أسعار الريال السعودي مقابل الجنيه اليوم الجمعة 7 يونيو 2024    أسعار الدواجن اليوم الجمعة 7 يونيو 2024    نتنياهو يلقي خطابا أمام الكونجرس الأمريكي في 24 يوليو المقبل    أزمة في الخارجية الأمريكية بسبب تصريح ماثيو ميلر.. فماذا قال؟    مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة بجنيف يستقبل وزير العمل والوفد المرافق له    الأخضر بكامِ ؟.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري في تعاملات اليوم الجمعة 7 يونيو 2024    مدفيديف: أعداء الولايات المتحدة أصدقاؤنا    منتخب السودان يتصدر مجموعة تصفيات كأس العالم على حساب السنغال    الجيش الروسي يتسلح بسفن صاروخية جديدة    إنطلاق اليوم الثاني من التصويت في انتخابات الاتحاد الأوروبي في إيرلندا وجمهورية التشيك    أخبار مصر: ارتفاع قياسي وشيك بأسعار الذهب، رسالة استفزازية من إثيوبيا لمصر، مزايا وعيوب حسام حسن في لقاء رسمي، صدمة عن الطقس    وفاة شخص تناول جرعة زائدة من مخدر الهيروين في قنا    عبر الموقع الرسمي.. نتيجة الصف الثالث الإعدادي برقم الجلوس 2024 (رابط مباشر)    فيلم الرعب Under Paris يحتل المركز الأول عالميا في منصة نتفليكس    هل يشترط صيام العشر من ذي الحجة أم يكفي يومان.. دار الإفتاء توضح    تفشي سلالة من إنفلونزا الطيور في مزرعة دواجن خامسة بأستراليا    مفاجأة.. دولة عربية تعلن إجازة عيد الأضحى يومين فقط    السيطرة على حريق شب في محل حلويات بحلوان    خبير اقتصادي: حصول مصر على الشريحة الثالثة من صندوق النقد رسالة مهمة للمستثمرين    افتتاح المهرجان الختامي لفرق الأقاليم ال46 بمسرح السامر بالعجوزة غدًا    مرسى جميل عزيز l فارس الأغنية .. بين جواهر الكلم .. وجوهره    تراجع مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    دعاء أول جمعة من ذي الحجة.. اللهم اغفر خطيئتي وجهلي وتقبل صيامي    دعاء أولى ليالي العشر من ذي الحجة.. اللهم اغفر لي ولوالدي    فلسطين.. عدد من الإصابات جراء استهداف الاحتلال منزل بمخيم البريج    سيد معوض: هناك لاعبين لعبوا المباراة بقوة وبعد نصف ساعة كانوا بعيدين تمامًا    سياسية ألمانية تعتبر السماح بضرب أهداف روسية بأسلحة بلدها ضرباً من الجنون    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    رغم الفوز.. نبيل الحلفاوي ينتقد مبارة مصر وبوركينا فاسو .. ماذا قال؟    الصيادلة: الدواء المصري حتى بعد الزيادة الأرخص في العالم    بعد جدل أفشة.. تركي آل شيخ يعلن عن مفاجأة في برنامج إبراهيم فايق    إصابة 3 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ملاكي بأسوان    موعد مباراة كوت ديفوار والجابون في تصفيات إفريقيا المؤهلة لكأس العالم    بيوصلوا رسالة لمصر، خبير يكشف بالأرقام أكذوبة إنتاج الكهرباء من سد النهضة (صور)    هل يجوز محاكمة الموظف تأديبيًا بعد بلوغ سن المعاش؟.. التفاصيل    تحديث تطبيق انستا باي الجديد.. تعرف على طريقة تحويل الأموال لحظيا    نصائح هامة للطلاب قبل الثانوية العامة "تعرف عليهم"    حالة يعفى فيها الموظف من مجازاته تأديبًا في قانون الخدمة المدنية    ما قانونية المكالمات الهاتفية لشركات التسويق العقاري؟ خبير يجيب (فيديو)    «صلاة الجمعة».. مواقيت الصلاة اليوم في محافظات مصر    متحدث الكهرباء: قبل انتهاء العام الحالي سينتهي تخفيف الأحمال    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    ساتر لجميع جسدها.. الإفتاء توضح الزي الشرعي للمرأة أثناء الحج    أمين الفتوى: إعداد الزوجة للطعام فضل منها وليس واجبا    تحرير 30 مخالفة في حملات لتموين الأقصر للتأكد من التزام أصحاب المخابز والتجار    خالد جلال ينعي المخرج محمد لبيب مدير دار عرض مسرح الطليعة    طريقة عمل البسبوسة بالسميد، مثل الجاهزة وأحلى    عضو اتحاد المنتجين: استقرار في أسعار الدواجن خلال 10 أيام    في عيد تأسيسها الأول.. الأنبا مرقس يكرس إيبارشية القوصية لقلب يسوع الأقدس    غانا تعاقب مالي في الوقت القاتل بتصفيات كأس العالم 2026    حظ عاثر للأهلي.. إصابة ثنائي دولي في ساعات    إبراهيم حسن: الحكم تحامل على المنتخب واطمئنان اللاعبين سبب تراجع المستوى    بمكون سحري وفي دقيقة واحدة .. طريقة تنظيف الممبار استعدادًا ل عيد الأضحى    حظك اليوم| برج الحوت الجمعة 7 يونيو.. «القمر مازال موجود في برج الحوت المائي ويدعم كل المواليد المائية»    نجل فؤاد المهندس: والدي كان يحب هؤلاء النجوم وهذا ما فعله بعد وفاة الضيف أحمد    نادين، أبرز المعلومات عن الدكتورة هدى في مسلسل دواعي السفر    مصرع سيدة صعقا بالكهرباء في منزلها بالدقهلية    نجاح أول تجربة لعلاج جيني يعمل على إعادة السمع للأطفال.. النتائج مبشرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الحيوانات التي تعيش بيننا

كنا نتصور، ومعنا الكثير من المراقبين للشأن المصري من خارج مصر، أن سقوط النخب المصرية، هذا السقوط المروع، بعد 3 / 7، وإلى الآن، هو أبر خسائر الانقلاب العسكري بعد فقدان المسار الديموقراطي، وأشدها صدمة، وتراجعًا.
