تفرز المشيمة أثناء الحمل هرمونات للحفاظ على الحمل، وهذه الهرمونات تجعل الخلايا تُظهر مقاومة على عمل الأنسولين، وكلما تقدم مشوار الحمل كبرت المشيمة، ما يجعلها تطرح المزيد من الهورمونات الحملية، الأمر الذي يزيد من صعوبة عمل الأنسولين. وفي الحالة العادية تلبي غدة البانكرياس الطلب بطرح كميات إضافية من هورمون الأنسولين للتغلب على المقاومة التي تبديها الخلايا تجاهه، لكن في بعض الحالات لا يستطيع البانكرياس تلبية النداء، فتقل كمية السكر الداخلة الى الخلايا، ما يؤدي إلى بقائه في مجرى الدم فيحصل ما يعرف بالسكر الحملي. وهناك فئات من النساء أكثر تعرضاً لسكر الحمل من غيرهن، ومنهن: - اللواتي زاد وزنهن قبل الحمل. - المصابات بمرض تكيس المبيضين. - اللواتي أنجبن أطفالاً زائدي الوزن. - الحاملات في سن متأخرة. - اللواتي لهن تاريخ إصابة عائلية بالداء السكر. ما هي عوارض السكر الحملي؟ تظهر عوارض السكر الحملي بشكل مفاجئ عند بعض الحوامل، وقد يتم الخلط بينها وبين عوارض الحمل الاعتيادية، مثل فرط الشهية على الأكل، والشعور المستمر بالجوع، وزيادة عدد مرات التبول، والشعور الدائم بالعطش، وكثرة شرب الماء، والغشاوة في البصر، والتنميل والوخز في القدمين، والتعب. ما هي مضاعفات السكر الحملي؟ إن عدم ضبط السكر أثناء فترة الحمل وتركه يرتفع على هواه من دون علاج يمكن أن يجرّا إلى مضاعفات لدى الجنين أو المولود، أهمها: 1- فرط نمو الجنين نتيجة هروب كميات كبيرة من سكر الأم إلى الجنين عبر المشيمة، ما يخلق صعوبات على صعيد الولادة. 2- انخفاض مستوى السكر عند المولود بعيد الوضع. - اليرقان، أي صفار العينين والجلد والأغشية المخاطية، وهو يؤدي الى عجز الكبد عن التعامل مع مادة البيليروبين الناتج من تحطم كريات الدم الحمر. 4- متلازمة الشدة التنفسية عند الطفل. 5- الوفاة. 6- التعرض لاحقاً للسمنة والداء السكري. 7- التشوهات الجنينية. أما الأم فيمكن أن تصاب خلال الحمل بالتسمم الحملي وارتفاع ضغط الدم، والولادة القيصرية، والداء السكري- النوع الثاني. كيف يشخَّص السكر الحملي؟ يمكن رصد السكر الحملي عن طريق قياس تركيز مستوى السكر في الدم بعد ساعة من إعطاء 50 جراماً من سكر الجلوكوز من طريق الفم، ويمكن في الحالات المشبوهة إجراء اختبار تحمل الجلوكوز بإعطاء 100 جرام من السكر فموياً وقياس مستواه على مدى ثلاث ساعات. ويوصي خبراء الصحة الأميركيون بقياس مستوى السكر في الدم لجميع الحوامل في الشهر السادس من الحمل، سواء ظهرت عوارض المرض أم لم تظهر. ماذا عن العلاج؟ تعتبر التغذية السليمة وممارسة الرياضة البدنية الأساس في تدبير الداء السكري، وقد أصبح من السهل في أيامنا هذه علاج سكر الحمل بسبب توافر الوسائل التقنية التي ترصد مستوى السكر في الدم بوتيرة متقاربة، وبسبب استجابة المرض على الحمية الغذائية، إذ إن غالبية الحالات لا تحتاج إلى العلاج الدوائي. ونشير هنا إلى أهم التوصيات التي تتعلق بتدبير سكر الحمل: - تنظيم الوجبات الغذائية، وتناول ست وجبات تتوزع على مدار اليوم، ثلاث وجبات منها رئيسة تتخللها ثلاث وجبات خفيفة، مع المحافظة على إبقاء فترة ساعتين أو ثلاث بين الوجبة والأخرى. ويجب الحرص جيداً على عدم إهمال أي وجبة رئيسة. - تناول وجبة فطور معتدلة، والحذر من تناول وجبة فطور عارمة لأن حساسية خلايا الجسم على هرمون الأنسولين تكون ضعيفة في الصباح، لهذا يرتفع مستوى السكر في الدم عند تناول وجبة فطور كبيرة. - اعتماد الحبوب الكاملة الغنية بالألياف والمعادن والفيتامينات. وتمتاز هذه الحبوب بأنها غنية بالسكريات المعقدة التي تتسلل إلى مجرى الدم ببطء وذلك بخلاف الحبوب المقشورة التي تضم سكريات سريعة الامتصاص ترفع سكر الدم بسرعة. - تناول ثلاث حصص من الفواكه في اليوم، ويفضل أكلها خلال الوجبات الخفيفة. ولا يجوز المبالغة في استهلاك الفواكه، فهي غنية بالسكريات السريعة التي تنساب إلى مجرى الدم بسرعة. - شرب كميات كافية من الماء، لكن يجب تفادي المشروبات السكرية والعصائر ومشروبات الطاقة التي ترفع مستوى السكر في الدم. - استهلاك الدهنيات الجيدة المفيدة للصحة، خصوصاً تلك الغنية بالأحماض أوميجا- 3، مع الابتعاد عن الأدهان المشبعة الضارة. ومصادر الدهنيات الصحية كثيرة، مثل الطحينة، وزيت الزيتون، وزيت الكولزا، والطحينة، والأفوكادو، والزيتون، والفستق، والجوز، والبندق، والكاجو، ودهون السمك. وفي خضم التدابير الغذائية، لا بد من ممارسة التمارين الرياضية، فهي تحتل بنداً رئيساً في علاج الداء السكر الحملي، لأنها تخفض مستوى السكر في الدم من طريق حرق المزيد من السعرات الحرارية، وتقلل من مقاومة الخلايا لهرمون الأنسولين. وينصح بممارسة الرياضة المعتدلة بين الوجبات. يبقى السؤال: ماذا لو فشلت التدابير السابقة في السيطرة على سكر الدم لدى الحامل؟ إن الحل يكمن هنا في الاستعانة بحقن هورمون الأنسولين من أجل إعادة مستوى السكر إلى الحدود المعترف بها في الوسط الطبي. وفي السنوات الأخيرة استخدمت خطة علاجية يستعمل فيها الأنسولين السريع المفعول قبل الوجبة، والأنسولين الطويل المفعول بعد الوجبة. ولا يجب إغفال الراحة النفسية، فهي ضرورية جداً في نجاح خطة العلاج، ويجب الابتعاد عن القلق والانفعالات العاصفة التي ترفع مستوى السكر في الدم. ولكن ماذا عن السكر بعد الحمل؟ إن سكر الحمل يزول عادة بعد الولادة لدى الغالبية العظمى من النساء، وفقط في بعض الحالات القليلة يمكن أن يتطور إلى الداء السكري. وفي الختام، لا بد من التذكير بضرورة مراقبة مستويات السكر في الدم خلال فترة الحمل، ولاسيما لو قامت المرأة الحامل بشراء جهاز خاص منزلي لإجراء الفحص الذاتي لمستوى السكر في الدم بضع مرات في اليوم، قبل كل وجبة رئيسة وبعد ساعتين منها.