كثيرا ما تناولت الآراء الشفوية والمقالات والندوات سلبيات الشخصية المصرية، بل ظهرت كتب كثيرة في الفترة الأخيرة معظمها لأطباء نفسيون وعلماء اجتماع تتحدث عن تلك السلبيات، وكان الجميع يركز علي سلبيات من قبيل الخنوع والعنف والكآبة ورفض الآخر وإعلاء قيمة الفرد علي الجماعة، لكن اليوم تقوم ثورة «25 يناير» بطرح سؤال هام: هل الشخصية المصرية ستتخلص من سلبياتها وتتغير بعد 25 يناير؟. في رؤية تاريخية لطبيعة الشخصية المصرية يقول الدكتور محمد عفيفي، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة " أي شخصية لها سلبياتها وإيجابياتها وهو الطبيعي، لكن علي مستوي الدول المتقدمة تكون مساحة الإيجابية أعرض، الشخصية المصرية كانت تعيش بنظام غير مؤمن بالديمقراطية ويغيب عنها التعددية بكل أشكالها سياسيا واجتماعيا وكذلك قبول الآخر وبالتالي أصبحت شخصية غير متحققة، لكني أتصور أنه بعد 25 يناير سيكون هناك فكرة التعددية وقبول الآخر وهو ما نراه في الأطياف المختلفة بميدان التحرير والمتعايشين معا في تناغم، وسيطرح من جديد الحلم القومي أو المشروع القومي وهو أمل إذا تم استثماره جيدا سيصنع مصر جديدة ولكن إذا تم تعتيمه سيسود نمط الخطاب السياسي والاجتماعي القديم فيجب أن نعلم ان العالم تغير وهذه فرصة تاريخية في مصر يجب أن تستغل جيدا". بينما يعترف الدكتور عماد عبداللطيف أستاذ البلاغة والنقد بكلية الآداب بجامعة القاهرة قائلا: "هذا سؤال بالغ الأهمية، فمنذ نحو عامين حين طلب مني الكتابة عن أخطر عيوب الشخصية المصرية كتبتُ عن صفة "الخنوع"، وكنت أري أن استسلام الكثير من المصريين للظلم الذي يتعرضون له، وعدم رغبتهم في مواجهة الاغتصاب المنظم لحقوقهم هو أخطر ما يهدد مستقبلهم، إلا أنهم كانوا يستخدمون حيلا عديدة أخري والتي كان يطلق عليها عالم الإجتماع جيمس سكوت «الهمس من وراء الحاكم». وقد أثبتت ثورة يناير أن شباب مصر هم الماء الطاهر الذي اغتسل به المصريون من خنوعهم، وأن صوت المصري الذي يجهر بالحق مجلجلا ودون وجل، سوف يكون هو الوجه المشرق للمصريين في المستقبل. لقد تعرض المصريون عبر آلاف السنين لأشكال لا حصر لها من التهميش والإسكات والقهر والعنف المنظم والتحكم والهيمنة. وكان المصري لا يملك في مواجهة كل هذا الظلم إلا الهمس من وراء ظهر الحاكم في شكل نكتة أو أغنية أو حدوتة أو موال. وقد تجاوز المصريون الآن حدود الهمس إلي آفاق الهتاف، وتحدوا ما يفرضه الخنوع من العجز عن الفعل فامتلكوا لأول مرة زمام الفعل والمبادرة. لقد كان الخنوع يدفعهم إلي التقليد أما الآن فإنهم يقتحمون كل ميادين الإبداع وكان الخنوع يجعلهم ميالين إلي التواكل والخوف من المسئولية، أما الآن فإنهم لا يعتمدون إلا علي أنفسهم ويتسابقون علي تحمل المسئولية، وكلي أمل أن تنتقل هذه العدوي إلي كل مصري حتي يتمكن من التطهر من آفات الخنوع". وقال الدكتور خالد أبوالليل، مدرس الأدب الشعبي بكلية الآداب بجامعة القاهرة : "بالتأكيد ستتغير واسمحي لي أن أسحب كل العيوب التي ذكرتها من قبل في أي حديث صحفي وأسجل عكسها الآن، فكلنا كمتخصصين لم نكن نفهم هذا الشعب جيدا ، رغم أننا كثيرا ما حذرنا من ثورة هذا الشعب والتي لم نتوقع أن تكون بهذه السرعة وبهذا الحجم والتأثير، أهم