يخبرني غير واحد من أكابر مثقفي لبنان أنهم كانوا يحملقون في الشاشات لا يكادون يصدقون أن "فلانا" من مثقفي مصر هو من يتحدث، محاميا عن الحكم العسكري، وحتمية عودته، والديموقراطية الزائفة تلك التي لم تأت بديموقراطيين، إنما جاءت بأعدائها، فحق عليها اللعنة العسكريتارية، المدعومة من القوى المدنية !
كنا نتقلب على أشواك الأيام السوداء، ونكتوى بجمرها، ظانين، أن هذا هو منتهى ما ستطفح به بالوعة الحياة السياسية المصرية، وآخر ما لدى جروح التاريخ من تقيحات، إلا أننا اكتشفنا مع التفويض، ثم المذابح المتكررة في رمسيس والحرس الجمهوري، والمنصة، ورابعة، والنهضة، وصعيد مصر، وما تلاهم من اعتقالات بالجملة، دون سند قانوني، وتقتيل، وملاحقة على الهوية السياسية، ومصادرة للحريات، واغلاق لنوافذ الرأي، وانفراد بالسلطات التشريعية والتنفيذية مع تطبيع للعلاقات السلطوية مع القضاء الشامخ، كل ذلك وغيره وما واكبه من تأييد وتهليل شريحة اجتماعية بعينها، كان أشد وأمضى أثرا، بحيث بدا سقوط المثقف المصري الخائن أمامه صدى لصوت أكثر إزعاجا وصخبا، صدى الفحيح.
وقت المذبحة، كان السياق مضببا، بما يكفي لالتمتاس بعض الأعذار لبعض الناس الذين لم تصلهم الرسالة على حقيقتها، وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا، كان الرسول كاذبا، مضللا، شاشات تنعق بالكذب، ليل نهار، معلومات كاذبة، خرافات جرى ترويجها بوصفها كشف عن خيوط المؤامرة، كان من الممكن، على الأقل بالنسبة لي، وقد أكون مخطئا، أن أتصور أن يتقبل بعضهم، ما حدث من جريمة بشعة في ميدان رابعة، بوصفه معركة بين فريقين متكافئين في التسليح، أحدهما ينفرد باحتكار العنف قانونيا ودستوريا، ومنه تستمد الدولة أحد تعريفاتها، والآخر معتد إرهابي، هنا يمكنني أن أتصور كيف ولماذا مرت المجزرة على هؤلاء المغيبين دون أن يطرف لهم جفن.
الآن، بعد الوعود الكاذبة، وسقوط كل أوراق التوت عن سوءات العصابة التي تحكمنا تحت اسم الدولة، والتوثيق للمذبحة، والتقارير الحقوقية، والأخطر: الفيديوهات، تلك التي تحرك الحجارة، وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، وإن منها لما ()، ومع ذلك نجد من يخبرنا بموافقته، ومبايعته، ومشاركته بالتواطؤ، والتشجيع، على سفك الدماء.
ليس ذلك فحسب، بل إن شهادات بعض نشطاء الثورة الذين حضروا الفض هذا العام، جاءت مذهلة بالنسبة لي على الأقل، في وصفها لفئة بلغت من الحيوانية حدا لم نسمع به في توثيق التاريخ القديم لمذابح ارتكبها أعتى مجرمي التاريخ، وأكثرهم همجية ووحشية.
توقفت عند شهادة أحدهم بعينها، ليس لأنها الأكثر سوءا، ولكن لأنها، بزعمي، الأكثر غرابة، إذا كنا نتحدث عن مصريين، يقول الشاب: كثرت الجثث في ميدان رابعة، ونفدت الأكفان، فاضطررنا أن نلف جثث الشهداء بملاءات ونحن ننقلهم خارج الميدان، حتى لا تحترق جثثهم، يشاهدنا الناس في نوافذ البنايات المحيطة بمسجد رابعة، فيضحكون شماتة وتشفيا ويقولون: لماذا تلفونهم في ملاءات؟ هل جئتم بهم من جهاد النكاح؟!!!
