أحيانا اللاعب الماهر يلعب الكورة "دبل كيك" فتخبط فى وجهه، وقد تسبب له عاهة مستديمة، فالنظام الاقتصادى العالمى قائم على تحرير التجارة والتعاون المشترك وهو ما سمى بالعولمة، ويعتمد على ثلاثة مؤسسات كبرى، هى البنك الدولى وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية. الطريف أن أمريكا قادت تأسيس هذا النظام ومؤسساته بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ولكن الرئيس الحالى قرر التراجع وعودة السياسات الحمائية وزيادة التعريفة الجمركية، بحجة إعادة توطين الصناعة، واستخدام الإيرادات المتوقعة فى سد عجز الموازنة، مع مناشدة حائزى السندات الأمريكية لتحويلها إلى استثمارات! فما مدى نجاح هذا التوجه؟.. ولماذا لم يلجأ إلى الأدوات المعروفة مثل ترشيد النفقات وزيادة الضرائب المحلية والصادرات؟ جاءت الإجابة واضحة من الخبراء الذين شاركوا فى ندوة المركز المصرى للدراسات الاقتصادية لمناقشة الموضوع، حيث أجمعوا على أنه يرغب فى تنشيط الاقتصاد الأمريكى وسد العجز فى ميزانه التجارى على حساب الآخرين، أى يحاول تصدير "أزمته الداخلية" إلى العالم وشركاءه التجاريين وخاصة أوروبا والصين، فضلاً عن تحميل العالم تكلفة زيادة النمو فى الاقتصاد الأمريكى. الخبير الدولى عبد الحميد ممدوح رئيس القطاع التجارى السابق بمنظمة التجارة الدولية، يرى أن أمريكا تحولت من قيادة النظام التجارى العالمى إلى هدمه بشكل غير مسبوق، واصفا نظام ترامب بالفردية المطلقة بعيدًا عن المؤسسات والأطر القانونية. موضحا أن "البطحة" هذه المرة أصابت الحلفاء قبل الأعداء، وإذا كان الميزان السلعى يعانى من عجز، فميزان الخدمات الأمريكى حقق فائضا ضخما، ولا تشكل الصناعة الأمريكية سوى 8%، بينما تساهم الخدمات بنسبة 80% من الناتج المحلى الأمريكى! د. عمر الشنيطى المستشار بالمركز أشار إلى العجز فى نمو الاقتصاد الأمريكى فى الربع الأول من العام الحالى، موضحا أن تلك الإجراءات سوف تأتى بنتائج عكسية، وأن الموضوع سياسة أكثر منه اقتصاد، فالهدف محليًا "تسديد فواتير انتخابية"، وخارجيًا كسر شوكة الصين وتحجيم قدراتها التكنولوجية والاقتصادية. د. عبلة عبد اللطيف مدير المركز أكدت أن العالم أصبح "قرية صغيرة" ويعتمد على ما يسمى بسلاسل الإنتاج والإمداد، ولم تعد المنتجات تصنع بالكامل فى دولة واحدة كما كان يحدث من قبل. والأهم أن التوجيهات الأمريكية الجديدة سوف تُقوّض النظام التجارى العالمى الذى استمر عشرات السنوات وتميز "بالاستقرار والتوقع"، وهو ما يهتم به المستثمرين. شكرًا د. عبلة والزملاء بالمركز المصرى على مجهوداتكم البحثية المخلصة.