ألسن عين شمس تعلن فتح باب القبول ببرامج الدراسات العليا    انتخابات الشيوخ، محظورات خلال فترة الدعاية يجب على المرشحين تجنبها    أسعار الذهب في عمان اليوم السبت 19 يوليو 2025    الاتحاد الأوروبي يرحب باتفاق وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل    مشروع احتراف لاعبى اليد فى أوروبا    طقس غداً الأحد حار رطب نهاراً مائل للحرارة ليلاً    عايدة رياض: متفائلة ب "220 يوم" وانتظر رأي الجمهور    حالة الطقس في محافظة الفيوم غدا الأحد 20-7-2025    انتشال جثتين أسفل أنقاض عقار الساحل.. وإخلاء 11 منزلًا    الزناتي : نظمنا 143 دورة تدريبية بالتعاون مع الأكاديمية العسكرية    جنات تنضم لنجوم الصيف وتكشف موعد طرح ألبوم «ألوم على مين»    العلاقات «المصرية - السعودية».. شراكة استراتيجية وركيزة استقرار للشرق الأوسط    أضخم موازنة فى تاريخ مصر تدعم النمو والحماية الاجتماعية    مودرن سبورت يضم شهد هشام رشاد في صفقة انتقال حر    أسامة نبيه يدفع بتشكيل جديد لمنتخب الشباب فى الودية الثانية أمام الكويت    تعويض إضافى 50% لعملاء الإنترنت الثابت.. وخصم 30% من الفاتورة الشهرية    35% زيادة فى أسعار برامج رحلات العمرة لهذا العام    حصاد الأسبوع    أرقام مصرية قياسية فى الغذاء والدواء والطاقة    محمد رمضان يطرح أحدث أعماله الغنائية بعنوان «من ضهر راجل» (فيديو)    حسن سلامة: العلاقة بين مصر والسعودية أقوى من محاولات الفتنة والتاريخ يشهد    احتجاجات غاضبة بالسويد ضد جرائم إسرائيل في غزة    «أمن قنا» يكشف ملابسات العثور على «رضيع» في مقابر أبوتشت    جهاز المحاسبة الألماني يحذر من عجز محتمل في صندوق المناخ والتحول التابع للحكومة    فيلم مصري يقفز بايراداته إلى 137.6 مليون جنيه.. من أبطاله ؟    بسبب القروض.. حبس 5 متهمين بخطف شخص وتعذيبه في البساتين    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدمت 5.47 مليون خدمة طبية مجانية خلال 4 أيام    التفاصيل المالية لصفقة انتقال راشفورد إلى برشلونة    براتب 900 يورو.. آخر فرصة للتقديم على فرص عمل في البوسنة ومقدونيا    فستان جريء ومكشوف.. 5 صور ل نادين نجيم من حفل زفاف ابن ايلي صعب    ليالي المسرح الحر تختتم الدورة ال20 وتعلن نتائج المسابقات    الأعلى للشئون الإسلامية يواصل رسالته التربوية للأطفال من خلال برنامج "إجازة سعيدة"    قوات العشائر تسيطر على بلدة شهبا بريف السويداء    الأهلي يعلن استقالة أمير توفيق من منصبه في شركة الكرة    يومًا من البحث والألم.. لغز اختفاء جثمان غريق الدقهلية يحيّر الجميع    ضبط 20 سائقًا يتعاطون المخدرات في حملة مفاجئة بأسوان (صور)    دون إبداء أسباب.. روسيا تعلن إرجاء منتدى الجيش 2025 إلى موعد لاحق    هل يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها