ساعات تقوم من النوم ناسى إنت مين وفين.. شبه فاقد للذاكرة، تستمر الحالة لبضع ثوان ثم تعود لحالتك الطبيعية.. وقد يحدث أحيانًا نسيان مؤقت، وقد يستمر عدة ساعات، والتوصيف الذى وضعه الأطباء لهذه الحالة أن الذاكرة «تأخذ إجازة» أو «تضرب عن العمل» وهذه الحالة تحدث لمن هم بين الخمسين والسبعين عامًا. هذا النسيان المؤقت لا يلغى الذاكرة المتعلقة بقدراتك الشخصية، فتقود السيارة وتمارس أعمالك اليومية بشكل عادى، وكذلك قدرتك على التواصل مع الآخرين تظل فى حالة طبيعية. هذه الحالة قد تحدث بسبب الإجهاد والإرهاق الذهنى وقلة النوم، العمل المستمر دون أخذ فترة راحة. وأيضا بسبب تداخل الأحداث اليومية وكثرتها بشكل يصعب معه تخزينها بالشكل المطلوب. وقد تسبب أيضًا البدانة الزائدة، وعدم الانتظام فى تناول وجبات الطعام فى تلك الحالة، وأيضًا سوء التغذية وخاصة الذى يؤدى لنقص أوميجا3 ما يؤدى لضعف فى تغذية الدماغ وبالتالى ضعف الذاكرة، وأيضا نقص فيتامينات (B1 – B12 – A – E) والبوتاسيوم والفسفور والحديد.. كل ذلك يؤدى لضعف الذاكرة. استيقظت نايومى جيكوبز من نومها وهى لا تتذكر ما حصل خلال 17 سنة سابقة – نايومى كانت فى الثانية والثلاثين وأمًا لطفل عنده 10 سنوات – كل ذكريات إدمان المخدرات والإفلاس والتشرد التى عاشتها محيت من ذاكرتها. فتقول إن كل ما تتذكره هو أنها ذهبت لتنام فى سريرها عندما كانت فى سن المراهقة، وكانت تفكر ساعتها فى امتحانها القادم فى اللغة الفرنسية. استرجعت «جيكوبز» ذاكرتها بعد 8 أسابيع، لكن قبل ذلك كان عليها أن تتعامل مع الحياة وتتعلم استخدام تقنيات جديدة من الهواتف الذكية، وتتعلم كيف تتعامل مع ابنها. «جيكوبز» حكت قصتها فى كتاب بعنوان «فتاة منسية»، حالة «جيكوبز» تعتبر حالة فقدان ذاكرة نفسى، فلا يوجد تفسير فسيولوجى لعدم قدرتها على تذكر أحداث جرت خلال 17 عامًا مضت، فالنسيان أمر نفسى، يُحتمل حدوثه بسبب توتر عصبى أو صدمة نفسية. وتماشيًا مع هذا التحليل، تقول جيكوبز إنها لم تنس فقط خسارتها لشركتها وإدمانها على المخدرات، لكنها نست أيضا أن صديقها حاول أن يخنقها عندما كانت فى العشرين من عمرها، إن تشخيص حالة فقدان الذاكرة النفسى مثير للجدل، فبعض الأكاديميين يشككون فى وجود مثل هذه الحالة، وهناك حالة أخرى لمريضة تعرضت لحادث سيارة، وكانت تفقد ذاكرتها بالكامل كل ليلة، وهى أيضًا من الأعراض التى ليس لها تفسير فسيولوجى. إن حالات فقدان الذاكرة النفسى نادرة نسبيًا، والأكثر شيوعًا هو فقدان الذاكرة العضوى الناتج عن ضرر يصيب الدماغ، أو نتيجة مرض يصيب الأعصاب، وفقدان الذاكرة المصاحب للتقدم فى العمر ينتج عادة عن ضرر يصيب «الحُصيْن» وهو جزء فى الدماغ يقع فى كل فص صدغى قرب الأذنين، ويلعب دورًا مهمًا فى وظيفة الذاكرة. ولعل أكثر فاقدى الذاكرى الذين أجريت عليهم الأبحاث هو «هنرى مولازون»، الذى أجريت له جراحة عام 1953 أزالت أجزاء كبيرة من الجسمين اللوزيين فى الدماغ، لعلاجه من نوبات الصرع، نجحت العملية فى وضع حد لنوبات الصرع، لكنها أبقته معلقًا فى الزمن الحاضر فقط، وحتى وفاته. ورغم أنه كان يعرف من يكون ويتذكر أحداثًا من الماضى، إلا أنها لم تكن لتدوم أكثر من ثوان معدودة. تمت دراسة حالة مولازون لعدة سنوات، وكل يوم كان يحييى الباحثة «برينداملنر» وكأنها غريبة عنه، وكان يتناول وجبة طعام، وبعد نصف ساعة يتناول وجبة أخرى، لأنه لم يكن يتذكر برنامجه اليومى، واكتشف الباحثون أن مولازون