إيجابية موجودة الآن أن مصر زمان التي كنا نسمع عن شهامتها وطيبتها ومروءتها وابن البلد عادت الآن. ففي نظري أن الفترة الماضيه كان هناك تعمد أن يفقد المصري هويته الحقيقية، مثل استعلاء الشعب علي الشعب بحيث يكون المجتمع تسوده حالة من الغضب والتربص للآخر والطائفية، لكن في هذه الفترة الماضية الخمسة عشر يوما، اعتقد البعض أن الأحداث الماضية تربة خصبة لظهور هذه المشاكل لكنها لم تحدث مطلقا، أيضا وهو الأخطر أنه حين تم اصطناع سحب الأمن وانعدام الأمن بالشارع المصري كان تربة خصبة للبلطجية أن تظهر إنما هذا لم يحدث أيضا بل العكس هؤلاء البلطجية وهم "الفتوات" وهو المصطلح الأصح لهم هم من دافعوا عن منطقتهم مما أظهر المعدن الحقيقي لشخصيتهم، فهذه الثورة أعادت المجتمع المصري إلي سابق عهده إيجابيا أي مصر التي كنا نسمع عنها ولا نعرفها". وقال القاص والكاتب الصحفي أحمد الخميسي: " هناك أشياء ستختلف مثل التعصب الديني الذي سيكون أقل، فكلنا رأي المسيحيين والمسلمين وقفوا معا وصلوا صلاة الغائب وقداس الأحد أيضا، كما سيكون هناك نوعا من الحرص علي مظاهر معينة مثل الشكل الحضاري للقاهرة والتي أعتقد أنها ستختلف فيما بعد، إنما الأركان الأساسية يصعب تغييرها بين عشية وضحاها بحدث واحد، فهذه "الانتفاضة" ممكن أن تغير بشكل محدود. لكن الأهم أنها تجلو أساسيات الشخصية المصرية مثل روح التكاتف والتضامن والمواطنة ، هناك جذور تاريخية للشخصية المصرية كالميل المصري العميق للحلول الوسطية فشخصيتنا ليست متطرفة، لأنها تكونت في صراعات مع الواقع الإجتماعي والحضاري علي مدار التاريخ، لذا اكتسبت سماتا يصعب تغييرها بسهولة، أيضا هذه "الانتفاضة" تظهر أننا شعب فنان تماما كما كتب عنا ابن بطوطة في القرن الرابع عشر أننا شعبا يحب الطرب، وهو ماحدث في انتفاضتنا التي ارتبطت بالأغاني والرقص. من الملامح الرئيسة لشخصيتنا الميل للسخرية والتي يصعب أن تختلف بدليل بروز عديد من النكات حاليا حول الحدث القائم بتداعياته، فمن الممكن ان تكون هناك تغييرات خارجية طفيفة انما الاساسيات لن تتغير". أما الكاتبة الصحفية عبلة الرويني فقالت: " أنا مع فكرة أنها ثورة وليست مجرد احتجاج لأنها أحدثت تغييراً ملموساً في الواقع اليومي والشخصية المصرية ففي يوم وليلة تحول الشخص المتكاسل السلبي أصبح يحرس القاهرة كلها ايضا الشخص الذي كنا نراه أناني تفجرت بداخله طاقة ايجابية واصبح هناك حالة من التكافل والتآخي حتي الاهتمام بالوطن فمفهوم الوطن والانتماء كان هناك فيها نوع من التراجع ولكن الثورة فجرت هذه القيم مرة اخري فهذه قيم ظهرت مع الثورة ومانراه يوميا من الترابط الشديد والفعل الايجابي والإصرار والتآخي فهذه الانتفاضة والغضب الشديد العظيم كنس قيم ومعاني بالية وقديمة وأوجد قيماً تليق بهذا الحدث العظيم. أيضا العنف الذي كان الموجود علي مستوي الجسد واللغة والذي رأيناه بالشارع هذه الطاقة خرجت في ثورة بيضاء تماما شديدة النقاء والبراءة فلم نر عنف أو أي لون أحمر أو حتي عنف لفظي او انتهاكات لأنها في ظني لم تكن ثورة تبحث عن لقمة العيش لم يكن خطابها اقتصادياً إنما ثورة للكرامة فهي لاستعادة الكائن نفسه، فنحن في ثورة لاستعادة الروح فهي ثورة لاستعادة الروح والشخصية المصرية".