إن سلوك النبى صلى الله عليه وسلم فى رمضان يجعل المسلم قادراً على التفريق بين الحرص على الطاعة وبين فهم طبيعة هذا الدين، ولذلك وردت روايات كان فيها النبى صلى الله عليه وسلم كمشرع قدوة متبع يشرع لعموم الناس لا لآحادهم يدرب الناس على فهم طبيعة هذا الدين القائم على التيسير وعلى خصوصية العلاقة التعبدية بين العبد وبين ربه جل وعلا.. فليس لك أن تقحم نفسك قيما أو وصياً على الآخرين فى علاقاتهم بالله جل وعلا، بل على الجميع أن يذعن للأوامر الإلهية العليا، وأن يدرك أن من يحاسب العباد هو الله جل وعلا.
وهذا ما فهمه أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ووقع فى هذه الرواية التى يرويها أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه قائلاً: غزونا مع رسول الله لست عشرة مضت من رمضان، فمنا من صام، ومنا من أفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، وفى رواية له: فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن.
وفى مسائل أخرى يبيح النبى صلى الله تيسيرا وعدم مصادمة لطبائع البشر وأحوالهم، ويبيح الصيام بعد الجنابة ليلاً، فكان صلوات ربى وسلامه عليه ربما أصبح جنباً، فيغتسل ويصوم، فعن عائشة وأم سلمة قالتا: إن كان رسول الله ليصبح جنباً من جماع غير احتلام فى رمضان، ثم يصوم، وعنهما أن رسول الله كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم.
وعن عائشة أن رجلاً جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم يستفتيه - وهى تسمع من وراء الباب - فقال: يارسول الله، تدركنى الصلاة وأنا جنب فأصوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأنا تدركنى الصلاة وأنا جنب فأصوم» فقال: إنك لست مثلنا يارسول الله، قد غفر الله لك من تقدم من ذنبك وما تأخر.. فقال: «والله، إنى لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقى». إنها إذن القدوة فى أبهى صورها كنا قلنا، لا تجمل ولا ادعاء، ولا محاولة للارتفاع فوق البشرية حتى فى أخص خصوصيتها، كأنه صلوات ربى وسلامه عليه فردا من أفراد الأمة، يصيبه جميعاً كبشر، فيعطينا الأسوة ويوضح لنا كيف نتصرف فى كل الأحوال.