لديه قوة تَحمُّل غير عادية للألم، وقد اختبروا ذلك عن طريق تعريض ذراعه لحرارة مرتفعة من جهاز يشبه مجفف الشعر، وهو ما يؤكد أن إحساسنا بالألم يتعلق جزئيًا بتذكرنا لما تعرضنا له فى الماضى من ألم، فقدرة مولازون على تحمل الألم ارتفعت بسبب إزالة الجسمين اللوزيين من دماغه، وهى الأجزاء المتعلقة بوظيفة الذاكرة. ولم تكن «فران جيل» – 25 عامًا – تعلم بأنها فى يوم ما، لن تتمكن من التعرف على أقرب أفراد عائلتها وأصدقائها، بعد عملية معقدة أجريت لها بسبب مرض دماغى نادر.. استيقظت جيل بعد العملية شخصًا مختلفًا تمامًا، بعد أن تم مسح ذكرياتها بسبب التهاب دماغى نادر، يبدأ فيه جهاز المناعة بالجسم بمهاجمة خلايا دماغية سليمة. وفقدت عالمة الأحياء البحرية كل ما كانت تعرفه، بما فى ذلك فترة تعليمها الجامعى التى امتدت 5 سنوات، وأصبح عليها أن تتعلم كيف تتعرف على كل شيء من حولها من جديد. تقول جيل: «لم أتخيل أن يكون لقائى مع الناس الذين أعرفهم منذ سنوات كأنه لقاء لأول مرة، إنه أمر محزن حقًا، أشعر أيضًا أننى ألتقى بنفسى مرة أخرى، لأنه ليس لدى أى فكرة على الإطلاق عما كنت عليه قبل اليوم». وتضيف: «يقول الناس إننى إنسانة جديدة، وإننى شخص مختلف، وإنهم مضطرون إلى قبول ذلك، كل ما أريده هو العودة إلى ذكرياتى القديمة الجميلة». بدأت مشكلة جيل بصداع نصفى أدى لبقائها فى السرير لمدة أسبوع، واعتقد الأطباء أن الصداع ناجم عن شدف عضلة الرقبة فى بادئ الأمر، لكن الأمر تطور بعد أيام، ونقلتها الإسعاف إلى المستشفى، وهناك أدخلت فى غيبوبة بهدف إنقاذ حياتها، لضمان عدم حدوث أى حركة مفاجئة قد تزيد حالتها سوءًا، وبعد أسبوع شعرت جيل بعد أن استيقظت فى المستشفى بأنها شخص مختلف تمامًا، وكانت غير قادرة على القراءة أو المشى أو التحدث لعدة أسابيع، حيث كانت لا تزال بحاجة إلى إعادة تعلم العديد من المهارات الحياتية الأساسية. وتقول جيل: «إن القيام بأبسط الأشياء مثل استخدام الكمبيوتر أو التسوق فى أحد المتاجر أصبح صعبًا للغاية، إنه من المحزن أن كل السنوات التى أمضيتها تم محوها مثلما يمسح أحدهم الطباشير عن السبورة»، وهناك حالات أخرى من فقدان الذاكرة تنتج عن ارتجاج المخ، وتعاطى المخدرات أو الكحول بكثرة، فيتسبب تناول الكحول فى حالات مؤقتة من النسيان، ويمكن أن يتسبب هبوط مفاجئ فى تدفق الدم إلى أجزاء الدماغ التى تقوم بوظيفة الذاكرة فى حدوث فقدان ذاكرة مؤقت، ولا يؤثر فقدان الذاكرة وحده على ذكاء الشخص أو معرفته أو درجة وعيه، أو حكمه على الأمور أو شخصيته، حيث يستطيع فاقدو الذاكرة فهم الكلمات المكتوبة وتعلم مهارات كقيادة الدراجة.. وقد يستوعب بعضهم حقيقة إصابته بخلل فى الذاكرة. إننا جميعًا فاقدو الذاكرة، فالنسيان ظاهرة طبيعية تحدث لنا جميعًا، ويندر أن يتذكر معظمنا أحداثًا وقعت فى السنين الثلاث أو الأربع من حياته، ولسبب ما، تُمحى تلك الذكريات ونحن نمر بسنين الطفولة اللاحقة وبفترة المراهقة. ولا يمكن مقارنة ذلك التشوش الحاصل فى ذاكرتنا مع ما يمر به البعض ممن يعانون من فقدان فعلى للذاكرة، إن المشاعر الصادقة محفورة على جدار القلب حتى لو ضعفت ذاكرة العقل، فعندما فقد الأديب «جابرييل جارسيا ماركيز» الذاكرة فى آخر حياته.. قال لصاحبه عندما جلس بجانبه: «أنا لا أعرفك.. ولكن أعرف أني أحبك.. المشاعر لا تُنسى أبدًا»، فعندما نفقد ذكرياتنا فإننا فى الحقيقة نفقد أنفسنا. لسه فاكر المكتوب فى السطور الماضية ولا نسيت..؟!