رحم الله أنور السادات.. وشكرا لأنيس منصور.. وتقديرنا لإسماعيل منتصر. الرئيس الراحل بدا في كتاب أنيس منصور (من أوراق السادات) كما لو أنه يقرأ التاريخ.. ويعرف قدر الفوضي والعبثية التي سوف تطال الحقائق وتعصف بالوقائع.. فأملي علي الكاتب الكبير ما يمكن اعتباره بعضاً من مذكراته.. ونشرها علي عين حياته في الأعداد الأولي من مجلة أكتوبر.. وكان أنيس قد أسسها ورأس تحريرها. هذه هي المذكرات التي نشرتها دار المعارف الآن وبعد 30 سنة، وتعتبر وثيقة تاريخية.. وتمثل شهادة الرئيس الراحل علي الأحداث.. وهي ذات قيمة بليغة.. لأن ثلاثة أجيال لم تقرأها.. ولابد من تحية الكاتب إسماعيل منتصر زميلنا رئيس مجلس إدارة الدار علي إصدار الكتاب.. وتحيته علي أنه أذن لنا في "روزاليوسف" بأن ننشر ما نشاء منه فاخترنا في المجلة ما اعتقدنا أنهما أهم فصلين.. و"حشرناهم" في 16 صفحة.. لم يكن من الممكن أن نتيح أكثر من ذلك في المساحة. والنشر النصي يختلف عن التعليق التحليلي، وقد قدمنا للقارئ خدمة النص، غير أني أريد أن أتوقف أمام كثير مما ورد في هذا الكتاب.. لأهميته التاريخية والمعرفية.. خصوصاً ما يتعلق بتفسير الرئيس السادات لموقفه من محمد حسنين هيكل.. الذي يكاد يكون طعنا في القيمة بكل مفاهيمها.. وما يفسر أحد أهم الأسباب التي يستند إليها نظام الحكم في مصر في موقفه من هيكل.. إذ تصرف إبان الحرب بما لا يليق بالوطنية. ولنر ماذا قال السادات: "في نهاية ديسمبر 1972 - بعد أن عزل الرئيس وزير الحربية محمد صادق - واجهت الشعب كله بما حدث وفضحت اليمين واليسار وطلعت الصحيفة اليومية ورئيس تحريرها تقول إن القرارات التي أصدرتها غير مدروسة.. وكانت تقصد قرار طرد الخبراء السوفييت وقرار عزل وزير الحربية الذي راح يدعو لزعامته في الجيش.. وكان يبني هذه الزعامة علي هدم معنويات الجيش". ويقول السادات أثناء حديثه عن الثغرة في حرب أكتوبر 1973 "كتب رئيس تحرير الأهرام مقالاً يعبر فيه عن مصر وقواتها المسلحة ويقول إنه علي أيام عبدالناصر احتل اليهود الضفة الشرقية للقناة فقط، أما في عهدي أنا فقد احتل اليهود الضفة الغربية أيضا، وجعل لها شعارا -أي للمقال - من سعسع إلي الأدبية ..وسعسع قريبة من دمشق .. والادبية بالقرب من السويس.. ومعني ذلك أن جيشنا يلقي هزيمة أفدح من الهزيمة، وأن حرب أكتوبر أسوأ من حرب يونيو 1967". ويفاجئني الرئيس السادات حين يقول أنه عاتب (فقط عاتب) هيكل ..اذ يضيف: "وعاتبت رئيس تحرير الأهرام علي هذا الكلام الانهزامي وعلي هذا الموقف اللاأخلاقي من الجيش ومن الشعب.. ثم إنه لم يكن يعرف ما الذي حققته هذه العمليات العسكرية الضخمة والمعقدة". وفي موضع آخر يقول السادات: "وعلي الرغم من السعادة التي غمرت مصر وشعبنا وأمتنا العربية ذهب محمد حسنين هيكل إلي بيروت يتحدث عن انتصار اكتوبر بلغة الفوازير والشماتة والسفالة اللاأخلاقية دون وازع او ضمير فيقول ان الحرب كانت 15يوماً، خمسة أيام لنا وخمسة أيام تائهة وخمسة أيام لهم"، "شيء مضحك -يضيف السادات - او علي الاصح يبعث علي الخزي والاحتقار، وهو يعلم أنني في يوم 16 أكتوبر ألقيت خطبة في مجلس الشعب أي ونحن في اوج انتصارنا، هذه الخطبة بعد عشرة أيام من الحرب، وهذه الخطبة قد شارك هو وآخرون في إعدادها، ولكن هذا الموقف يكشف نوعية هذا الطراز من الناس، إنها الانهزامية القبيحة.. وهي الشماتة العارية في مصر وشعب مصر". انتهت اقتباساتي من كلام الرئيس السادات.. ولا اعتقد أن أحداً قال ذات يوم كلاما بهذا العنف والقسوة في محمد حسنين هيكل.. وفيه أوصاف لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها في تقييم هيكل.. لاسيما أنه كان قريباً من السادات.. والسادات كان يعرفه حق المعرفة.. وصبر عليه رغم ما كتب أثناء الحرب وقبلها.. ولم يقله من منصبه الصحفي إلا بعدها بأشهر. وحين يكون هيكل هو أحد كتبة خطاب النصر.. ويعود السادات فيصف لغته بالسفالة.. وتصرفاته بالانهزامية والشماتة واللاأخلاقية.. ويؤكد أنه أصدر أحكاماً دون أن يعرف حقيقة نتائج العمليات.. حين يكون ذلك.. فإن علي هيكل نفسه أن يذهب إلي القبر.. قبر السادات لكي يرد عليه.