في علوم الجيوبوليتك حقيقة راسخة وهي أن الأرض تفرض السياسة وتفرض الدور وطبيعة مصر في أي زمن تفرض عليها أن تكون دولة ذات تأثير واضح في إقليمها وفي مسرح نفوذها والذي يمكن اعتباره أنه يمتد شرقا حتي أفغانستان وغربا حتي جبل طارق وشمالا حتي جزر اليونان وجنوبا حتي الحبشة أو أثيوبيا التي تستضيف القمة الأفريقية السادسة عشرة.. وأفريقيا بالنسبة لمصر تعني الكثير علي مدار التاريخ المصري الحديث والقديم ولكن التوجه المصري نحو أفريقيا والتعامل المصري مع الملف الأفريقي يختلف من زمن إلي آخر وتلك طبيعة الأمور التي يعجز عن استيعابها الواقفون بعقولهم عند حقبة الستينيات والتي تختلف اختلافا جذريا عن عالم اليوم.. ففي الستينيات كانت أفريقيا تبحث عن التحرر في الوقت الذي كان فيه هذا التحرر هدفا استراتيجيا لمصر نابعا من الغاية القومية للدولة المصرية آنذاك بملاحقة الاستعمار ونشر فكر الثورة وانغمست مصر في هذا السبيل لدرجة ألهتها عن أمنها القومي الذي ضرب في العمق في نكسة يونيو عام 1967 إلي أن أعادت مصر الأمور لنصابها بانتصارها العظيم في أكتوبر عام 1973 . الآن المعادلة اختلفت ومع ذلك تلاقت التوجهات المصرية مع الرغبة الأفريقية الجديدة التي تبحث الآن عن التنمية والازدهار وهو ما يعرف بالانتقال من مرحلة التحرير إلي التنوير والتنمية هي هدف استراتيجي لمصر وخلق مناخ يسوده السلم والأمن أولوية مصرية دفع مصر لكي تحتل المرتبة الخامسة عالميا في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة نصيب الأسد فيها لأفريقيا ولكن الفارق أن مصر تتعامل الآن التعامل السليم الذي يضع أمنها القومي طليعة توجهاتها ولا يضاهي حمايته أي شيء آخر لذا تمد مصر يد العون لأشقائها في القارة وتؤهل وتدرب كوادرها وتتبني قضاياهم ولكن أمنها القومي خط أحمر لا تسمح بالمساس به ولعل من شهد الاستراتيجية المصرية في التعامل مع ملف حوض النيل بعد أزمة عنتيبي يدرك مدي الوعي الذي تتعامل به هذه الاستراتيجية التي تضع مصلحة الدولة وأمنها وسلامتها فوق كل اعتبار وأدرك الجميع الوعي المصري وحجمه وقوته وتأثيره وأن الدور لا يستطيع لعبه سوي المؤهل له فرغم كل ما حدث فالإرادة المصرية هي النافذة والسارية مثل سريان النيل.