إلى زوجها الفقير؟.. محمد علي يوضح    دعاء أواخر شهر محرم.. اغتنم الفرصة وردده الآن    بلغة الإشارة.. الجامع الأزهر يوضح أسباب الهجرة النبوية    وفد الناتو يشيد بجهود مصر في دعم السلم والأمن الأفريقي    روسيا: مجموعة بريكس تتجه نحو التعامل بالعملات الوطنية بدلاً من الدولار    وزير الصحة يوجه بتعزيز الخدمات الطبية بمستشفى جوستاف روسي    محافظ كفرالشيخ ورئيس جامعة الأزهر يتفقدان القافلة الطبية التنموية الشاملة بقرية سنهور المدينة بدسوق    ليلى علوي نجم الدورة 41 لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط    داعية إسلامي يوضح أسرار الصلاة المشيشية    وزير الكهرباء والطاقة المتجددة يتابع مستجدات الموقف التنفيذي لأعمال توفير التغذية الكهربائية لمشروعات الدلتا الجديدة    ضبط طن من زيت الطعام المستعمل داخل مصنع مخالف لإعادة تدوير زيوت الطعام ببنى سويف    إعادة الحركة المرورية بالطريق الزراعي بعد تصادم دون إصابات بالقليوبية    هل خصم فيفا 9 نقاط من الإسماعيلي؟.. النادي يرد ببيان رسمي    ليفربول يعزز هجومه بهداف أينتراخت    اتفاقية تعاون بين جامعتي بنها ولويفيل الأمريكية لإنشاء مسار مشترك للبرامج    خبر في الجول - جلسة بين جون إدوارد ومسؤولي زد لحسم انتقال محمد إسماعيل للزمالك    الصحة: إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    أسعار اللحوم اليوم السبت 19-7-2025 بأسواق محافظة مطروح    كل ما تريد معرفته عن مهرجان «كلاسيك أوبن إير» ببرلين    سوريا وإسرائيل تتفقان على إنهاء الصراع برعاية أمريكية    أحمد كريمة عن العلاج ب الحجامة: «كذب ودجل» (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مات صديقي فأصبحت بقايا إنسان!
نشر في الوفد يوم 29 - 04 - 2011

اختطف الموت كنزي الذي ادخرته أيام الصبا عصا أتوكأ عليها في خريف العمر، واقتطع نصف جسدي الأيمن حيث تسكن الملائكة، فطارنصف عقلي ونصف قلبي ونصف ضلوعي ونصف الرئة القادرة على تنقية هواء الدنيا الملوث بكل الموبيقات. تركني صديقي حطام بشر وبقايا إنسان به النصف الأسوأ في كل شىء حيث تعشش الوساوس والشياطين، ونقط العقل السوداء، والدم الأزرق الباحث عن ذرة أوكسجين، ورئة متهتكة غير قادرة على التقاط الأنفاس. مات صديقي الأوحد.. الذي كان يمشي أمامي فيصبح نور العين الذي يضيء لي الدنيا، والسيف الذي يحمي قلبي والبسمة التي تعلو شفتي، فإذا سار ورائي يصبح الدرع الحامية لظهري، وجيشي الذي أحتمي به من غدر الزمان والأعداء والرفاق، فإذا حازاني، فتارة هو الأب الحاني الذي يحتضنني بين جناحيه، وتارة الأخ مهاب الطلعة طويل القامة قوي الشكيمة وعزي الذي أفخر به، وهو في كل حين، الصديق الوفي الذي أتباهى به في دنيا البشر التي خلت من بعده من الأوفياء.
