يطن فى رأسى منذ مدة حكاية دول "النمور الآسيوية"، ولما كنا فى شهر الحكايات، تحاصرنا الدراما من كل جانب، والواقعى منها أصعب وأكثر فجاجة من دراما الخيال المؤلفة، قلت لماذا لا نستعيد حكاية دول "النمور الآسيوية" لعلنا نجد فيها العظة والعبرة أكثر من كثير من الدراما الرديئة التى باتت تقتحمنا ليل نهار، ومن منا لم يسمع من قبل بمصطلح "النمور الآسيوية" الذى أطلق على 4 دول تقع جنوب شرق آسيا، وهى دول: تايلاند وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، وهونج كونج. ومن منا لم يسمع عن تجربة هذه الدول فى النمو الاقتصادى الهائل الذى حققته خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضى؟، ذلك قبل أن يضرب اقتصاديات هذه الدول الانهيار المفاجئ، بين عشية وضحاها، والذى بدأ يوم الإثنين من الأسبوع الرابع لشهر أكتوبر عام 1997.. وهذا اليوم الفارق فى تاريخ هذه الدول عُرف فيما بعد باسم "يوم الإثنين المجنون"، وبدأت الأزمة العاصفة تضرب تايلاند، قبل أن تكر باقى "النمور" الأربعة، واحدة تلو الأخرى، ويضيف إليها البعض دولا أخرى، فى شرق آسيا، لكن تبقى الدول المشار إليها آنفا، المثال البارز على تجربة اقتصادية مهمة أثارت الدهشة فى وقت من الأوقات، ونالت إعجاب العالم، وخاصة الدول النامية والفقيرة، حيث استطاعت دول "النمور" خلال مدة زمنية لا تتجاوز 30 عاما أن تحقق نموًا اقتصاديًا هائلاً وتطورًا نال استحسان ومديح حكومات الدول، والمؤسسات، وشعوب العالم، وخبراء الاقتصاد خاصة هؤلاء الذين ينتمون إلى مؤسسات العولمة مثل البنك وصندوق النقد الدوليين، ومنظمة التجارة العالمية، وبالأرقام: خلال الفترة من عام 1965 إلى 1980 استطاعت كوريا الجنوبية أن تحقق متوسط معدل نمو سنوى بلغ حوالى 9.6 % وخلال الفترة من 1980 إلى 1990 بلغ هذا المعدل 9.4%، ومن 1990 إلى 1995 بلغ 7.2%، أما سنغافورة فبلغت هذه المعدلات خلال الفترات نفسها على التوالى: 10.1%، 6.4%، 8.7%، فيما حققت هونج كونج معدلات 8.6%، 6.9%، 5.6%، وكانت هذه المعدلات للنمو الاقتصادى، هى الأعلى على مستوى العالم فى هذا الوقت، وتزيد على ضعف معدلات النمو الاقتصادى فى الدول النامية، وأكثر من ثلاثة أضعاف النمو فى الدول المتقدمة، ومع هذا الانتعاش الاقتصادى زادت فى دول النمور معدلات دخل الأفراد، وتحسنت معيشتهم، وارتفعت معدلات الادخار، والاستثمار، وزاد الناتج المحلى الإجمالى، وصب هذا بدوره فى حجم الإنجازات التى حققتها تلك الدول، قبل أن تضربها صاعقة الإثنين المجنون انطلاقا من تايلاند. وتؤكد ورقة بحثية وضعها د. جاسم المناعى، أحد خبراء صندوق النقد العربى، أن سببًا أساسيًا من أزمة هذه الدول كان ارتباط عملتها بالدولار.. وعوامل أخرى بالطبع.
