضة التصوف الأولى كانت أخلاقية ويقول المرحوم الشيخ مصطفى أيضا والمتتبع لما يرويه الليث من الأحاديث يجد فيها كثيرا مما يتعلق بحسن السلوك وكمال الخلق إلى جانب ما يتعلق بأحكام الحدود والمعاملات، والشيخ مصطفى -رحمه الله- يتناسق فى هذا الرأى مع صاحب حلية الأولياء الذى عد الليث من الصوفية وأرخ له فى كتابه إنه يقول:

ومنهم السرى السخى المللى الوفى لعلمه عقول ولماله بذول أبوالحارث الليث بن سعد كان يعلم الأحكام مليا ويبذل الأموال سخيا.

وقيل: إن التصوف السخاء والوفاء، إن صاحب الحلية يعده من الصوفية ويأخذ من حياته وسلوكه وعلمه تعريفا للتصوف كعادته فى كل من تحدث عنهم فى الحلية: إنه يلخص حياتهم فى كلمات هى طابعهم العام وهى تعريف من تعريفات التصوف وطابع الليث العام يتلخص فى كلمتين:

«السخاء والوفاء» وهذا الجانب هو طابعه فى السلوك، ويصوره فى دقة من ناحية خلقه ولا يمنع من أن تكون سمات الليث الفكرية البارزة الواضحة والتى كانت همه الشاغل وشغله المقيم المقعد إنما كانت الحديث والفقه.

بل يمكن أن نقول: إن سلوكه الأخلاقى الكريم «السخاء والوفاء» إنما كان أثرا لدراسةالحديث الشريف وسماته السلوكية إنما هى سمات أهل الحديث الذين أخلصوا لله وجوههم فى دراسته.

وسمات الليث وسمات أهل الحديث أوسع وأعم من السخاء والوفاء وقد سبق أن صورنا ما تدعو إليه السنة وصورنا بعض صفات المحدثين نوجزها فيما يلي:

إن السنة دعوة بالحسنى إلى الرقى الأخلاقى الذى تجرى وراءه الإنسانية المهذبة إنها دعوة إلى التاجر أن يكون صدوقا فيحشر مع النبيين والصديقين والشهداء وإلى العامل أن يتقن عمله لأن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه وإلى الصانع أن يؤدى العمل كما يجب حيث أخذ الأجرة ومن أخذ الأجر حاسبه الله على العمل وهى دعوة إلى الأب باعتباره أبا وإلى الأم فى وضعها كأم، وإلى الأخ فى مهمته كأخ، وإلى غيرهم من أفراد المجتمع:

أن يرعى كل منهم ما وكل إليه من أمر رعيته لأنه مسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته، وهى دعوة للناس إلى الأمانة حيث إنه لا إيمان لمن لاأمانة له، وإلى الصدق، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإلى الرحمة:

الرحمة العامة الشاملة، و صلوات الله وسلامه على من قال:

«إنما أنا رحمة مهداة»، ومن قال: «ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء».

وخذ أى خلق كريم تتمنى أن يسير عليه المجتمع: فستجد فى السنة دعوة إليه، بوسيلة أو بأخرى، وبثالثة، وهى فى هذه الدعوة تنبه دائما إلى دور الأمة الإسلامية فى الأخلاق العالمية: إن دورها إنما هو دور الرائدة الراعية وعلى الرائد دائما أن يكون المثل الأعلى، والأسوة الكريمة، والقدوة الصالحة، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصورة الحية الناطقة التى طبقت -كمبادئ إنسانية ممكنة- الخلق الذى رسمه الله وأحبه للإنسانية جمعاء، الذى عبرت عنه السنة النبوية أجمل تعبير وأبلغه، ومن أجل هذا التقدير الكريم للسنة الشريفة كان العلماء المستنيرون فى كل عصر يجاهدون من أجلها، ومن أجل مكارم الأخلاق التى تعبر عنها، وكان هؤلاء العلماء -علماء السنة- يعرفون بسيماهم: فقد كانو أزهد فى حطام الدنيا: بحيث لا ينازعون الناس فى دنياهم:

لقد كانوا مشغولين عن جمع المال بخدمة الدين، وكانوا مشغولين عن الجاه بغرس الخلق الصالح الكريم، وكانوا مشغولين عن السلطان بمن بيده السلطان، يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء: مالك الملك ذى الجلال والإكرام، وكانوا صادقين، لقد كان الصدق ديدنهم وفطرتهم.