آه .. آه يا صديقي.. يا حبيبي.. يأ أخي يا رفيق الدرب فعلتها واستسلمت للموت قبل أن آذن لك أو تخبرني بأنه قادم إليك كي أدفعه عنك أو أموت دونك. فليس هذا ما اتفقنا عليه عندما بنيت القبر الذي حلفنا أن يضم جسدينا، ليصهره أديم الأرض، فتصبح عظامنا النخرة، عظم واحد، وشحومنا ولحومنا المتحركة في هيكلين جسد واحد كما كنا نريد في الدنيا. ياصديقي ما اتفقنا على الفراق.. فقد سمحت لك بأن تسافر في إجازة قصيرة عدة أيام بل عدة ساعات بعد أن ضاق صدرك من هم الدنيا، وأردت الانفراد بفسحة من الوقت مع أولادك، تقضيها لأول مرة منذ سنوات، حتى يكونوا على مسافة قريبة من قلبك. ما وافقت لك على أن تتركني وحيدا أتجرع نار الوحدة الموحشة، ومرارة الفراق، وضغوط العمل التي أودت بحياتك وأنت في ريعان الشباب. لماذا أخلفت وعدك لي بأنك ستكون حامل نعشي ومودعي في القبر وراعي أولادي، فأنا أكبر منك سنا وأولي منك بالموت؟!.
آه .. آه يا ابن القاضي، تموت قبلي وتتركني في هذه الظلمة الموحشة، فلم أعد أملك سوى جسد محطم وشريط من حكايات لن يراها من حولي، تدفعني تارة للضحك وأخرى للبكاء، فأبدو كالمجنون. أتتذكر يا عادل كيف التقينا للمرة الأولي.. فأنا لا أدري حتى الآن..كل ما أعرفه أننا تقابلنا على طريق واحد بين مدرجات كلية الإعلام منذ 30 عاما، فإذا بهذا الطريق، يصبح كالقضبان التي تدفعنا سويا إلى مقعد واحد في قطار يتخبط بنا في الدنيا، فتارة يرفعنا وأخرى يهوي بنا في واد سحيق، على أمل أن يكون الطريق الذي سرنا عليه هو الصراط المستقيم الذي سنمشي عليه من الدنيا للأخرة.
الآن أخبرك يا ابن القاضي أن طريق الأشواك الذي كنت تمشي عليه في هذه الدنيا قد دفعت عليه رسوما غالية لم أخبرك بكل تفاصيلها، فعندما طردت من المدينة الجامعية في السنة الثالثة بعد حصولك على تقدير جيد جدا، كانت تهمتك الوحيدة التي أخبرنا بها ضابط أمن الدولة أنك صليت ذات مرة في مسجد يرتاده " إسلاميون وإخوان مسلمون". وعندما طرد أخوك الضابط من وزارة الداخلية بسبب ظاهر هو علة في صحته وانفعالاته الزائدة، كان الهدف من وراء ذلك تأديبك لأن الأمن وجد فيك الصحفي المشاغب والمسئول غير المتعاون بل كان مصمما على أنك أحد المنتمين للإخوان المسلمين. فعندما توجهت ذات مرة بشكواك لإحدى قيادات الداخلية قال لي: أعلم أنكما أصدقاء، ولكن لماذا القاضي فأنت رجل ليبرالي بالوفد وهو من جماعة الإخوان: قلت له الآن علمت يا ضباط أمن الدولة أنكم فعلا تأخذون معلوماتكم من " بتوع البطاطا" فلا أنا وفدي بالمفهوم الذي تحسبونه رغم عملي بالجريدة وعضويتي بالحزب، ولا هو من الإخوان المسلمين". فقد كان قلبك يا ابن القاضي أكبر من الإخوان وأوسع من كل التيارات الإسلامية، وفكرنا يضيق صدرا بالوفد عندما تتعارض السياسة مع ما نؤمن به وحبنا لذرات تراب الأرض التي نمشي عليها في الوطن. صنفوني ليبرالي لأني كما كنت تكره أسب وألعن من يضايقني أو يتحرش بي، بينما أنت إسلامي وإخواني لأنك كنت متسامحا مع الغادرين عفوا عن اللئام والماكرين، كنت لا أجد غضاضة في الجلوس على طاولة من يشهرون عداءهم للدين باسم الحرية والليبرالية، بينما كنت تتجنبهم وتتحاشى أن يدفعوك إلى هاوية المجون. هكذا كانت اللافتة على صدرنا بأنك إسلامي وأنا ليبرالي، رغم أن قلبنا واحد، ولكن لسانك الطاهر الذي لم ينطق أبدا بسوء كان مؤشرا بوضعك في خانة الخطيرين على الأمن والنظام، بينما لساني المنحل في كثير من الأحيان يحميني من بطش السلطة وغضب المسئولين.
