الأربعاء قبل الماضي شرفت بوجودي ضمن وفد من الإعلاميين ورؤساء التحرير في زيارة لمركز السيطرة المتكامل للشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة بالعاصمة الإدارية، بدعوة من إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة. خلال الطريق للوصول للمركز تذكرت قبل ثماني سنوات وبالتحديد نهاية عام 2017، عندما ذهبت بصحبة عدد من الزملاء بمجلة أكتوبر لنقوم بزيارة على أرض الواقع لمشروع إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة. المشهد قبل ثماني سنوات كان مختلفًا كليًا، كل الأحياء التي باتت تعج بالحياة كانت مجرد أماكن صحراوية تنتظر معدات العمل للتشييد، بعد استلام مخططات البناء وبدء عملية الإنشاء. لكن أعمال البنية التحتية للعاصمة ومنذ اليوم الأول كانت تجرى على قدمٍ وساق، وهو ما يدلل أن كل ما يتم على الأرض جرى التخطيط له بدقة شديدة وفق رؤية علمية. لم نكن فى ذلك الوقت ندرك أن الحديث عن العاصمة الإدارية سيتحول إلى واقع ينقل الدولة المصرية ومستوى الخدمات بها إلى هذا المستوى العالى الذى كان حلمًا بل خيالاً، فأصبح واقعًا. كل مكان بالمدينة يشهد تطورًا ملحوظًا بشكل يومي، فمنطقه المال والأعمال أصبحت أبراجها من ناطحات السحاب تعانق السماء، والنهر الأخضر الذى يعد بمثابة رئة المدينة الذكية زيّنته الأشجار الخضراء والحدائق وممرات المشاة، والخدمات المختلفة على غرار نهر النيل يربط كل أحياء العاصمة بطول 35 كم ويضم حديقة مركزية من أكبر الحدائق على مستوى العالم. وصلنا إلى مقر القيادة الاستراتيجية، بالعاصمة الإدارية رافقنا مجموعة من طلبة الجامعات (جامعة السويس وجامعة الزقازيق) ضمن الرحلات التى تنظمها قوات الدفاع الشعبي، وفق توجيه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، لكى يتعرف أبناؤنا على ما تم إنجازه خلال الفترة الماضية على أرض الواقع، إنها عملية بناء وعى فى ظل حرب شرسة تعتمد بشكل كبير على تغييب العقول والسيطرة عليها. ولأن قوى الدولة الشاملة شهدت تطورًا كبيرًا وأصبحت قدرات الدولة التكنولوجية جزءًا من قياس قوى الدولة الشاملة، كان حرص الرئيس على بناء بنية تحتية تكنولوجيه قوية أحد الأهداف الاستراتيجية للدولة فى الجمهورية الجديدة. ولم يكن ذلك ليحدث ما لم يتم وفق أحدث النظم العالمية ووفق متطلبات الدولة المصرية للوصول إلى الهدف الأكبر، بناء قوة الدولة والعمل على تنمية قدراتها فى ظل المتغيرات الدولية الجديدة، والنظريات التى اعتبرت القدرة التكنولوجية أكثر القدرات تأثيرًا على قوى الدولة الشاملة، وكذا قدرة الدولة فى الحفاظ على البيانات الخاصة بها وكيفية الاستفادة منها. (1) فى الخامس من يوليو عام 2020 صدر توجيه من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بإنشاء الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة، وفق ما يجرى العمل به فى العديد من دول العالم المتقدم. كانت فلسفة المشروع ترتكز على ضرورة تقديم خدمة تليق بالمواطن المصرى والدولة المصرية ووفق مقاييس عالمية، خاصة أن مستوى جودة الخدمات يعبر عن قوة الدولة وقدرتها على مواجهة الأزمات. لكن ذلك لم يكن ليحدث لو لم تكن هناك بنية تحتية قوية فى مجال الاتصالات قادرة على تنفيذ المشروع وهو ما تم العمل عليه قبل صدور القرار. بدأت الزيارة بالوصول إلى المركز بعرض تقديمى عن الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة، وما يتضمنه من أحدث التقنيات التكنولوجية. ثم تم استعراض كيف تتم إدارة الأزمات من خلال منظومة متكاملة تربط بين جهات الدولة المختلفة، الأمر الذى يجعل متخذ القرار أمام المشهد كاملاً، وكأنه داخل مسرح عمليات الأزمة، مما يقلل من وقت اتخاذ القرار. فيتم تقديم بيانات كاملة حول الأزمة من كل التخصصات التى يمثلها مندوب لها داخل مركز السيطرة المتكامل، مما يعمل على اتخاذ القرار الصحيح. وإدراكًا من الدولة المصرية بأهمية تطوير الاتصالات فقد أولت اهتمامًا كبيرًا بذلك القطاع، فأقيمت