يقول الشاب: أنه لا يستطيع أن ينسى هذه النظرة المتشفية السعيدة بقتل الناس، ويتمى على الله ألا يموت هؤلاء إلا وقد فضحهم الله، لا يستطيع أن يتجاوز الموقف، ولا أن يعفو عنهم، المشهد أكثر قسوة من أن يقوى طرفه المظلوم على عفو ولو نظري عن متواطئ مع ظالم.
وقفت بنفسي على الكثير من ردود الأفعال، ساعة الفض، مبررة عندي نسبيا، وفي الذكرى هذا العام، وصلت إلى درجة إعلان أحدهم، بمنتهى الوقاحة، أن ذكرى رابعة هي ذكرى اهدار جنرالات الجيش للفرصة التاريخية لدك ميدان رابعة بالطائرات والتخلص الكامل والنهائي من كل ما فيه من إسلاميين، يعتبرهم "الحيوان" الآدمي، المصري بكل أسف، أشد خطرا على مصر بما يحملونه من أفكار سياسية، من "إسرائيل" ذاتها !!!
ما فائدة ذلك كله؟ ولماذا نطرحه من الأساس؟ لقد تحالف هؤلاء "الحيوانات" مع العسكر للتخلص من خصومهم السياسيين الذين لم يستطيعوا مواجهتهم وفقا للآليات والاجراءات الديموقراطية، فاختاروا أن يبيدوهم، ولا ينبيك السياق إلا بمعركة صفرية، إما أن يستمر هذا التحالف الحرام، بين هذه الشريحة، ولا أقول الطبقة، من الناس، وبين العساكر، وإما أن يحقق الإسلاميون ما يتصورونه من انتصار نهائي، فينتقموا من هؤلاء، جزاء وفاقا!!
يتصور الكثيرون، إسلاميون، وغير اسلاميين، أن هذا هو العدل، فيما أتصور أن مجرد تصور أن هؤلاء "الحيوانات" ينتظرهم منا القتل، والسحل، والسجن، والإعدامات، بالجملة، هو محض تبن للذهنية الإجرامية التي أنتجت هذا الخطاب الحيواني، ووقوف أعمى على الطرف الآخر من هذه الدائرة الشيطانية التي لا نهاية لها سوى فناء الجميع.
يتور بعض المنتسبين للتيار المدني، أن الإسلاميين، كل الإسلاميين، يتحملون مسئولية كل ما جرى من أخطاء، وخطايا في فترة حكم الإخوان، فيما يعتقد الإسلاميون أن العلمانيين، كل العلمانيين، يتحملون مسئولية خيانة المسار الديموقراطي، ومن ثم خيانة الثورة، والتحالف مع العسكر، ثمة صنف آخر ممن لم يشربوا من نهر "الجنون" يعتقدون أن محاسبة المخطيء، أو المجرم، يجب أن تتم وفقا لعملية شديدة الحذر، والتمييز، والفرز، وعدم التعميم، وأنه لا وجود لما يسمى ب "الإخوان فعلوا"، العلمانيون تحالفوا"، النشطاء أخطأوا"، الإعلاميون خانوا" كل هذه التعميمات تفتقر إلى "العدل"، وهو المحدد الذي أتصور أنه المنقذ الوحيد من الغرق في هذا المستنقع، العدل دون غيره، في العقاب قبل الثواب، وفي التمييز بين من يستحق، ومن لا يستحق، وفي التمييز بين مستويات العقاب وفقا لمستويات التورط، وفي حتمية التجاوز، لبعض ما جرى، ليس لمصلحة المخطئين، قدر ما هو لصالحالذين أخطيء في حقهم، من التيارين على السواء.
لقد نزلنا في 25 يناير، ونحن نزعم المطالبة بدولة الخبز، والحرية، والعدالة الاجتماعية، وأي انحراف عن هذا المسار، بدعوى القصاص، أو التخلص من أعداء الإنسانية، لا يعني، سوى أن الطرف الأكثر حيوانية نجح في تعميم تجربته، وجرنا إلى مربعه الذي نزلنا بالأساس ضده، وضد دولته، إن جوهر فكرة التسامح، ليس أن تتسامح مع مختلف معك يطرح أفكارا مغايرة تضايقك، بل أن تتسامح مع الحيوانات التي تعيش بيننا، طالما كان ثمة قانون يفصل بين بيوتنا وحظائرها، ويمنح الجميع تحققا في مجاله، واحتراما لحق الآخرين في مساحات التقاطع، أحاول هنا أن أجعل من الذكرى فرصة للمطالبة بالحقوق، وبالتوثق من أننا لم نفقد أنفسنا في الطريق إلى هذه الحقوق، سنرجع يوما، فقط لو كان لرجوعنا معنى مغايرا لما نحن فيه الآن، أما إذا تحولنا دون أن ننتبه إلى صورة من أعدائنا، فما قيمة الرجوع؟
هذا المقال لا يعبر الا عن رأي كاتبه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.