وكانوا صابرين على الحياة، وصابرين على العمل: لقد أقاموا نهارهم، وأسهروا ليلهم عملا على مرضاة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

والمثل الذى نحب أن نسوقه -كصورة هؤلاء القوم- هو:

الإمام أحمد بن حنبل، رضى الله عنه، إنه المحدث الذى حاول أن يكون صورة صادقة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فى الزاوية الأخلاقية.

وسيرة الإمام، رضوان الله عليه: مثل أعلى فى التمسك بما يراه حقا، وفى الصبر على ما يناله فى سبيل التمسك بالحق، على أن كل من تشبع بالسنة حقاً: إنما هو صورة قريبة بقدر المستطاع من الإمام أحمد.

ولقد كان الإمام البخارى وغيره ممن أشربت نفوسهم حب السنة: أمثلة كريمة للخلق الكريم.

والأمثلة الكريمة للخلق الكريم هدف دائما لسهام النماذج الأثيمة التى استهواها الشيطان فى قليل أو فى كثير: إن النزاع الدائم بين الفضيلة وأصحابها، وبين الممثلين لنزعات الهوى والضلال، ولولا وجود هذه المثل العليا لمكارم الأخلاق فى كل عصر لفقدت الإنسانية الثقة بنفسها، ولما اطمأن إنسان لإنسان، ولما وثق شخص آخر.

لقد ربت السنة رجالاً، ومن خصائصها التى ربت بها الرجال موجودة فيها، لأنها من طبيعتها ومن ذاتها، ولقد شهدت الإنسانية واعترفت بسمو هؤلاء الرجال، وأولتهم ثقتها وتقديرها، إن الإمام أحمد بن حنبل، وإن الإمام البخارى، وإن أمير المؤمنين فى الحديث: الإمام سفيان الثورى، وأمثال هؤلاء رضى الله عنهم: منارات يهتدى بهم عشاق المثل العليا الأخلاقية.

لابد إذن من العمل على نشر السنة وإذاعتها، ومحاولة الإكثار من النفوس التى تتشربها وتحققها وتتمثلها وتحياها، لابد من نشرها وطنية، ولابد من نشرها إنسانية، لأنها تعبر عن أرقى مستوى إنسانى.

ولابد من نشرها دينا.

ولابد من نشرها ذوقا أدبيا.

ولابد من نشرها للثروة اللغوية، وما من شك فى أن للسنة جوا فكريا: فالرسول صلى الله عليه وسلم يتحدث عن إصلاح المجتمع وعن عوامل الهدم، التى تعمل على تقويضه، وعن عوامل البناء التى تعمل على إقامته على قواعد سليمة، ويتحدث عن النظم التى ينبغى أن تستقيم، وللسنة جو لغوى: فالرسول صلى الله عليه و سلم قد أوتى جوامع الكلم وكلامه صلى الله عليه وسلم: أبلغ الكلام لبشرى ونشر السنة عامل من أهم العوامل على ترقية اللغة التى يكتب بها الكتاب، وعلى وضع الناشئين والمثقفين فى وضع أدبى ممتاز، من حيث اللغة، ومن حيث الأسلوب، وللسنة جو روحى: إنها تهذيب للنفس، وتربية للروح وسمو بالأخلاق إلى درجة لا تجارى، وصلى الله وسلم على من قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ورحم الله شوقى إذ يقول: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

ومن أجل ذلك كله كان نشر السنة واجبًا دينيًا، وعملاً اجتماعيًا كريمًا، وواجبًا وطنيًا حتميًا، وإصلاحًا أخلاقيًا ساميًا.

وهو على كل حال ضرورة وطنية ملحة فى عصر تحاول الرذيلة فيه أن تعمم الانحلال الخلقى فى كل أسرة وفى كل بيت، ويحاول الفساد أن يأتى على مقدسات الأمة ومقوماتها، من عرض وشرف وكرامة.

لقد أحب الله للإنسانية مثالا أخلاقيًا كريمًا رسمه سبحانه فى القرآن الكريم قولا، فكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصورة التطبيقية الكاملة للرسم الإلهى، وكان بذلك الإنسان الكامل.

لقد كان المثل الأعلى فى الرحمة، والمثل الأعلى فى الكفاح، والمثل الأعلى فى الصبر المجاهد المتفائل والمثل الأعلى فى الصدق، فى الإخلاص، فى الوفاء، فى البر، فى الكرم.

ولقد وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم).

ولا ريب فى أن الأمة الإسلامية حينما تقتدى بالرسول - صلى الله عليه وسلم -: إنما تقتدى بأعظم البشر رجولة وإنسانية، وتقتدى بمن أحب الله سبحانه أن تقتدى به: «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة، لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وذكر الله كثيرًا».

وإن العمل على نشر السنة إنما هو توجيه للاقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم -.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.