عدد من المدن الذكية. لم يكن ذلك ليحدث ما لم تمتلك مصر القدرة فى هذا المجال، الأمر الذى جعل الدولة تحرص على بناء وإطلاق قمر صناعى للاتصالات. بالفعل وفى 26 نوفمبر 2019 تم إطلاق القمر الصناعى «طيبة 1» وتم تشغيله والتحقق منه بأيادٍ مصرية، من أجل توفير البيانات لكل الوزارات والهيئات، وفى كل القطاعات لتحقيق التواصل وتوفير البيانات التى أصبحت القوة الضاربة فى المعارك الحديثة. كما وفر القمر الصناعى «طيبة 1» الاتصالات للبعثات المصرية للخارج، وكذا تقديم الخدمة لصالح القطاعات الأمنية والتعليم والصحة والتعدين وكذلك المنافذ الحدودية وهيئة قناة السويس، وتوفير الإنترنت الفضائى داخل حدود الدولة المصرية للقطاع المدني، وأجزاء كبيرة من دول القارة الأفريقية، والآسيوية المجاورة لمصر، مما يرسخ علاقة مصر بتلك الدول كان هذا المشروع بمثابة خطوة مهمة على الطريق لإنشاء الشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ والسلامة العامة. وهو ما يدلل على أن خطوات العمل التى تجرى داخل الدولة المصرية لم تكن وفق هوى أو رؤية شخصية، بل تخطيط متكامل يأتى ضمن رؤية مستقبلية لبناء الدولة (2023) رسمها متخصصون من أبناء الوطن، بدقة شديدة، وفق منهج علمى صحيح، واحترافية فى التنفيذ، من أجل توحيد شبكة الاتصالات لتحقيق التكامل بين الجهات المعنية العامة، من خلال توفير البيانات على كل المستويات لتكون الصورة متكاملة أمام متخذ القرار، مما يساعد على سرعة الاستجابة للحدث وفق المقاييس العالمية، بهدف تقليل الخسائر وتقديم خدمة اتصالات مؤمنة. (2) لقد وفرت الدولة كل الإمكانيات لإنشاء تلك الشبكة فقامت بإنشاء 1003 أبراج محمول و1936 محطة محمول لتضاه ى فى بنائها مثيلاتها من الشبكات على مستوى دول العالم المتقدم. تم التصميم وبناء الشبكة وتشغيلها بعقول وأيادى أبناء مصر لتصبح العمود الفقرى لأجهزه الدولة، وترتبط بمركز التحكم الرئيسى وكل المراكز الفرعية بالمحافظات، والتى بدأت المرحلة الأولى منها بخمسة مراكز فى خمس محافظات والآن أصبحت 29 مركزًا يغطى محافظات الجمهورية كافة. كما زودت بمركز تحكم وسيطرة متحرك لاستخدامه أثناء الطوارئ والخدمات، بالإضافة إلى مركز السيطرة المتكامل بالعاصمة الإدارية والذى شرفنا بزيارته. تعرفنا على قدرات تلك الشبكة التى لم يكن لهذا المشروع أن يرى النور ما لم يتم إنشاء مراكز البيانات المؤمنة ضد أى حرب سيبرانية، وهو ما نجحت فيه الدولة المصرية من خلال إنشاء ثلاثة مراكز بيانات عملاقة تم افتتاحها فى إبريل من العام الماضي. فهى مؤمنة تأمينًا كاملاً للحفاظ على بيانات الدولة، وقد تم الاستفادة خلال عملية إنشاء الشبكة الوطنية للطوارئ من تلك المراكز، والتى تعد حصادًا لما تم إنجازه من تطوير كبير للبنية التحتية المعلوماتية خلال السنوات الست الأولى (2014/2020). كما تم الاستفادة من التجارب الدولية الكبرى، مما ساهم فى قدرة الشبكة على مواجهة الأزمات. لم يتوقف دور الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة على مواجهة الأزمات فقط، بل تستهدف الشبكة أيضًا التنبؤ بالمخاطر، من خلال تحليل البيانات المتاحة مما يساهم فى قدرة الدولة على مواجهة الأزمات فى توقيتات قياسية مع تقليل الفاقد. فنظرًا لعدد سكان مصر الضخم فهناك عدد ليس بالقليل من حالات الطوارئ اليومية، على سبيل المثال بلغ عدد وفيات حوادث السيارات عام 2021 أكثر من 7326 حالة كلفت الدولة خسائر بلغت 132 مليار جنيه، أما حوادث الحريق فقد بلغ عددها 49341 حادثًا نتج عنه 203 حالات وفاة و855 مصابًا. بالإضافة إلى حوادث السيول وغرق القوارب وحوادث الاختفاء والفقد التى تتطلب جهودًا كبيرة فى البحث والإنقاذ. الأمر الذى يستوجب سرعة التحرك واتخاذ القرار السليم فى أقل وقت ممكن لتقليل الخسائر البشرية والمادية، وهو ما تساهم فيه الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة. (3) تعمل الشبكة خلال الفترة القادمة على مزيد من التطوير لتصبح ذات رقم موحد