** قدم فيلم الناصر صلاح الدين.. أحد أهم كلاسيكيات السينما المصرية، واحدا من المشاهد العبقرية، التى تكشف لنا: كيف يصبح المصريون أسرى صناعة الأسطورة حين تغيب عنهم المعلومة، ويتحول الحديث بينهم إلى نوع من المبالغة.. والتضخيم الزائد الذى يصل إلى حد الهجص؟!! المشهد الشهير.. يأتى فيه صوت نفر من المصريين البسطاء، الذين يتحدثون عن "ريتشارد" قلب الأسد.. ملك الإنجليز، الذى كان يقود جيوش الفرنجة، وراح كل واحد منهم يصف قوة الرجل، ويبالغ فى جبروته.. فكان من يقول: "إنه يأكل خروفين على العشاء".. ويرد آخر: "أنا سمعت مرة أنه بارز مائة رجل وحده.. فقتلهم كلهم"!! لم يكن هذا المشهد، سوى تعبير عن طبيعة مصرية أصيلة.. تجسد المبالغة، وترديد الكلام دون وعى، أو دون تقدير لخطورته، ثم.. وهو الأهم، الوقوع فى خطيئة المبالغة، وتضخيم الأمور.. وهانحن نعيش نفس الموقف.. بنفس المنطق فى فجيعة بورسعيد، فبين يوم وآخر.. يخرج علينا من "يفتى"، برقم جديد عن عدد من سقطوا من ضحايا لتلك الفعلة النكراء، فقد كان الرقم المعلن فى الأيام الأولى، هو 73 ممن نحتسبهم عند الله شهداء، وظل الرقم هكذا لبعض الوقت، حتى خرج من يتحدث عن أرقام جديدة.. فقفز به البعض إلى 100 ضحية، ثم قفز به آخرون إلى 130، ثم جاء من يقول إنه 160، وقبل أيام.. وتحديدا يوم الجمة الماضى، ظهرت تصريحات على لسان الاعلامية بثينة كامل، على موقع اليوم السابع على الإنترنت، لتفجر مفاجأة كما اشار الموقع حين قالت إن ضحايا مجزرة الأمن فى بورسعيد 300 شهيد، وليس 71 كما صرحت مديرية الصحة، وأضافت على حد تصريحها أنهم قتلوا على يد مجرمين مدربين في واقعة مدبرة، مشيرة إلى أن مصادر خاصة لها أكدت هذه المعلومات!!. وأضافت المرشحة المحتملة خلال مشاركتها فى قافلة فك الحصار عن بورسعيد، خلال المؤتمر الصحفى الحاشد بميدان الباتروس بالمحافظة، وحضره المئات من أهالى بورسعيد وفنانون وسياسيون وإعلاميون، بأن مصادر خاصة لها أكدت هذه المعلومة جديا، وأن باقى الشهداء لم يتم الإعلان عنهم ولكنها متأكدة من هذه المعلومة. لقد حرصت أن أسبق اسم بثينة كامل، بوصف الإعلامية.. وليس المرشحة المحتملة لرئاسة الجمهورية، وهى الصفة التى أدلت من خلالها بالتصريحات، وهو نفس السبب، الذى جعلها تتواجد فى مدينة بورسعيد، يوم الجمعة الماضى، قلت الإعلامية وليس مرشحة الرئاسة المحتملة لأنه لم يكن يتعين عليها، وهى التى تعرف قيمة الكلمة، وخطورتها، وتأثيرها، وما يمكن أن يترتب عليها.. أن تتحدث عن مثل هذا الرقم، إلا لو كانت تملك ما يعزز ما قالت، ويؤكده.. وإلا تحولت كل كلمة أدلت بها إلى كلام مرسل.. وأصبح مطلوبا منها أن تكشف لنا أسماء المصادر الخاصة، التى أكدت لها هذه المعلومة، فمثل هذه الأمور.. لا تحتاج إلى إخفاء أسماء، ولا يمكن أن يقولها من اختار أن يختبئ فى المغارة.. مثل هذا الكلام يحتاج إلى توثيق، يحتاج إلى أن نعلن من قال؟ ومن هو صاحب الرقم؟ وما هى الحقائق التى يستند عليها؟ وأى وثائق يمكن أن يخرج بها علينا لإثبات ما قال؟ ثم.. وهو الأهم، لماذا يتصور البعض أن الرقم الرسمى المعلن، وهو 73 شهيدا.. رقم سهل أو بسيط؟! كان يكفى أن تسقط ضحية واحدة.. لتنقلب الدنيا رأسا على عقب.. أم أن البعض يعتقد أن روح الإنسان المصرى رخيصة إلى حد أنه يتعين أن يموت مائة وخمسين.. أو ثلاثمائة حتى نشعر بالفجيعة والوجيعة؟ لقد مللنا المبالغة، والتضخيم، واستسهال الكلام.. لم يعد مثل هذا الأمر مقبولا، ولا معقولا.. إلا لو كان هذا هو نوع من اللعب بعقول الناس، والعزف على مشاعرهم!! أنهى كلماتى بتصريح محمود علام مدير عام النادى الأهلى، الذى أعلن فيه عن عدم وجود خلافات بين الأهلى ووزارة الصحة بشأن عدد الضحايا، وقال بالحرف الواحد والتصريح فى جريدة الأهرام المسائى يوم الاثنين 13 فبراير: لا يوجد تضارب فى الأرقام مع الصحة، فالرقم الذى لدينا يقول إن من تعرضوا للقتل فى بورسعيد 73 مشجعا، وكذلك رقم وزارة الصحة، وكل اللغط، الذى أثير فى هذا الأمر كان بسبب تكرار أسماء معينة أكثر من مرة، مما رفع من الرقم.. وزارة الصحة أرسلت للأهلى خطابا، بناء على طلبه، لتحديد عدد الضحايا، بشكل رسمى، وموثق.. جاء فيه أن عدد المتوفين حسب سجلات الصحة يصل إلى 73 شخصا، وهو العدد الحقيقى الذى تم تسجيله.. بجانب جثة مجهولة الهوية فى مشرحة زينهم لم يتعرف أحد عليها حتى الآن. انتهى الكلام.. وأتمنى أن تتوقف "اللغوصة" فى الموضوع، فمن مات ليس رخيصا إلى هذا الحد.. ليكون المطلوب أن نضخم العدد، حتى نشعر بحجم الكارثة.. كان يكفى واحد فقط.. لنشعر بالألم والأسى والحزن.. فما بالنا وهم 73 مرة واحدة.. حرام عليكم والله. ** باتت عودة مسابقة الدورى.. أزمة كبيرة، بل ومعضلة تستعصى على الحل.. كعادة كل ما نتكلم فيه.. حتى لو كان عن حاصل جمع واحد زائد واحد.. كم يساوى؟ لقد صرنا نتقن الخلاف على أى شىء.. وكل شىء!! من يتكلم عن عودة الدورى.. تحكمه فكرة أن التوقف لن يستمر طول العمر.. وإلى ما لا نهاية، ومن يرفض هذه العودة.. يرى أنه من غير المعقول أن تعود الكرة دون أن يتم عقاب من ارتكبوا الجريمة المزلزلة فى استاد بورسعيد.. كلا الطرفين يدافع عن فكرة تبدو منطقية، ومقبولة.. ولكن لا يمكن أن تكون واحدة منهما صحيحة فى المطلق.. ففى حالة من يطالبون بعودة الدورى، لا يستطيع أحد أن يقنعنى أو يقنع غيرى بأنه من السهل عودة الكرة من جديد، قبل أن تنقضى فترة الحداد.. وهى هنا العاشر من شهر مارس المقبل.. هكذا يقول المنطق، وربما يكون وقتها.. لكل حدث حديث، أما ما قبل ذلك.. فليس مقبولا ولا معقولا.. لأن الحزن يسكن كل البيوت فى مصر، وليس فقط بيوت أهالى من أزهقت أرواحهم فى تلك الحادثة المفجعة.. الحزن يسكننا جميعا، وجميعنا لديه ما يشبه حالة الاكتئاب. أما من ينادون بالتوقف.. وتجميد نشاط الكرة، أو غيرها من الرياضات.. حتى يتم القصاص، فهذه رؤية تبدو فضفاضة بعض الشىء.. لأن عقاب من ارتكبوا هذه الجريمة، سيحتاج لبعض الوقت.. فلن يتم الحكم عليهم بين يوم وليلة.. هكذا القانون، وهكذا تقول قواعد المحاكمة العادلة.. وهنا يبقى من المهم أن يجد أصحاب هذا الرأى حلا فى الرواتب التى يحصل عليها اللاعبون، والأجهزة الفنية، والإداريون، والعمال.. وغيرهم الكثير، ولو استطاع أصحاب فكرة عدم عودة النشاط.. أن يقنعوا كل هؤلاء بالتنازل عن حقوقهم المالية.. حتى يعود النشاط، يكونون قد حلوا المشكلة، وساعتها.. سنصفق للجميع.. لأن كثرة من العاملين فى المجال.. وأنا منهم لن يضيرهم ألا يعود النشاط حتى لو بعد عشر سنوات.. ولكننى سأبقى دوما أصرخ بأعلى صوتى: ملعون أبو كرة القدم مائة مرة.. لو كانت ستفعل بنا ما فعلته فى كل أيام فبراير الحزين. اقرأ أيضاً: - الذين يتاجرون بالحقيقة.. ما هو هدفهم ولماذا أبوتريكة؟! - كلنا شركاء فى الكارثة.. وهؤلاء أول المتهمين!! مقالات الكاتب: - خط مستقيم