هل كان فى خيال الجماهير الغفيرة التى خرجت منذ 25 يناير 2011 أن يكون سؤالهم الآن .. مصر الى أين ؟ .. وما هو المصير الذى تنتظره ؟ .. بالطبع فان مثل هذه الأسئلة المملوءة بالقلق والخوف من المستقبل وعليه .. تعنى أن النظام الحاكم الآن لا يحظى بثقة الكثير من المصريين .. بل أن القلق على مستقبل البلاد ووحدتها يجد مصدره الرئيسى مما يقوم به هذا النظام من تشريعات وقوانين شعاراتها الخير و تفاصيلها تنذر بأن مصر تؤخذ الى سبل جديدة تثير المخاوف على وحدتها و " مخاوف من ضياع سيناء وتفتيت مصر" حسبما ذكر الأستاذ / محمد حسين أبو الحسن فى تقريره الهام والخطير المنشور بملحق جريدة الأهرام (ص 4) يوم الجمعة الماضى 10 مايو 2013 ، وهو ما أكد عليه المستشار الجليل / طارق البشرى بمقاله بجريدة الشروق فى نفس اليوم فى اطار تقييمه للمسودة المنشورة بشأن مشروع قانون تنمية محور قناة السويس ، وكذلك ما جاء بمقال الدكتور / حسن أبو طالب بجريدة الأهرام يوم الاثنين 13/5/2013 بعنوان " تنمية قناة السويس أم تفتيت مصر؟" والذى انتهى فيه الى افادة تقول " تنمية اقليم قناة السويس حق أصيل لكل المصريين ، لكن هذا الحق لن يكون معبرا لتمرير أفكار شريرة تفتت الوطن" . بداية تم اقرار قانون الصكوك فى 7/5/2013 بتصدبق رئيس الجمهورية عليه بعد حملة دعائية صاحبت مناقشاته لما سيجلبه هذا القانون من أموال وفيرة سنويا (طبقا لتصريحات متكررة من الدكتور / أحمد النجار مستشار وزير المالية وآخرها يوم 13/5/2013) ، ونفس الصخب الدعائى يسبق ويصاحب مشروع قانون تنمية أقليم قناة السويس ويقوده رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. والقراءة المتأنية لقانون الصكوك و مشروع قانون اقليم قناة السويس ربما تكشف لنا أى مصير ينتظر الشعب المصرى. فى قانون الصكوك تنقسم الأصول الثابتة المملوكة للدولة الى ملكية عامة وملكية خاصة ، أما الأصول الثابتة فالقانون فى مادته الثالثة يحظر استخدامها أو منافعها لاصدار صكوك حكومية فى مقابلها ، أما الأصول الثابتة المملوكة للدولة ملكية خاصة يجوز اصدار صكوك فى مقابل حق الانتفاع بالأصول الثابتة دون ملكية الرقبة .. أما عن كيفية التمييز بين الملك العام والخاص للدولة فان القانون ترك الأمر لرئيس الوزراء بناء على عرض وزير المالية وبعد موافقة الهيئة الشرعية وهيئة الرقابة المالية (مع ملاحظة أن كلا من الهيئة الشرعية وهيئة الرقابة المالية يتولى رئيس الوزراء تعيين أعضائهما) ، وهذا النص اعترضت عليه هيئة كبار العلماء بالأزهر- ضمن اعتراضات أخرى – لما له من آثار خطيرة على أصول الدولة وحقوق الأجيال القادمة ، لكن ضربت به الأغلبية الميكانيكية بمجلس الشورى عرض الحائط وكان هذا أمرا متوقعا فهذا النص وما يشكله من مخاطر هو الهدف من اصدار هذا القانون .. ومما يلفت النظر أنه بالرغم من تردى الأوضاع الأمنية وعدم الاستقرار السياسى وبالتالى تدهور الوضع الاقتصادى فيكون السؤال المنطقى من هو على استعداد للتعامل مع الصكوك باعتبارها آلية تمويل مثل السندات فى مناخ استثمارى مشوب بالقلق وضعف الاستقرار مما أدى الى خفض التصنيف الائتمانى لمصر من وكالات التصنيف الدولية وكان آخرها ستاندارد آند بورز حيث وصل الى درجة ccc+ وهى تمثل درجة عالية من المخاطر لعدم المقدرة على الوفاء بالالتزامات ؟ .. المدهش أن وزير المالية الجديد (د.فياض) لايرى أن فى ذلك أى تأثير سلبى على اصدار الصكوك بل ويتوقع اصدار أول صكوك حكومية فى شهر يوليو القادم ، وفى اطار الأوركسترا العازفة لذات النغمة ما يصرح به دائما مستشاره (أحمد النجار – المسئول عن ملف الصكوك) من أن عائد الصكوك السنوى لن يقل عن عشرة مليارات دولار سنويا !! ماهو مصدر الثقة – التى لاتستند لمنطق اقتصادى موضوعى- التى يستند اليها هؤلاء .. ؟ ببساطة هناك ترتيبات لأموال بعينها على اصول بعينها لجهات بعينها (دول أو مؤسسات) للهيمنة على مايسمى بالأصول الثابتة الخاصة بالدولة أو منافعها (وتمثل رصيدا تراكميا للشعب المصرى نم تكوينه عبر الزمن لخدمة كل الأجيال) وبوضوح أكثر فان أموال التنظيم الدولى للأخوان المتناثرة فى أكثر من 70 دولة حول العالم وجزر الأوفشور (مثل البهاما) المرشح الأول أو الأكبر لشراء هذه الصكوك وما تمثله من موجودات مقابلة لها ، هذا الى جانب مصادر مساعدة من قطر وتركيا. ومن ناحية أخرى فان مسودة مشروع قانون تنمية محور قناة السويس يتضح منه جانب مكمل للصورة يتمثل فى أن رئيس الجمهورية هو المخول بما سيجرى فى هذا الاقليم (مقابل أن رئيس الوزراء هو المخول بتحديد الأصول العامة والخاصة المملوكة للدولة فى قانون الصكوك) ، كما أن هذا الأقليم سيقوم رئيس الجمهورية بتعيين حدوده خلال ستة اشهر على الأكثر من تاريخ صدور القانون ( أنهم فى عجلة من أمرهم!!) ومن المتوقع أن يضم هذا الأقليم محافظات القناة الثلاثة الى جانب شبه جزيرة سيناء ومحافظة الشرقية ، وأن أملاك الدولة فى هذا الأقليم ستؤول الى الهيئة التى ستتولى ادارة هذا الأقليم (15 شخص من بينهم عدد 2 مستثمرين) وللهيئة نزع الملكية الخاصة لأغراض المنفعة العامة ،ومجلس ادارة الهيئة هو بمثابة مجلس وزراء يتبع رئيس الجمهورية بدليل أن هؤلاء الأعضاء لن يمارسوا عملهم الابعد حلف اليمين أمام رئيس الجمهورية ( ولم تحدد مسودة القانون هل هى يمين دستورية أم بصيغة أخرى !!) بدليل أن لمجلس ادارة الهيئة صلاحيات جميع الوزرات باستثناء الدفاع والشرطة ، ولرئيس الجمهورية حق اعفاءهم ، ويوضح القانون فى كل مواده الى استقلالية هذا الاقليم عن كافة قوانين اقليم جمهورية مصر العربية وستكون له قوانينه الخاصة بالعمل والسجل التجارى والشهر العقارى ومنح التراخيص للمشروعات والمبانى والمؤسسات التعليمية بمراحلها المختلفة ، كما أن موازنة الهيئة مستقلة عن موازنة اقليم جمهورية مصر العربية ، وتنص المادة 15 من مشروع القانون على أنه لايجوز التصرف فى الأراضى التى ستؤول للهيئة بغرض اقامة المشروعات الا بنظام حق الانتفاع ويستثنى من ذلك الأراضى للأغراض السكنية أى يمكن التصرف فى هذه الأراضى بالبيع أو الرهن ، أما أموال الهيئة – وهذا هو المهم – فهى أموال خاصة ، أى يجوز استخدامها لاصدار صكوك فى مقابلها طبقا لقانون الصكوك وبالتالى ليست فى حاجة الى رئيس الوزراء للفصل فيما اذا كانت أصول عامة أو خاصة فالنص صريح وواضح . مما تقدم لن تجد عزيزى القارىء أى صعوبة فى الربط بين قانون الصكوك و قانون اقليم قناة السويس ، حيث سيكون هذا الاقليم هو المحل الرئيسى لاصدار الصكوك مقابلا لأملاكه .. لماذا؟ لأن أموال هذا الاقليم خاصة وليست عامة ، واذا كانت أموال التنظيم الدولى للأخوان – كما سلف البيان – المصدر الأول لشراء الصكوك ، اذن فهذا الاقليم هو هدف التنظيم الدولى مع المصادر المساعدة من قطر وتركيا. ولنأخذ لقطة أخرى ، فى الصفحة الأولى لجريدة الأهرام يوم الأحد كان العنوان الرئيسى " انشاء 44 مدينة جديدة والتنفيذ فورا" وتتضمن مدن : الفيروز ، غرب الزعفرانة ، نخل الجديدة ، الطور وراس محمد ، أبو زنيمة الجديدة ،شرق البحيرات ،وادى التكنولوجيا بالاسماعيلية و رفح الجديدة ، كل هذه المدن تقع فى اقليم قناة السويس .. ومن المرجح أن تكون هذه المدن لها الأولوية فى التنفيذ .. بطبيعة الحال هذه المدن يلزمها سكان .. ومن غير المنطقى توقع أنها من أجل سكان الأقليم الحاليين ، خاصة وأن محافظات الاقليم باستثناء محافظة الشرقية ليست كثيفة السكان .. لذا ستكون هذه المدن لاستيعاب التابعين لجماعة الاخوان ومن والاهم من التيارات الدينية المنتسبة للاسلام بغرض اجراء تحول ديموجرافى نوعى يجعل غالبية التركيبة السكانية للأقليم فى صالح السكان التابعين للتيار الاسلامى .. ما الذى يمكن توقعه فى هذه الحالة ؟ سيكون لدينا اقليم سيهيمن على تمويله التنظيم الدولى للأخوان من خلال الصكوك وامتلاك الأراضى للأغراض السكنية ، اقليم مستقل قانونا عن اقليم جمهورية مصر العربية وسيحظى باساليب الأدارة الحديثة (وهو المبرر الذى ساقه مشروع القانون لتبرير الاستقلال القانونى) وبسكان أغلبهم من التيار الاسلامى يجدون صعوبة فى تطبيق الشريعة كما يدعون فى عموم مصر ، ستكون الفرصة والخطة هى اعلان تطبيق الشريعة فى هذا الأقليم بما يتمتعون به من أغلبية ديموجرافية وهجرة هذا المجتمع المخالف للشريعة فى اقليم جمهورية مصر العربية ، فى هذه الحالة هل من الصعب تصور أن يطلب سكان هذا الأقليم بعد هذه الترتيبات " حق تقرير المصير " مثلما جرى فى جنوب السودان ؟!، وهنا تتقدم القوى الدولية المؤثرة لتبنى هذا المطلب بقيادة الولاياتالمتحدة .. وهى من آزرت وجود الأخوان لحكم مصر وهى من خرجت سفيرتها بالقاهرة لتهاجم من يطلبون الجيش للتدخل ووقف الانهيار الذى تتعرض له مؤسسات الدولة .. وهى من تؤكد ليل نهار على أن من أتى بالصندوق لا يرحل الا بالصندوق مع رفض فكرة الانتخابات الرئاسية المبكرة .. هذه الرعاية الامريكية لها مقابلها والمتمثل فى حل نهائى للقضية الفلسطينية .. وفى هذا الحالة تقدر الولاياتالمتحدة أن حكم الأخوان سيحققه من خلال التنازل عن جزء من سيناء ( وهى جزء من الأقليم المقترح ، و تنفيذا لخطة جيورا ايلاند المعلنة فى 2008 طبقا لما جاء بتقرير أبو الحسن فى أهرام 10/5/2013) وضمه لغزة فيما سمى " غزة الكبرى" أو ضم قطاع غزة الى الاقليم الجديد ، وطبقا لهذا السيناريو ستضغط الولاياتالمتحدة لاستصدار قرار من الأممالمتحدة يلزم بعمل استفتاء لسكان الاقليم الجديد لتقرير مصيره بان يصبح دولة مستقلة منسلخة من مصر التاريخية ، استنساخا لما جرى بالسودان .. اذن الأمر – فى تقديرى – أكبر وأفظع من مسألة البيع للأجانب أو جلب الاستعمار كما رأى أبو العز الحريرى ، ما أراه تخليق دولة يبدأ بمشروع اقتصادى تتقدم له أموال من المصادر سالفة البيان مع دعم سياسى تقوده الولاياتالمتحدة لقطع هذه المساحة من مصر وتصبح هذه الأرض دولتان .. ان الأمر فى مرحلة الكابوس والتصورات .. خاصة وأن نظام الحكم الحالى اتسعت الفوضى فى عهده و لانلاحظ أى رغبة فى ايقافها ليصبح اقليم جمهورية مصر العربية الحالى مركزا للفوضى والبيروقراطية وتزداد مديونيتها وربما افلاسها ( وربما ذلك يفسر النهم فى الاقتراض بصورة فجة ودون اكتراث بالعواقب ) أما الدولة الجديدة ستتمتع بأساليب الادارة الحديثة والدعم المالى والسياسى الدوليين .. ان جماعة الأخوان تشغل الجميع بقضايا القضاة والاعلام والنشطاء السياسيين وقرض الصندوق لينكفىء الجميع على قضايا جزئية بينما المخططات تسير على قدم وساق وبوتيرة متسارعة وواضح أن الخطط معدة سلفا وجماعة الأخوان ملتزمة بالجداول المحددة لها وهو ما يتضح من سرعة التنفيذ أملا فى اغتنام الدولة الجديدة المنسلخة من الدولة القديمة حيث أنهم يعلمون أنهم لن يطول بهم المقام فى حكم الدولة القديمة .. والأمر معروض أمام شعب مصر وجيش مصر المناط به حفظ الأمن القومى للبلاد لتقرير أى مصر يريدون : دولة موحدة أم دولتان؟ ملحوظة أخيرة :هل كان النظام السابق حجر عثرة لتنفيذ هذا المخطط وحان وقت ازالة هذه العقبة فى يناير 2011 بعد اجراء الترتيبات مع البديل الذى يحكم الآن؟