الصراع الانجلو امريكى بخصوص عضوية بنك التنمية الآسيوى، المدعوم من الصين، يمثل الفصل الجديد فى المنافسة الدائرة بين الولاياتالمتحدةوالصين التى سيتحدد بناء عليها من الذى سيضع واعد الاقتصاد العالمى للقرن الحادى والعشرين. قد تكون سنغافورة هى أصغر الاقتصاديات الآسيوية لكنها بالتأكيد الأكثر نفوذا. ويرجع الفضل فىما وصلت إليه حاليا إلى مؤسسها لى كوان يو الذى توفى الأسبوع الماضى عن عمر ناهز 91 عاما. لى كوان يو هو أول رئيس وزراء لسنغافورة، وأول أمين عام وعضو مؤسس لحزب العمل الوطنى، قاد حزبه لثمانية انتصارات انتخابية، وكان عمره 35 سنة عندما حكم البلاد لفترة استمرت ثلاثة عقود متتالية، اشتهر بشكل كبير بصفته مؤسس سنغافورة الحديثة. وصفته مجلة الايكونومست بأنه صاحب واحدة من أعظم قصص النجاح الاقتصادى فى التاريخ. وقالت عنه المرأة الحديدية مارجريت تاتشر انه حول سنغافورة إلى قصة نجاح مذهلة رغم التهديدات المستمرة لدولته الصغيرة ولوجودها. وقال عنه الرئيس باراك اوباما انه عملاق تاريخى وأحد الاستراتيجيين العظماء فى الشئون الآسيوية، وأضاف أن لقاءه به فى عام 2009 كان مهما فى مساعدته لصياغة سياسته لإعادة التوازن لمنطقة آسيا باسيفيك. أما رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد فقال عنه فى عام 2012 «لى كوان يو بنى سنغافورة، وتحت قيادته تحولت الى دولة غنية للغاية». لى كوان يو حول سنغافورة من مستعمرة متخلفة نسبيا دون مياه وموارد طبيعية كافية إلى واحدة من أسرع الاقتصادات نموا فى العالم وإحدى النمور الآسيوية الأربعة العظمى لدول «العالم الأول» بقارة آسيا. بين عامى 1959 و 1990، خاض كوان يو العديد من الأزمات مع جيرانه اندونيسياوماليزيا. سيطر على الأوضاع المضطربة فى البلاد وأصبح حليفا» قويا» للنمو الاقتصادى الأمريكى العالمي. وبفضل موقع سنغافورة تمكن من تحويلها إلى أكبر ميناء تجارى فى العالم. وفى عام 1974 قام بتأسيس أنجح شركة استثمار مملوكة لدولة، وهى « تيماسيك هولدنجز» التى بلغ حجم أصولها فى 31 مارس 2014مستوى قياسيا قدر بنحو 223 مليار دولار. كوان يو أحكم قبضته على أمور الحكم وهو ما دفع معارضيه إلى اتهامه بالديكتاتورية، مع فرضه غرامات مالية باهظة على السلوكيات الخاطئة، وعقوبات تصل إلى الإعدام فى حالة ارتكاب جرائم خطيرة . ولكنه اعتمد فى سياسته على الاهتمام بالاقتصاد أكثر من السياسة وبالتعليم أكثر من نظام الحكم وكان من مبادئه أن الديمقراطية لا تؤدى إلى تنمية وان النظام أهم منها. اهتم كوان يو ببناء المدارس والجامعات، وإرسال البعثات التعليمية إلى الخارج. وكان الحفاظ على «النظام والنظافة» من أولوياته. وعلى الرغم من ضيق مساحة سنغافورة- 600 كيلو متر مربع- اهتم بالمساحات الخضراء وشجع زراعة الزهور. اعتمد على القطاع الخاص، شجع الاستثمارات الأجنبية، وضع قواعد صارمة للحفاظ على الكفاءة فى العمل والنظام والنظافة، حيث اهتم كثيرا بتحسين سلوكيات الشعب السنغافورى. تطوير صناعة الإلكترونيات حكومة كوان يو اهتمت بالصناعات الرئيسية وعملت على تشجيع تطوير صناعة الالكترونيات والصناعات الكيماوية، وأسست مجلس الإسكان والتنمية الذى وضع برنامج شامل للإسكان الشعبي. فى عام 1990 تخلى عن السلطة لمساعده جوه شوك طونج الذى تنازل عنها فى عام 2004 لرئيس الوزراء الحالى لى هسين لونج، نجل لى كوان يو. وسار ابنه على نهجه ففى عام 2005 قال إن التحدى الذى يواجه البلاد هو الانتقال من النموذج القديم ، من مجرد نموذج الدولة النظيفة الخضراء التى تعمل بكفاءة إلى الابتكار وريادة