عندما كنت أراجع بعض أوراقي الخاصة عثرت على نسخة من خطاب كنت قد أرسلته ذات يوم الى أحد أصدقائي من «الإخوان المسلمين»، وكان ذلك منذ سنوات بعيدة، وقتها كنت أحث الخطا بعيدا عن «الإخوان»، وكنت أقفز خارج دائرتهم بعد ان تبين لي أنهم أقرب الى الخوارج، وكنت في هذا الخطاب أحاور صديقي هذا وأرد على خطاب كان قد أرسله لي يعاتبني فيه على مواقفي الناقدة ل «الإخوان»، كان يتهمني بأنني خنت العيش والملح، وكأن الذي يكشف عن جريمة ارتكبها مجرم حتى يقي الناس شره يكون قد خان العيش والملح! أو خاصم ففجر كما يقولون! وكان صديقي السابق قد أخذ في خطابه يعدد المثالب التي ستعود على الحركة الإسلامية بأسرها بسبب نقد جماعة الإخوان علنا على الرأي العام، والغريب أنه كان يوافقني على كثير من انتقاداتي، بل كان يزيد عليها أحيانا!! فكتبت اليه خطابي الذي عثرت على مسودته حيث قلت له فيه: (يا عزيزي مع كامل تقديري لك الا أنني لا أنتقد من «الإخوان» أنظمتهم الداخلية، كما أنني لم أقترح عليهم أو أنصحهم باعادة تنظيم مؤسساتهم الداخلية أو اعادة هيكلة كيانهم…فلو أتيت اليهم وقلت علناً: ينبغي على «الإخوان» تغيير نظام الأسرة مثلا الى نظام الوحدة..وتغيير نظام الكتيبة الى نظام المجموعة المجاهدة..أو مثلاً أقترح الغاء الشعبة أو ما شابه ذلك فحينئذ لك الحق ان تقول: لا شأن لك يا أخي بهذه الأمور فهي من أخص خصوصياتنا التنظيمية ولنا الحق ان نقيم كياننا كيف نشاء وبما نشاء….ولكن الأمر يا عزيزي أرحب من ذلك، فجماعة الإخوان حينما قدمت نفسها للجماهير تقدمت بحسب أنها تحمل فوق أكتافها الحل الذي قالوا عنه «الحل الإسلامي» كما أنها طرحت نفسها للكافة باعتبار ان أفكارها بل كيانها كله هو طريق الخلاص للأمة، وفوق ذلك فانها قدمت نفسها في النقابات والأندية واتحادات الطلبة والبرلمان باعتبار أنها «راعية الحل الإسلامي» ثم من بعد ذلك سلكت طريق البحث عن الحكم وتقلد مسؤولية الرئاسة للبلاد، لذلك فان من حقى انتقادهم واذا صدرت منهم جرائم فمن حقي الضرب على أيديهم ومطالبة محاكتهم فاذا اشتدوا في الغلو فمن حقي ومن حق المجتمع كله المطالبة باقصائهم، فبلادنا ليست حقل تجارب للأفكار الشاذة). كان هذا هو نص الخطاب الذي أرسلته لصديقي ذات يوم، وحدث ما كنت أتوقعه، وصل «الإخوان» للحكم، فماذا فعلوا بنا وفينا، وكيف حكمونا، وكيف جثموا على أنفاسنا؟ أي شخص يملك في رأسه عقل رأى منهم ما يشيب لهوله الولدان، ولكنهم كانوا يظنون أنهم ينتصرون للإسلام، قتلوا وخدعوا وكذبوا ووعدوا وأخلفوا، انتصارا للإسلام، كل الجرائم أصبحت لديهم مباحات، وكل الحلال أصبح عندهم محظورات، نظروا لنا على أننا من الكفار وأن دماءنا مباحة لهم، ونظروا لأنفسهم على أنهم أصحاب النقاء العنصري، والنقاء العقائدي، هم فقط أصحاب الحق وغيرهم أصحاب الباطل. رأينا الخطاب المتناقض للإخوان، يقولون ما لايفعلون، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، تشبهوا باليهود وصهيونيتهم، فأصبحوا هم صهاينة المسلمين، تستطيع القول ان جماعة الإخوان يشكلون أو شكلوا عبئا كبيرا على أمتنا، اذ أنهم فقدوا الرشد، وغاب عنهم العقل، فسدت سمكة الإخوان من رأسها ففسد باقي جسدها، ثم ساد الفساد فساد، وكانت مواقفهم المتناقضة مثار سخرية المصريين، حتى أننا أصبحنا ننظر اليهم على أنهم نكتة مأساوية. ولعلي أصارحك عزيزي القارئ بسر خالج نفسي وأنا أكتب هذا المقال، إذ قلت في نفسي رحم الله المتنبي الذي قال: وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا كنت أتمنى ان يكون حيا يسعى بيننا بأشعاره لنعرف منه ماذا كان سيقول حينئذ لو رأى جماعة الإخوان؟ أظنه كان سيقول عن مرشدهم بديع أو رئيسهم مرسي: هو العبوس على لا شيئ يعبسه الا ليبدو عميق الفكر وهو خلي. تراه منفعلا في غير مشكلة وفي المشاكل يبدو غير منفعل