ما هذا الهراء والسفسطة الذي ينشغل به المتفيهقون والمتفلسفون وأدعياء الحكمة حول المخارج الدستورية لانتقال السلطة، لقد قام الشعب بثورة هي الأعظم في التاريخ العربي والإسلامي وربما العالمي، وكان مطلب الثوار واحدا ووحيدا وهو إسقاط النظام، وهذا أمر لا يحتمل أكثر من تفسير أو معنى ( ارحل يعني امشي)، وبالتالي فعلى من يوجه له هذا الأمر أن يستجيب فورا ودون تأخير لأن المماطلة ستجر المزيد من الفوضى والعنف وتعطيل مصالح البلاد والعباد. أصدر الشعب حكمه، وقرر خلع رئيسه عبر أكثر من 8 ملايين متظاهر في محافظات مصر المختلفة، وهو عدد يتجاوز أعداد من صوتوا لانتخاب مبارك والذين كانوا بحدود 7 ملايين بغض النظر عن مصداقية هذا الرقم الأخير الذي جاء في ظل عمليات تزوير معتادة، وليس مطلوبا من الشعب الذي واصل ثورته لأكثر من أسبوعين أن يوفر المخارج الدستورية والسياسية الآمنة للرئيس، وليس مقبولا الحديث عن مخارج دستورية تعتمد على دستور مهلهل صاغه النظام ليحكم به قبضته على كل شيء وليركز كل السلطات في يد شخص واحد، هو دستور ينبغي أن يختفي فورا لأنه تعبير عن نظام فاسد مستبد خرج الشعب لإسقاطه وهذا يعني إسقاط الدستور الذي يقوم عليه هذا النظام. أي ثورة شعبية تخلق ما يسمى بالشرعية الثورية والتي تكون بديلا مؤقتا للشرعية الدستورية، والشرعية الثورية تعني شرعية الشعب الثائر الذي هو مصدر كل السلطات والذي هو فوق أي دستور، وهي بالتأكيد لا تعني الفوضى، بل تعني إمكانية التجاوز عن بعض النصوص القانونية والدستورية غير الملائمة للوضع الجديد مع استمرار التعامل ببقية النصوص في المرحلة الانتقالية التي يجري فيه الإعداد لدستور عصري جديد. الثورة تعني مباشرة إسقاط نظام بكل رموزه وإبدالها بنظام جديد، والذين قاموا بهذه الثورة حددوا هدفا هو إسقاط الرئيس وأحيانا يقولون إسقاط النظام وهما مسميان لمعنى واحد في أذهان المتظاهرين، وما لم يرحل الرئيس فلن يشعر الشعب الثائر أن ثورته قد انتصرت وسيظل مرابطا في ميدان التحرير وسيخرج إلى أماكن أخرى، وفعاليات أخرى قد يتخذ بعضها طابعا عنفيا، لأن معظم الثوار يدركون أن من يصنع نصف ثورة فإنه يحفر قبره بيده، إذ ستتحول الثورة ساعتها إلى مجرد احتجاجات يستجيب النظام لبعض مطالبها البسيطة ثم ما يلبث أن ينقض عليها لاحقا ويلاحق كل من شاركوا فيها. الفارق بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية هو الفارق بين الشباب الذي أشعلوا الثورة وكانوا ولا يزالون وقودا لهان والشيوخ الذين شاخوا في مواقعهم ولا يريدون مغادرة هذه المواقع إلا بالموت، والذين يريدوننا أن نتحاكم إلى الشرعية الدستورية أي إلى نصوص الدستور الحالي، يمنحون النظام فرصة للبقاء، والتقاط الأنفاس وإعادة ترميم وترتيب صفوفه، وهم يدخلوننا في جدل عقيم حول تفسيرات وتأويلات النصوص المتضاربة والمدد القانونية الطويلة اللازمة للتعديل، وهذا ما لا يقبله أصحاب الثورة الذين ضحوا بأكثر من ثلاثمائة شهيد وآلاف الجرحى والمعتقلين، ناهيك عن تعرض الشعب كله لحالة الهلع والفزع والسلب والنهب التي دبرها وأدارها أزلام النظام وفلول رجال حبيب العادلي. ليس مطلوبا من الثوار أن يقدموا المقترحات للخروج الآمن أو غير الآمن، فتلك مسئولية غيرهم، والمطلوب هو أن يقدم الرئيس ونائبه استقالتيهما، وان يتم فورا حل مجلسي الشعب والشورى، وفي هذه الحالة تنتقل السلطة إلى رئيس المحكمة الدستورية، تساعده حكومة وحدة وطنية انتقالية، تجري انتخابات رئاسية تعددية جديدة خلال 60 يوما ( بعيدا عن قيود المادة 76) تحت إشراف قضائي كامل، وساعتها يفرح المصريون بثورتهم، وبدولتهم الجديدة. [email protected]