اذا ما ترجلت الي ميدان التحرير، تشاهد المتظاهرين يرفعون اللافتات التي تحمل مطالبهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يبدو لك الامر طبيعيا، ولكن بالتدقيق فيما يدور في ذلك الميدان، الذي يشكل رمزا للدولة، اضافة لكونة قلب العاصمة، تجد هناك مشاهد تخلق علامات استفهام ضخمة، تحتاج لاجابات. علي الارصفة يتواجد عدد كبير من "رزم" اللوحات البيضاء التي تنتظر كتابة الشعارات التي تحولها الي لافتات يحملها المتظاهرون، هي متوفرة وموجودة، بلا ثمن، مجانا، قيمة الفرخ الواحد من تلك اللوحات لا يقل ثمنه عن الجنيهين ونصف الجنيه، ولا احد يسألك اذا ما استخدمت اكثر من فرخ باكثر من شعار، اضافة الي اقلام "الفولومستر" السوداء التي تنفذ بسرعة، من كثرة استخدامها وبقائها مدة طويلة خارج غطاء، والخطاطون المتخصصون في كتابة اللافتات بخطوط مختلفة، وهم من مستويات اجتماعية بسيطة واعمارهم تتخطي الاربعين، هيئتهم تقول انهم يعملون وليسوا متطوعين. في الميدان ايضا من يجول وسط المتظاهرين ليوزع ال "كوكاكولا"، وعلب الكشري، والسندوتشات، فول وطعمية، لمن يريد، مجانا، هي ملك من يطلب، واحيانا يذهب من يوزع تلك المأكولات، لمن لم يطلب ليعرض علية ما لديه من أكل وشرب!!. كل هذا له ثمن، ويخلق علامة استفهام، من يصرف علي تلك المظاهرات؟. البارز في تلك المشاهدات ان من يوزع المأكولات والمشروبات، ومن يوزع اللوحات واللافتات، وبالاضافة إلي الخطاطين والرسامين، هم اشخاص لا تشارك في التظاهر، عملهم فقط هو المساعدة والتشجيع وتوفير الظروف لان يتظاهر الناس!. صباح يوم السبت الاسود، وعلي الجزيرة الشهيرة البارزة في ميدان التحرير امام مطعم "كنتاكي"، وقف رجل يحمل ميكروفون محمولاً يطالب بالافراج عن المعتقليين، لم يمض الوقت الطويل الا والتقف منه الميكرفون شاب له لحية خفيفة، طويلة، غير مهذبة، وراح - وسط الخراب الذي عم ميدان التحرير ذ يرفع أذان الظهر، رغم ان وقت الظهر قد مر عليةهاكثر من نصف ساعة، سقط علي اثره شاب علي الاسفلت ليخبط كفية علي الارض لتتعفر بالتراب، آخذاً في التيمم استعدادا للصلاة، وبعد ان تيمم، لم يصل أحد!!. رجل آخر بلحية طويلة، كثيفة، غير مهذبة، ويرتدي جلباباً قصيراً بني اللون، فوقه جاكيت جلد اسود، وبرز في جبينة اشارة الصلاة، ويغطي رأسه بطاقية "شبيكة" بيضاء، يحمل في يده كيساً اصفر اللون يشف عن كمية كبيرة من التمر، يوزعه علي المتظاهرين، اتي بجواري ويده تمتد لي بحفنة من التمر، طالبا مني ان اوصلها لمن يجلس بجواري ذ وهو شخص تصادفت جلستنا معا في مكان واحد ولم يكن لي به سابق معرفة- نفذت طلبه، فلاحقني بحفنة اخري من التمر خصصها لي كما قال، سالني عن الساعة، وميعاد بدأ حظر التجوال، اخبرته ان حظر التجوال سري من نصف ساعة، اندهش دهشة مفتعلة، قائلا:"ياااااه!!"، واخرج لنا حفنة جديدة من التمر وزعها علينا - انا ومن بجواري- ولما اعتذرنا قال :"لاااااا آخذوها، انتم ستجالسون، انما انا سأمشي". الطريقة التي قال بها الرجل جملته تلك تحثنا علي البقاء في الميدان متظاهرين وألا نبرح اماكننا، رغم انه اعلن انه سيرحل!!. في المظاهرات من ينفق علي ذلك التظاهر، ولا يتظاهر!!، هناك من يغدق بالاموال ليبق ويدوم ويستمر الاحتجاج، مهما كان هناك تحركات جادة وفعلية للاستجابة لمطالب المتظاهرين، هناك من يريد فرض صبغة دينية علي اهم ميادين مصر التي هي لكل المواطنين والاديان، تحت ستار التظاهر!!. فمن هم هؤلاء؟؟!.