مثل شبكة الطوارئ الأمريكية، وهو ما سيتم الإعلان عنه قريبًا لتوحيد كل الخدمات، والتى لم ينسَ مصممو الشبكة علاج كل التحديات فيستطيع ذوو الإعاقة التواصل من خلال الشبكة وتقديم أى بلاغ لهم، وكذا كبار السن، وكذا ضيوف مصر من الأجانب، فهى تتلقى البلاغا ت بلغات مختلفة وفى سرعة ودقة عالية، يستطيع من خلالها المواطن الحصول على كل الخدمات وذلك عند الاتصال برقم واحد. كما توظف الشبكة تقنية الذكاء الاصطناعى فى تحليل البيانات للحوادث بدقة، واستخدام نتائجها فى تحديد الأسباب الحقيقية للحوادث، وتحليل لإدارة العمل ووضع خطة استباقية لمنع تكرارها وتفاديها تم إنشاء وافتتاح المركز الرئيسى فى 31 أكتوبر 2022. خلال زيارتنا تصادف وجود محافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر، خلال إدارته لأزمة من مركز السيطرة المتكامل الرئيسى للشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة، إثر حدوث انقطاع للتيار الكهربائى بإحدى المناطق بشرق القاهرة والتى يوجد بها عدد من المستشفيات التى بها حالات فى الرعاية المركزة، وحالات لأطفال داخل الحضانات. شاهدنا كيف عملت كل أجهزة الدولة فى توقيت متزامن لمواجهة الأزمة وحلها والتقليل من آثارها، فسيارات الإسعاف المجهزة، هرعت لإخلاء المرضى إلى مستشفيات أخرى، كما قامت شركة كهرباء شمال القاهرة بتوفير عدد من المولدات الكهربائية بالمنطقة حتى تمام إصلاح العطل، والأجهزة الأمنية والدفاع المدنى قامت بالوصول إلى موقع الأزمة، وكذا رؤساء الأحياء وسيارة مركز السيطرة المتحرك. الجميع يعمل كخلية نحل كلٌ يقوم بمهمته وينقل ما يجرى بالصوت والصورة إلى مركز العمليات الرئيسي، الذى به خلية إدارة الأزمة، بالإضافة إلى مجموعة إدارة الأزمة بالمواقع المختلفة.. بيانات متعددة وتحليل دقيق وقرار سريع واحترافية فى العمل، شاهدناها من داخل المركز لنموذج أزمة أدارها محافظ القاهرة لم تستغرق سوى 10 دقائق حتى كان الرد "تمام يا فندم تم إصلاح العطل وتم إعادة التيار الكهربائى للمنطقة". تذكرت وأنا داخل مركز السيطرة الرئيسى ما حدث لزميل لى بدار المعارف، حادث حريق بمنزله بالمرج فأصيب هو وزوجته وأبناؤه واثنان من أفراد أسرة زوجته، فتم نقل بعضهم إلى مستشفى السلام بالقاهرة وآخرين إلى مستشفى بالحوامدية وابنته إلى مستشفى الحروق بالشرقية. ولم أكن أعلم السبب فى ذلك حتى زيارتى للمركز، فوجدت الإجابة بأن كل غرف الرعاية وعدد الأسرَّة الموجودة بها على مستوى الجمهورية هناك بيان لحظى بها، كما أنه لم يعد مرفق الإسعاف ينقل المصاب إلى دائرة المحيط الذى يتواجد به فقط، بل يتم وفق توافر الأماكن لسرعة إنقاذ الحالات المصابة والذى تحدده الغرفة المركزية. فبمجرد ورود بلاغ لحادث على الطريق يتم تحديد المكان عبر خدمة تحديد المواقع، وينقل ما يجرى فى موقع الحادث بالصوت والصورة إلى الغرفة المركزية لمتابعة التطورات ومواجهة الأزمة، ونقل المصابين إلى المستشفيات وفق احتياجات الحالة وتخصصها. إنها نقلة نوعية غير مسبوقة فى تقديم الخدمات، يجرى العمل عليها وتثبت أن بناء قوة الدولة لم يكن إلا نتاج عمل وجهد متواصل، وإيمانًا ببناء دولة قادرة على مواجهة التحديات ورسم مستقبل أفضل لمواطنيها. شكرًا رجال المهام الخاصة
نجاح العملية التي قام بها رجال المهام الخاصة، فى تحرير المصريين المختطفين، من قبل ميليشيا الدعم السريع، بالتنسيق مع السلطات السودانية، تؤكد على الاحترافية فى تنفيذ المهام، والتى جاءت بناءً على توجيهات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لاستعادة المصريين المختطفين، وتؤكد على قوة وقدرة الدولة على حماية مواطنيها فى أى مكان على وجه الأرض. فقد نجحت الأجهزة المعنية في مصر، بالتنسيق مع نظيرتها بالسودان الشقيق، في نقل المصريين المحررين من مناطق الاشتباكات بوسط الخرطوم إلى مدينة بورسودان، وإعادتهم سالمين إلى أرض الوطن. فشكرًا للأبطال من رجال المهام الخاصة، الذين قامو بتنفيذ العملية باحترافية شديدة.