تواترت أنباء عن وفاة الملا محمد عمر زعيم حركة طالبان، والذي استمر الغموض بشأن مصيرة من حين لأخر، حيث تتحدث وسائل الإعلام عن مقتل الزعيم الغامض، وأحيانا عن وفاته قضاءًا وقدرًا لكن طالبان دائما ما كانت تنفي صحة هذه الأنباء. أما هذه المرة فقد أصبح الخبر في دائرة الاهتمام الحكومى وذلك بالتزامن مع إعلان المتحدث بإسم الرئاسة الأفغانية أن السلطات بصدد التحقق من تقارير تتحدث عن وفاة الملا الغائب عن الأنظار منذ ثلاثة أعوام. ويُشار إلى أن الحديث عن وفاة زعيم طالبان يتواتر في وقت تخوض فيه مفاوضات تسوية مع حكومة كابول، واللافت للأمر، أن الحركة نشرت منذ عدة أيام فقط بيان بإسم زعيمها الملا محمد عمر، يبارك فيه محادثات السلام ويصفها بالشرعية. من هو الملا عبد المجيد محمد عمر من هو؟ الملا عبد المجيد محمد عمر هو الزعيم الروحي لجماعة طالبان الأفغانية، ولد عام 1959 في قرية نوده في قندهار وينحدر من قبيلة "هوتك" البشتونية التي اشتهرت بتأسيس الإمبراطورية الأفغانية بعد فتح مدينة أصفهان، والتحق بالجهاديين في ال 19من عمره بعد دخول القوات السوفيتية إلى أفغانستان وشارك في عدة معارك عنيفة ضد السوفييت في ولايتي قندهار وأرزجان. عمل على تجنيد طلاب المدارس القرآنية والشباب من مخيمات اللاجئين وهنا بدأ مشوار حركة طالبان، والذي أثار ضجة كبيرة على المستوى الدولي بإصداره أمرا بهدم التماثيل البوذية في مدينة باميان معللا خطوة الهدم بتناقض وجود التماثيل مع الدين الإسلامي، لم يدخل العاصمة كابول بعد سيطرة حركة طالبان عليها، وبعد انسحاب مقاتلي طالبان من العاصمة، بقي مصيره مجهولا. قاد الملا محمد عمر حركة طالبان إلى النصر على الميليشيات الأفغانية المنافسة في الحرب الأهلية التي تبعت انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان، وكان تحالفه مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن هو السبب الذي دفع بالولاياتالمتحدة إلى غزو أفغانستان على رأس تحالف دولي في عام 2001 وذلك هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وتمكن الملا عمر من الاختفاء، وأعلنت الولاياتالمتحدة عن مكافأة تبلغ قيمتها 10 ملايين دولار للقبض عليه، كما دأبت طالبان بين الحين والآخر على نشر رسائل تقول إنها للزعيم الروحي، وصدر آخر بيان نسب له في منتصف يوليو الجاري عبر فيه عن دعمه لمحادثات السلام بين طالبان والحكومة، لكن البيان صدر مكتوبا ونشر على الموقع الإلكتروني للحركة دون أن يكون مصحوبا بتسجيل صوتي أو فيديو. حركة طالبان وانتمائها الفكري وتجدر الإشارة إلى أن حركة طالبان تعتنق المذهب الحنفي، وهي سنية، وتعتبر الحكم الشرعي في مذهبها حكما واحدا لا يحتمل الأخذ والرد حوله، ومن ثم يصبح تنفيذ الأحكام الشرعية لدى طالبان حتى وإن كانت هناك مذاهب أو آراء أخرى تخالفها واجبا دينيا لا مفر من تنفيذه. وقد تعلم أفراد الحركة في المدارس الدينية الديوبندية (نسبة إلى قرية ديوبند في الهند) وتأثروا بالمناهج الدراسية لهذه المدارس الأمر الذي انعكس على أسلوبهم في الحكم، حيث ركزت تلك المدارس على العلوم الإسلامية كالتفسير والحديث والسيرة إضافة إلى بعض العلوم العصرية التي تدرس بطريقة تقليدية قديمة. أعلنت طالبان على لسان الناطق الرسمي باسمها الملا عبد المنان نيازي يوم 3-11-1994 بعد أن استولوا على مديرية سبين بولدك أن هدف حركتهم هو استعادة الأمن والاستقرار وجمع الأسلحة من جميع الأطراف إضافة إلى إزالة مراكز جمع الإتاوات من الطرق العامة التي سلبت الناس أموالهم وانتهكت أعراضهم. وبعد أن استولت الحركة على عدد من الولايات ولقيت قبولا مبدئيا لدى قطاعات عريضة من الشعب الأفغاني الذي أنهكته الحرب الأهلية، طورت الحركة من أهدافها ليصبح هدفها هو إقامة حكومة إسلامية كما صرح بذلك الملا محمد عمر في كلمته التي ألقاها أمام العلماء في قندهار يوم 4-4-1996. الهيكل التنظيمي للحركة لا تتمتع حركة طالبان بتنظيم قوي، فليس عندها هيكل إداري واضح ولا لوائح تنظم شؤونها الداخلية وبرامجها، ولا برامج لتربية أعضائها، ولا حتى بطاقات عضوية توزع على الأعضاء لتسجيلهم، وتقول الحركة إنهم ليسوا حزبا مثل الأحزاب الأخرى فلا يهتمون بالنظام الإداري التنظيمي، بل يريدون أن يخدموا الشعب كله عن طريق تفعيل الدوائر الحكومية، ومع ذلك فإن لهم هيكلا شبه تنظيمي يتمثل في: أمير المؤمنين - المجلس الحاكم المؤقت - مجلس الشورى المركزي، والعالي للحركة - مجلس الوزراء - ودار الإفتاء المركزي - ومركز شورى في الولايات - والقيادات العسكرية." طريقة اتخاذ القرار بالرغم من مجالس الشورى الكثيرة التي أنشأتها الحركة إلا أنها تؤمن بأن الشورى معلمة وليست ملزمة، فالقرارات المهمة يتخذها الملا محمد عمر بالاستئناس بآراء أهل الشورى، وله الحرية الكاملة في الأخذ بآراء مجلس الشورى أو رفضه. عوامل التماسك الداخلي في حركة طالبان ليس لحركة طالبان لائحة داخلية تنظم شؤونها، ولا يوجد لديها نظام للعضوية ومع ذلك فهي حركة متماسكة من الداخل، ويرجع ذلك إلى الخلفية الفكرية الموحدة لعناصرها إذ إن معظمهم تخرج في مدارس دينية واحدة تنتمي إلى المدارس الديوبندية التي تعارض التيارات الفكرية التجديدية. كما أنهم مخلصون لفكرتهم ومقتنعون بها ويعتبرون العمل من أجلها جهاد في سبيل الله، حسب قولهم. ويتمتع أمير الحركة بنوع من السيطرة الروحية على الأفراد الذين يعتبرون مخالفته معصية شرعية، وكان لعدم وجود شخصيات محورية ذات نفوذ قوي في الحركة أثر في استقرارها الداخلي، وساعد في ذلك أيضا قيام الحركة بعقوبات فورية للمخالفين وتغيير مستمر في المناصب حتى لا تتشكل جيوب داخلية في الحركة أو مراكز قوى، كما أنهم لا يقبلون أفراد الأحزاب الأفغانية الأخرى وبالأخص في المناصب الكبيرة ومراكز اتخاذ القرار.