لخص شباب ثورة 25 يناير ومعهم قطاعات عريضة من الشعب هدفهم في شعار واضح جداً هو: «الشعب يريد إسقاط النظام».. أي إسقاط الحكم القائم واستبدال حكم آخر ديمقراطي ومدني وعصري به.. إسقاط الحكم كله وليس شخصاً واحداً.. أي إسقاط منظومة الحكم الذي كان سائداً حتي تخلي الرئيس مبارك عن رئاسة الجمهورية. وهذا يعني أن أحداً لم يطالب بإسقاط الدولة المصرية.. حتي ولو كان إسقاط النظام يقتضي حل مجلسي الشعب والشوري وتعديل أو تغيير الدستور وإجراء تعديلات تشريعية تنظم الحياة السياسية، وتنظم عملية نقل السلطة بشكل سلمي وسلس وهادئ.. أما الدولة المصرية فهي أكبر من النظام السياسي السابق وأي نظام سياسي لاحق.. إنها كيان كبير يضم كل المؤسسات والهيئات والمنظمات، سواء التي لها دور اقتصادي أو لها دور اجتماعي أو لها دور سياسي. بل علي العكس تماماً فإن الشباب الذي فجر ثورة 25 يناير كانوا منتبهين إلي هذا الفارق بين الدولة والنظام،. ولقد عبروا عن إدراكهم هذا في عدد من التصرفات العملية وليس الأقوال فقط.. فهم سعوا إلي تنظيف ميدان التحرير قبل أن يغادروه.. وأطلقوا دعوات تحث المصريين كافة علي البعد عن السلوك الخاطئ بما في ذلك القبول بدفع الرشوة أو تخريب المرافق العامة بسوء التصرف.. ووعوا أيضاً أن موجات المطالب الفئوية لا تفيد الآن عملية الانتقال السلمي للسلطة وتؤثر بالسلب علي حركة الاقتصاد المصري، مع التسليم بالطبع بكل هذه المطالب الفئوية التي تراكمت عبر سنين طويلة ويحتاج حلها بعضاً من الوقت وقدراً من الجهد. كما أدرك هذا الشباب الرائع أيضاً أن هذا ليس وقت تصفية الحسابات، مثلما أدركوا خطورة فتح الباب واسعاً أمام الانتقامات، والفرز ما بين مؤيد للثورة ومعاد لها.. ومن علي شاشات القنوات الفضائية والأرضية أطلقوا دعوة للتسامح والعمل معاً من أجل تحقيق الأهداف التي ينشدونها وهي بناء دولة ديمقراطية مدنية عصرية عادلة كما سجلها شعارهم «خير وكرامة وعدالة»، وهو الشعار الذي لا يحققه فقط إسقاط النظام السابق أو دفع رئيس الجمهورية للتخلي عن منصبه إنما يتحقق من خلال بناء مجتمع جديد تسوده قيم مختلفة عن القيم التي كانت سائدة من قبل والتي تمجد الكسب السهل السريع بدون عمل أو جهد، وإنما تشيع روح التعاون والعمل الجاد، وتحقيق الكسب من خلال العمل وحده. ولذلك.. لست قلقاً من محاولات هنا وهناك تحاول أن تجرف ثورة هؤلاء الشباب عن طريقها.. وتحاول تبديد جهد قواتنا المسلحة لينصرف اهتمامها عن المهمة التي نذرت نفسها لها وهي تلبية مطالب الشعب ونقل السلطة بشكل آمن من خلال انتخابات ديمقراطية حرة وشفافة. فالشباب لديه الوعي الكافي والإدراك الكبير.. وأيضاً قواتنا المسلحة كل ما يهمها تحقيق التغيير المنشود.. فهي لا تسعي إلي سلطة وإنما هذا وضع فرضاً عليها وتكليفاً اضطرت أن تقوم به.