الآن يا عادل آمنت بأنك كنت على الحق، فلم تنفعن الشتائم، ولم تضرك المكائد، وأن الأمور تسير بمقادير لا نعلم أسرارها ولا غاياتها، ومتى تبدأ وكيف تنتهي؟. فكم من ماسك بالمصحف أيام الجامعة كان ينهرنا عندما نطير كالفراشات وفيروز تغني ونشغل الكاسيت الذي أرسله أبوك أثناء عمله مدرسا باليمن، البرنامج الموسيقي فنسمع روائع يوهان اشتراوس وبيتهوفن وعبد الحليم، ثم نصلي خلف الشيخ محمد حسان المغرب والعشاء، ونعود لغرفتينا تخطف مني الزبادي وأجري وراءك كالصبيان. تنتهي المعركة اليومية بأن نجتمع معا لنضرب زميلنا عبد الحليم غزالي أو محمود حسونة، لأنهما أردا قطع لهو الصبية الذي يحلو لنا ممارسته في المدينة الجامعية وبين المدرجات. كنا ننام على سرير واحد نرسم خيوط قصة حبك لفتاة عمرك وزوجتك وكيف نحل مشاكل أسرتينا وأصدقائنا. أتذكر يا عادل حامل المصحف هذا عندما ألقى به أرضا وقال بعد التخرج: إذا أردت العلى فعليك بكأس المدامة ومجالسة أصحاب الفلوس والرءوس، وكيف قابلنا هذا الرأي بشراسة، فإذ بأمثاله يعلون في الأرض ونحن نشق طريقنا كمن يحفر في الصخر، وتنهال عليهم الأموال من كل صوب، بينما تدفع أنت 14 عاما من الغربة 5 سنوات في السعودية لشراء شقة صغيرة، و4 أخرى لامتلاك سيارة، ثم تذهب للإمارات 4 سنوات لفرش الشقة وعامين آخرين لتجديد السيارة وتعود بعد شقاء العمر خالي الوفاض لا تملك من حطام الدنيا سوى دراهم معدودات ندفع منها اتاوات للضرائب والتأمينات والوفد والدائنين. الآن أقول لك إنك كنت الرابح في معركة الحياة، فلا دوام لشهرة ولا قيمة لمال، بعدما رأيت في قلوب محبيك ومشيعيك.
أعذرني يا صديقي إذا قلت لك اليوم إني كنت أحسدك، أحسدك على صبرك الجميل على كل من ظلمك ومن أساء إليك عن قصد، حتى صبرك على من ظلموني ووقفت تدافع عني بشراسة وطيب خلق، بينما كنت أصب لعنتي عليهم وأفضل مواجهتم بالشتائم. أحسدك لأني لا أملك قلبا طيبا مثلك قادرا على التسامح إلى هذا الحد، ولكني أعدك اليوم بألا أسب أو ألعن أحدا، ليس لأني فقدت مصدر قوتي ودرعي التي كانت تحميني، بل لأني أريد أن ألحق بك حيث أنت. فالطهر الذي عشت به مثواه الجنة، وكنت أيام ملاعناتي أراك فأجدد إيماني، وأنا اليوم افتقدك فمن سيعيد لي هذا الإيمان، ويضمن لي أن ألحق بجوارك. يا عادل يا ابن القاضي.. سأظل أناديك هكذا كما أحب أن أناديك إلى أن ألقاك، ويقيني اليوم أنك بجوار ربك راضيا مرضيا، فادعو لي بسرعة اللقاء قبل أن يتحلل جسدك وتتجمد عظامك، فأنا بدونك في الدنيا أشلاء بشر وبقايا إنسان.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.