أول ثورة شبابية شعبية بيضاء في العالم حدثت في مصر واستغرق تنفيذها أسبوعين فقط بدأت في الخامس والعشرين من يناير في عيد الشرطة ولم تنته بعد ونتج عنها ما يقرب من ثلاثمائة شهيد وأصيب فيها مايزيد علي ألفي شخص، وشملت كل محافظات ومدن مصر وتركزت في بؤرة مدينة القاهرة في ميدان التحرير وهي مدينة العشرين مليون مواطن يحملون حضارة خمسة آلاف عام، يقودون مسارات الثقافة والفن والأدب والموسيقي والتدين في كل العصور المتعاقبة ويمارسون الحياة بكل ما فيها من زراعة وصناعة وتجارة أدي ذلك إلي تراكم التاريخ المتميز بالثراء والتنوع وأغري قصار النظر من الشعوب والدول إلي المخاطرة باحتلالها ولم يستطع أي منهم من الاستمرار في البقاء وانتهي به الحال إلي العودة من حيث جاء وبقيت مصر كلها نقية الجوهر والمعدن والأصل رغم كل تلك المعاناة التي يمر بها كل أهل مصر، وكانت الشرطة هي المحك الذي تسبب في الغضب من العنف والاستخدام المفرط للقوة التي تؤدي إلي فقدان الأرواح في لحظة بل في ثانية رغم أن رجال الشرطة منهم الطيب والشرس والقبيح كما كتبت عنهم سابقا خلال أحداث القضاة؟!. ما حدث من ثورة الشباب لم يتخيله أحد فكثيرا ما قلت أن مشاكل مصر لو دخلت في الحاسب الآلي لن يصل فيها إلي حل ولكني أقر وأعترف بأنني كنت علي خطأ فلقد كانت أول ثورة في التاريخ تبدأ الكترونيا عبر كل شاشات الكمبيوتر وبأصابع مستخدميه وبعقول وأفكار وكلمات الجيل الذي يجيد استخدام ذلك الجهاز وبرامجه ومن خلاله نضجت بذور التواصل الهادف بين شباب مصر في الداخل والخارج بينما كانت الأجيال القديمة تجلس علي مقاعد المقاهي والصالونات وبل ومقاعد الحكم دون أن يفعلوا شيئا له قيمة سوي النقد الشفوي لما نحن فيه أو الدعاء علي الآخرين وعلي أنفسنا ونطيل الدعاء بل ونبكي خلاله من فرط الانفعال ولكن؟!. المقدمات تسبق النتائج وبالقطع كانت هناك حسابات خاطئة أدت إلي ما حدث في الخامس والعشرين من يناير الذي توافق مع عيد الشرطة ولكنه أصبح عيدا للثورة ثورة شباب مصر بالأصالة عن أنفسهم وبالنيابة عن كل أهلهم في القري والنجوع والحواري والمنتجعات وفي ميدان التحرير أو في المنشية ومحطة مصر ومحطة الرمل والسويس وبقية مدن القناة وفي الصعيد وفي الدلتا كذلك كانت تلك التركيبة البشرية تشمل الشباب في المقدمة وحولهم بقية الأعمار ، من بينهم الفتيات والنساء والأطفال والكبار واختلطت الأديان والأزياء دون أي تمييز ، لم نسمع عن الفتنة الطائفية أو التحرش بالأنثي رغم ظهور البلطجة من بين المحترفين. من تلك المقدمات التي أدت إلي هذه الثورة الجمع بين رئاسة الحزب ورئاسة الدولة وهذه مشكلة المشاكل حيث كان الرئيس دائما في محل النقد المتضاعف ما بين نقد الحزب وأفعال أعضائه وبين رأس الدولة خاصة انه لم يسمح بأن ترتفع قامات ومقامات الأحزاب الأخري أبعد من الأرض؟!، ولم يحدث تغييرات جوهرية في بنية الحزب تماما كما فعلت بقية الأحزاب التي يشتكي منها الناس والتي لا يوجد بها سوي عدد محدود من الأعضاء كما لو كانوا من رواد قهوة المعاشات يجلسون معًا ويحدقون في الفضاء ولا يتكلمون إلا لماما ولا ينطقون إلا كفرا بالحياة السياسية كلها، ومن بين الأخطاء القاتلة أيضا كذلك بطء الاستجابة للمطالب الشعبية ولو كانت بسيطة وضاعت في زحام التسويف والاستهانة بل وبقدر من الإنكار والاستعلاء وخلق جفوة وفجوة واسعة بين النظام وبين الناس والتي جسدها أهل الدويقة وأهل مارينا، بين راكبي التوك توك وراكبي المرسيدس. ومن بين العديد والعديد من المقدمات التي أدت إلي هذه النتائج هو التبرير غير المنطقي للتعيينات الوزارية أو التغييرات الوزارية التي لم يعرف الناس لماذا دخل أو خرج أحدهم من مجلس الوزراء، والشائع هو دخوله صفر اليدين وخروجه كأحد أصحاب المليارات مع تنامي طبقة من المقربين في محيط الاستيلاء علي الأراضي والعمل بالسمسرة والتوكيلات بل والتربيطات مع الخارج بعلاقات تجارية مشبوهة والمؤسف أنها طالت كل الأسماء بلا تحفظ ولم يتطوع أحد بنفي الشبهات بل بقيت عالقة حتي وصلت للنائب العام الذي هو في حاجة إلي جيش من رجال التحقيق والنيابة حتي يمكنه الانتهاء في وقت قريب من الفصل بين القضايا.