الأعمال واختراق قطاعات جديدة مثل الفنون وجميع مجالات الخدمات. يذكر انه بعد تركه الحكم، ظل كوان يو سياسيا «مرموقا»، يدلى بآرائه حول مستقبل البلاد. وقد تعدى نفوذه حدود سنغافورة حتى انه كان همزة الوصل فى أول مباحثات بين الصين وتايوان فى عام. 1993 وظلت سياسات كوان يو سارية المفعول بعده دون تغيير يذكر، وهو ما أدى إلى نشوب خلافات بين سنغافورة ودول أخرى. وعلى سبيل المثال، فى عام 1994 عاقبت سنغافورة مواطنا أمريكيا بالضرب بالعصا بسبب تخريب سيارات ورفضت طلب عفو من الرئيس الامريكى بيل كلينتون فى ذلك الوقت. الدولة المربية فى كتابه «من العالم الثالث إلى الأول: قصة سنغافورة 1965-2000» كتب لى كوان يو يقول: إن المراسلين الأجانب يسخرون كثيرا من نظام الحكم وجهود إعادة بناء الدولة بتسميتها «الدولة المربية» ولكن تلك الجهود جعلت من سنغافورة مكانا أفضل وإذا كانت بالفعل هى «دولة مربية» فانه فخور بما قام به من أجل شعبه. سنغافورة حلت هذا العام فى المركز 153 من 180 دولة فى مؤشر حرية الصحافة بعد روسيا وميانمار. وقد كتب عنه رئيس تحرير صنداى تايمز السابق يوما يقول انه لم يكن لديه منافس سياسى واضح، ليس بسبب حرصه على ذلك وإنما لم يكن هناك من يماثله فى الكفاءة والمهارة السياسية، وما حققه من تنمية وتقدم يهم المواطنين بالدرجة الأولى. فى عام 2014 كان الاقتصاد السنغافورى هو الأكثر تنافسية بعد الاقتصاد الأمريكى والسويسرى وفقا للمعهد الدولى لإدارة التنمية فى لوزان بسويسرا . ووفقا لتقرير البنك الدولى لعام 2015 سنغافورة هى أسهل مكان للقيام بالأعمال فى العالم. لكن سنغافورة تعد هى الاقتصاد الوحيد فى آسيا الذى يتمتع بتصنيف ائتمانى ممتاز «ايه ايه ايه» من وكالات التصنيف الثلاث الكبرى، ستاندرد آند بورز وموديز وفيتش. وخلال الفترة من عام 1976 وحتى 2014 بلغ متوسط النمو السنوى فى ناتجها المحلى الاجمالى 6.9٪ وذلك بفضل تعزيز التجارة وتشجيع الاستثمارات الأجنبية. وقد تضاعف نصيب الفرد من الناتج المحلى الاجمالى للبلاد خلال الفترة من عام 1960 إلى 2014 خمسين مرة إلى 51.717 دولار أمريكى، وذلك وفقا لبيانات مكتب الإحصاء السنغافورى. ///////////////// تعد سنغافورة هى الاقتصاد الوحيد فى آسيا الذى يتمتع بتصنيف ائتمانى ممتاز من وكالات التصنيف الثلاث الكبرى، أظهرت دراسة أن سنغافورة هى أفضل مقصد غير إسلامى للسياح المسلمين وذلك بفضل منتجاتها الحلال، لتصبح بذلك أكثر بلد غير مسلم «صديق» للزوار المسلمين حسبما أفاد المؤشر العالمى للسياحة الإسلامية الذى جمعت بياناته مؤسسة كريسنت رايتينج السياحية وشركة ماستر كارد وذلك أيضا بفضل منتجاتها الحلال وتعدديتها الثقافية التى ميزتها عن تايلاند وهونج كونج وتايوان فضلا عن مقاصد سياحية مشهورة مثل فرنساوالولاياتالمتحدة. ووفقا للمؤشر الذى نشرت نتائجه مؤخرا فقد تغلبت سنغافورة أيضا على بعض البلدان الإسلامية مثل جزر المالديف ومصر بعدما أحرزت نقاطا أكثر فى مجالات التعامل بود مع العائلات والأمان والخدمات. وشملت الدراسة مسافرين من 100 دولة. والسياح المسلمون هم من أسرع المجموعات المسافرة نموا ويعد اجتذابهم أمرا حيويا فى ظل تباطؤ الاقتصاد فى أوروبا والصين. ويبحث المسافرون المسلمون عن مطاعم تقدم المأكولات الحلال وعن المساجد وغيرها من المناطق المخصصة للصلاة كما يهتمون بالأمان. وتشير الدراسة إلى أن تصاعد المشاعر المعادية للمسلمين فى بعض الدول الغربية بالإضافة لزيادة هجمات المتشددين من بواعث القلق الأمر الذى ساعد فى حصول قارة آسيا على أفضل العلامات فى المؤشر.