الرغم من الأخطار التى تحدق بالاتحاد الأوروبى وفى مقدمتها خطر التفكك فى أى لحظة بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية ومشاكل أخرى كثيرة يعانى منها منذ سنوات، وعلى الرغم من التشكيك فى جدوى وجود الاتحاد من الأساس وظهور آراء لخبراء فى المال والاقتصاد تؤكد أن سلبياته التى تقع على الدول الأعضاء أكثر من إيجابياته، وفى الوقت الذى نرى فيه بريطانيا تهدد وتساوم على بعض المطالب حتى تستمر فى عضويته، نجد على العكس تماما تركيا، والتى يقع جزء صغير منها داخل القارة العجوز، ما زال يراودها الحلم الأوروبى وتساوم من أجل الانضمام إلى الاتحاد. وهذا ما وضح جليًا خلال مؤتمر القمة الطارئة الذى عقد منذ أيام فى بروكسل واجتمع فيه قادة الدول ال 28 الأعضاء مع رئيس الوزراء التركى أحمد داود أوغلو من أجل مناقشة وعلاج أسوأ أزمة مهاجرين تواجه أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، حيث يجد الاتحاد الأوروبى نفسه فى مأزق وليس أمامه بديل سوى التعاون مع تركيا لكبح تدفق المهاجرين على أوروبا للخروج من الأزمة، خاصة أن الأرقام تقول إنه فى عام 2015 فقط وصل إلى أوروبا أكثر من مليون شخص فى هجرة غير نظامية جاءوا أغلبهم عبر الأراضى التركية. وكانت طلبات الاتحاد الأوروبى من أنقرة خلال القمة واضحة ومحددة وهى قبول تركيا عودة اللاجئين والنازحين غير السوريين المرحلين من دول الاتحاد وغير المستوفين لشروط اللجوء، وكذلك قبول عودة اللاجئين المتدفقين على اليونان التى يصل إليها يومياً عبر تركيا حوالى ألفى مهاجر أغلبيتهم من سوريا والعراق وأفغانستان، إضافة إلى مطالبة تركيا بالسيطرة على الوضع داخل حدودها وسواحلها لمنع تسرب اللاجئين. وأمام هذه الطلبات وجدت تركيا الفرصة سانحة للمساومة بل وللابتزاز حيث اشترطت أن توافق على هذه الطلبات مقابل أن يسرع الاتحاد الأوروبى فى إنهاء المباحثات الخاصة بقبولها عضوا فيه، وإلى أن يتم ذلك طالبت تركيا من الاتحاد بأن يسمح لمواطنيها بدخول أراضيه بدون تأشيرة، كما طالبت أيضا أن يقبل الاتحاد توطين لاجئى سوريا موجود فى تركيا فى إحدى دول الاتحاد مقابل كل مهاجر غير سورى يعاد إلى الأراضى التركية تنفيذا لمبدأ «شخص مقابل شخص»، وأخيرًا طالبت بالإسراع فى صرف مبلغ 3 مليارات يورو كان الاتحاد الاوروبى قد وعد بها فى أكتوبر الماضى، إضافة لمبلغ 3.5 مليارات يورو طالبت أن تأخذه على أجزاء قبل نهاية عام 2018 لمساعدتها فى التعامل مع أزمة اللاجئين. وفى نهاية القمة أعلن الجانبان الأوروبى والتركى عن التوصل لاتفاق على مبادئ عريضة لخطة تستهدف تخفيف حدة أزمة الهجرة ، إلا أن الطرفين لم يتوصلا إلى قرار نهائى بشأن هذه الخطة أو المطالب التى اقترحها رئيس الوزراء التركى. وحدد الاتحاد الأوروبى يومى 17 و18 مارس الجارى موعدا للقمة المقبلة مع تركيا للتوصل لاتفاق نهائى. وفى الوقت الذى عبر فيه العديد من القادة الأوروبيين عن مفاجأتهم من ارتفاع سقف المطالب التركية، كشفت مصادر من داخل الاتحاد الأوروبى أن عددا من الدول الأعضاء، وعلى رأسها إيطاليا وهولندا، تعارض فتح فصول جديدة لمفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى، فضلًا عن اعتراض بلجيكا، وفرنسا، والنمسا، وإيطاليا على رفع تأشيرة دخول الأتراك لدول الاتحاد، وطالبوا بضرورة التزام تركيا بتنفيذ 70 شرطا مطلوبا منها مع الالتزام بتسعة تعديلات قانونية مطلوبة. كما أكدت المصادر أن بريطانياوإيطاليا وهولندا تعارض منح تركيا مبلغ 3.5 مليارات يورو حتى نهاية عام 2018. وفى سياق متصل، حذرت منظمة العفو الدولية، من خطة الاتحاد الأوروبى بإعادة آلاف المهاجرين إلى تركيا، مؤكدة أن هذه الخطوة تشوبها مخالفات قانونية. وأضافت المنظمة الحقوقية، فى بيان لها صدر بعد نهاية القمة، أن خطط الاتحاد بتصنيف تركيا باعتبارها بلدا آمنا للمهاجرين، يشوبها «قصر نظر ولا إنسانية خطيران»، لأن أنقرة لا ترعاهم بشكل سليم.