هل نجاح سوريا في إقصاء سعد الحريري وإبعاده عن رئاسة الحكومة اللبنانية سوف يعيد لها نفوذها في لبنان وسيطرتها السابقة عليه، والتي كانت تحققها لها قواتها التي كانت موجودة من قبل علي أرضه؟ سؤال لا بد أن السوريين سألوه لأنفسهم كثيرًا.. لكن هل توصلوا إلي إجابات يقينية عنه؟ ربما نعم.. وربما لا! فالتخلف من سعد الحريري يحقق لسوريا الانتقام من الرجل الذي قاد تحالفًا لبنانيًا في أعقاب اغتيال والده رفيق الحريري، اتخذ مواقف معادية لها ورافضًا لوجود قواتها المسلحة علي الأراضي اللبنانية، وكان سببًا لاضطرار سوريا لسحب هذه القوات. كما أن إبعاد سعد الحريري عن رئاسة الحكومة اللبنانية يضمن لسوريا تشكيل حكومة لا تضم أي عناصر مناوئة لها أو غير صديقة، أو مشكوك في نواياها تجاه دمشق.. وبذلك سوف يخمد صوت المطالبين بعلاقات متوازنة تعتمد منهج الندية بين سوريا ولبنان.. وسوف تسكت أيضًا المطالبين سوريًا بتحديد أو ترسيم الحدود بينها وبين لبنان.. كذلك لن يطالب أحد في لبنان رسميًا سوريا بتنفيذ ما سبق أن تعهدت به من تعهدات حول عدم التدخل في الشئون اللبنانية. وكل تلك مكاسب سوف تجنيها سوريا كما تعتقد في لبنان بعد إقصاء سعد الحريري وإبعاده عن رئاسة الحكومة، بالإضافة إلي أنها سوف تتعامل مع القوي الدولية وبعض القوي الإقليمية من موقع أكثر قوة علي اعتبار أنها صارت تملك كل الأوراق اللبنانية وليس نصفها فقط، حيث ستصبح الحكومة اللبنانية طيعة بالنسبة لها، ما يجعلها تحصد مكاسب دولية أو بالأصح تنازلات دولية أكثر في مسألة علاقاتها الدولية، وأيضًا في مسألة محاولاتها إحياء قضية الجولان المحتل منذ عام 1967، ولم تتمكن من تحريره أو استعادته حتي الآن. لكن.. علي الجانب الآخر من الصورة فلا بد أن سوريا تعرف أيضًا أن حكومة لبنانية لا يرأسها سعد الحريري ستكون أسيرة في قبضة حزب الله اللبناني الذي أصر بشكل واضح علي إبعاد الحريري وجر وراءه بقية فصائل المعارضة اللبنانية، التي صارت موالاة بعد انضمام وليد جنبلاط لها. ولا بد أن سوريا تعرف أيضًا أنها لا وصاية لها علي حزب الله، وأن الوصاية معقودة أساسًا لإيران.. وربما يقول قائل إن سوريا ذاتها ترتبط بعلاقات استراتيجية مع إيران، ولم تفرط في هذه العلاقة ولذلك لا يضيرها وصاية إيران علي حزب الله.. لكن هذا الكلام لا يسبر غور كل الحقيقة.. فالحقيقة أيضًا أن سوريا رغم حرصها علي استمرار علاقاتها الاستراتيجية مع إيران فإنها لا ترغب في أن تسلم لها لبنان علي طبق من فضة.. ويشهد علي ذلك أن سوريا كان يزعجها إحكام إيران سيطرتها علي العراق، ولذلك راهنت علي علاوي لتشكيل حكومة فيه بدلاً من المالكي المرتبط بعلاقات قوية مع إيران والذي قاد توترًا في العلاقات بين بلاده وبين سوريا. أن سوريا حريصة بالفعل علي علاقاتها الاستراتيجية مع إيران، لأنها تستخدم هذه العلاقة كإحدي الأوراق الاستراتيجية في يدها علي المستوي الدولي، لتوفير نوع من الحماية الاستراتيجية لها في مواجهة تحرش أمريكي وأوروبي بها.. لكنها في ذات الوقت لا تريد أن تأتي بإيران قريبًا إلي كل حدودها.. وبعد العراق تأتي إيران لتحكم قبضتها علي لبنان. وهذا يعني أن تخلف سوريا من سعد الحريري وإبعاده عن رئاسة الحكومة حتي بعد كل التنازلات التي قدمها لها سيحقق لها مكسبًا قريبًا ولكنه سيلحق بها خسارة بعيدة.